حوارات ولقاءات

الفنان محمد ميرغني: أنا بخير.. وعكة بسيطة.. وذهبت لحالها

لأن لغة الحياة الطبيعية هي الأمل.. ولأن مفردة التفاؤل التي تصنعه يجمّلها الإنسان بالفنون.. ولأن المرض يصيب الجسد لكنه لا ينال من الروح.. مقولةً أكدها ضيفنا الذي جلسنا معه لنغني ونجمّل دنياواتنا بالإستماع لفنانٍ بذل جليل عمره وكل حياته لتزيين المجتمع وتعليمه، وتثقيفه، وإذكاء وجدانه عبر التغني بالمفردات التقية النقية الممراحة.. ولأن الرجل معلم، ومغنٍ، ورياضي، واجتماعي من الطراز الفريد ، كان اللقاء فريداً.. فتح من خلاله الفنان ميرغني محمد أبنعوف الشهير بـ(محمد ميرغني) أبواب ذاكرته شاهد على الفن والسياسة والمجتمع لأكثر من نصف قرنٍ من الزمان.
هو ولد في بدايات الأربعينيات من القرن الفائت، واشتهر بالغناء والثقافة.. تنقل مابين مدينتي بحري وأمدرمان، عايشناه من تفاصيل الحديث وتنقلنا معه بين خضم ذكرياته ونقلنا لكم بالكلم والإحساس بعض ما استطعنا من هذه المشاهد.
٭ الرحم المكاني الذي تكون فيه محمد ميرغني الإنسان… وذاكرة الأيام في ماضيك…. ؟
– أنا كنت محظوظاً لأن ربنا جابني في مدينة أمدرمان- وتحديداً في منطقة سخنة جداً – فيها رؤساء السودان ومبدعيه .. بها اسماعيل الأزهري.. عبد الله خليل.. عبد الخالق محجوب.. سرور.. كرومة.. زنقار.. برعي أحمد البشير.. يعني كان شيء مكتمل ورفيع جداً.. وكانت المنطقة مليئة بالحراك الثقافي والديني.. بها الشيخ قريب الله والشيخ حمد النيل .. السادة الأدارسة.. بالإضافة إلى المهدي، فالصوفية والمدائح خلقت فيني حاجات كثيرة.. ده كلو سمع.. ايضاً المكتبات والكتب والمجلات.. السينما ومشاهدة كبار الفنانين.
٭ كيف كان المنزل ………… ؟
– الوالد كان عنده (الفونوغراف) وكمية كبيرة من الاسطوانات لكبار مغنيي ذلك الزمان عرب وأجانب وسودانيين.. وكنت أنا استمع وباستمرار للأغنيات.. الكلام ده كان وأنا عمرلا يقل عن ست سنوات.
٭ من في رأيك من الفنانين الذين استمعت إليهم فأصابك بعدوى الغناء … وما مدى تأثرك بالذاكرة السمعية للمنزل…؟
– نشأتي كما ذكرت كانت في هذا الجو المشحون بالإبداع والغناء والشعر جعلتني أتأثر بالكثيرين من المغنين والمؤدين السودانيين والعرب.
٭ مراحل حياتك بأكاديمياتها …. ؟
– درست الابتدائية بمدرسة شيخ أمين قرب معهد سكينة وكان ذلك في أربعينيات القرن الماضي ، ثم امتحنت للمرحلة الوسطى وقبلت في مدرسة الأحفاد لدراسة الوسطى، ومنها إلى الأهلية الوسطى بالخرطوم قرب (الكامبوني).. وحتى ذلك الوقت لم أكن أحلم أن أصبح فناناً بل كنت أتمنى أن أكون مهندساً أو تاجراً.. ضحك وقال : تاجر عندو قروش كتيييييرة .
ثم التحقت بمعهد المدرسين ببخت الرضا… وانتدبت للدراسة بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح.
٭ هل تذكر عدد من الأساتذة الذين تعلمت على يدهم في تلك المراحل…؟
– أذكر العديد منهم … كان شيخنا وابو فصلنا الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد .. لكني أذكر نموء الحركة الثقافية والسياسية في السودان وتشكُل الوعي السياسي السوداني حيث كنت في العام 1941م طالباً بالصف الأول وسطى.
٭ 1956م تداعيات المرحلة.. الاستقلال.. رفع العلم.. وفرحة الشعب بالحرية ….؟
– سرح لمدة .. وابتسامة يزهو عينيه .. ليواصل بعد بكلمات يتدفق منها الحنين والشجن ……….. قال نعم عشنا وشاهدنا الجلاء ورأينا خروج الانجليز، وصفقنا لرفع العلم السوداني .. وكنت شخصياً في ميدان المالية (كنت صغيراً) في استقبال الرئيس المصري محمد نجيب الذي جاء من الباب الشرقي ودخل على القصر من الباب الشمالي.. وكنت لصغر حجمي معصوراً على السياج ومن زحمة الناس كانت أقدامي لا تلامس الارض.
٭ أين كنت من الحركة السياسية السودانية آنذاك…؟
– كنت مع حزب الإتحاد والنظام والعمل مع الزعيم اسماعيل الأزهري .. وذلك لأننا كنا نسكن قربه ومستمتعين به ونسمع كلامه وأصدقاء ابنائه وتربينا على يده بحكم الجيرة .. وكان بيتنا يقع بين دار الجبهة المعادية للاستعمار(الحزب الشيوعي) ودار جبهة الميثاق الاسلامي (المؤتمر الوطني).. وتخيل أن تكون وسط حراك وزوابع سياسية كهذه.. وشهدنا أياماً مرة متمثلة في حواث مارس والتي شهدت صداماً بين الحكومة (الحزب الاتحادي) والانصار في ميدان كتنشنر (المالية الآن) فمات الكثيرون من الناس.
٭ متى بدأ ميرغني الغناء ….؟
– بدأت التغني في ستينيات القرن الماضي .. اشتريت عود وتعلمت العزف وتركت لعب كرة القدم وسرت في طرق الغناء.. كنت العب لفريق الأمير البحراوي .. يعني سبت الكورة وقلبت غنا طوالي.
٭ أول مكان تغنيت فيه.. وأول أغنية كاملة … ؟
– تغنيت لأول مرة بمسرح نادي الأمير .. كل أغاني أحمد المصطفى وعبد العزيز محمد داؤود وحسن عطية وخضر بشير كنت أتغنى بها.
٭ شعراء شاركوا في مسيرة الإبداع؟
– كثيرون هم الشعراء السودانيين الذين تعاملت معهم على سبيل المثال لا الحصر.. السر دوليب.. اسماعيل حسن.. التجانيى حاج موسى.. مصطفى سند.. سوركتي.. صلاح حاج سعيد.. صديق مدثر.. وآخرين كُثر.
٭ متى أجزت صوتك….؟
– كان ذلك في يوم 26ابريل5691م .. وبأغنية (أنا والأشواق) وهي أول أغنية خرجت لي عبر التلفاز.
ً٭ معالم حياتك الخاصة…؟
– أنا تزوجت في العام 1970م من بنت الجيران وشقيقة صديقي، وكنت حينها بالصف الأول بمعهد الموسيقى والمسرح.
٭ بمناسبة ذكر المعهد .. هل تذكر من المبدعين المعروفين الآن رافقوك في الدراسة بمعهد الموسيقى…؟
– أذكر الراحل الدوش.. وهاشم صديق.. بقسم الدراما وعلي ميرغني وغيره بقسم الموسيقى.
٭ ما هي قصة أغنية تباريح الهوى…؟
– أنا سمعت القصيدة ولم أكن أعرف أنها منحت لزيدان ابراهيم فحفظتها وتغنيت بها في برنامج إذاعي مع الاعلامي الراقي علم الدين حامد.
٭ مهرجانات في مسيرة ميرغني الغنائية…؟
– العديد من المهرجانات .. مهرجان الأغنيات.. مهرجانات الثقافة الأول والثاني والثالث.
٭ محمد ميرغني بالغناء وهو مغمض العينين…؟
– هي الصوفية علمتني حالات الإنجذاب ومعايشة إحساس الكلمات والألحان التي أتغنى بها.
٭ كم يبلغ إرثك الغنائي حتى الآن….؟
– كثير جداً.. وكثير…
٭ قاطعته: كثير لدرجة أنك لا تستطيع احصائه..؟
– رد بحزم: لا لكن حصره يحتاج لوقت قد لا يتوفر لك ولي الآن.
٭ لو لم تحترف الغناء … ماذا كنت ستكون…؟
– كنت سأكون مزارعاً…
٭ قاطعته مرة أخرى : لماذا…؟
– ربنا خلقنا وخلق أرزاقنا من الارض .. كنت بزرع .. وبقرع.. وعندي نجامة بدل العود.. وساقيتي.
٭ الساحة الغنائية السودانية الآن…؟
– لكل زمانٍ مغنيه … ولكل عهدٍ ناسه.
٭ هل هناك تدهور في زائقة المستمع السوداني…؟
– التدهور في كل نواحي الحياة، وهذا التدهور بالتأكيد يسوق الثقافة معه.
٭ شهور من الألم والمعاناة عاشها محمد ميرغني بسبب المرض ، ماذا أنت قائل…؟
– هذا امتحان من رب العالمين .. وربنا يجعلها كفارة.
* بعد سنوات من التغني والبحث والإجتهاد … هل أنت راضي عن التجربة…؟
– رد بحزم واضح .. إنت ما بترضى.. إذا رضيت معناها خلاص وقفت فأنت بتسمع كل يوم من الحوليك وتعمل مقارنة.
٭ كلمة أخيرة؟
– شكراً لكم … أولاً على الزيارة .. وثانياً على هذا الحوار الجميل.

حاوره : أيمن عبد الله صباح الخير– الوطن