تحقيقات وتقارير
تجارة العُملة.. (……) هؤلاء في قفص الاتهام
(السوداني) سعت للخوض في أعماق هذه القضية بالوقوف على هوية باعة الدولار، مع سماسرة عُملة، ثم استنطقت خبراء اقتصاديين، ومن ثم طرقنا أبواب اتحاد الصرافات، لنخرج بالمُحصِّلة التالية:
ممنوع بالقانون
عند تناول موضوع الاتجار بالعملات، أول سؤال يتبادر للأذهان هو: هل الاتجار بالعملات الأجنبية حق مُباح لكل من أراد ذلك؟ الإجابة بكل صدق: “لا”، والدليل أن قانون البنك المركزي حدَّد بصورة قاطعة عدم الجواز لأي شخص التعامل بالنقد الأجنبي إلا بموافقة محافظ البنك المركزي أو من يفوضه بالتعامل في النقد الأجنبي بأيٍّ من الوسائل الآتية: إدخال أرصدة وضمانات أو إخراجها من السودان؛ استيراد أو تصدير النقد الأجنبي أو التصرف فيه؛ تحويل الجنيه السوداني لنقد أجنبي بغرض أداء مدفوعات أو إجراء تحويلات لداخل السودان أو خارجه، فضلاً عن عدم الجواز لأيِّ شخص أن يدخل للسودان نقداً أجنبياً، وأن يتصرف فيه وفقاً لما يقرره المحافظ من وقت لآخر.
كما منعت المادة 12 (5) عدم بيع نقد أجنبي لأيِّ شخص لاستخدامه في استثمار مباشر أو لشراء عقارات أو حفظ ودائع خارج أو داخل السودان إلا بعد موافقة المحافظ.
رأس جبل الجليد
ذكرنا آنفاً أن الاتجار بالنقد الأجنبي أصبح مهنة من لا مهنة له، أما إذا سألت: لماذا حدث هذا؟ فالإجابة حسبما قالها لـ(السوداني) المحلل الاقتصادي د.عادل عبد العزيز؛ ترجع إلى أن التعاملات التي تتم بالسوق المحلي السوداني أفرزت نوعاً من المضاربات بالعملة السودانية إذ يتم حالياً التعامل بعائدات الصادرات، باعتبارها سلعة للتداول، بمعنى أنه يتم بيع الأوراق الخاصة بعائدات الصادر وتداولها بين التجار، مما تسبب في حدوث المضاربات التي أثرت تمدد في هذا السوق، كما أنها تؤثر آنياً في سعر الدولار.
وأبان د.عبد العزيز أن ما نشاهده في براندات السوق الإفرنجي، وحول برج البركة، من تعاملات خارج النطاق الرسمي في الدولار بيعاً وشراءً، محدودة جداً في حجمها، وغير مؤثرة، لأن التعاملات الحقيقية تتم خارج السودان، بكلٍّ من دبي وجدة والرياض، حيث يوجد ثقل كبير للمهاجرين السودانيين الراغبين في تحويل أموالهم لفائدة أسرهم بالداخل، مبيناً أن ارتفاع العملات الأجنبية مقابل العملات السودانية يرجع لضعف الإنتاجية في الاقتصاد السوداني، وعدم وجود صادرات بكميات مقدرة للأسواق الخارجية، لهذا فإن المعالجة يجب أن تتجه أولاً لتعديل الإجراءات المتعلقة بعائدات الصادرات، وكيفية التعامل فيها، وثانياً بتعديل سعر الصرف الرسمي، بحيث يتم ذلك بانسياب سلس لمدخرات السودانيين العاملين بالخارج.
نافذون على الخط!!
وتوسيعاً لدائرة المحسوبين على سوق الاتجار بالعملات، أدخل أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، د.محمد الجاك؛ بعض النافذين بالحكومة، مؤكداً في حديثه لـ(السوداني) أن هؤلاء أعلنوها صراحة لحكومتهم، بعدم تخليهم عن أنشطتهم الاستثمارية والتجارية، وبالتالي فإن هذه الاستثمارات تدفعهم بدهياً للدخول في سوق الدولار، والتحكم فيه بيعاً وشراءً، مشيراً إلى أن هذه الممارسات ممنوعة بأمر الدستور، الذي يحوي نصاً صريحاً يمنع التنفيذيين بالدولة من الدخول في أنشطة تجارية، لكن الواقع السائد الآن قد يدفع الشخص النافذ الذي يعمل في أي نشاط استثماري للتأثير على السياسات التي تحكم النشاط الاقتصادي وتوجيهه لصالحه، وزاد في النهاية: (سوق العملة هو سوق خفي يعمل في الظل بشكل يصعب معه حتى تحديد هوية النافذين الذين يتحكمون فيه).
وقال الجاك إن أغلب المتعاملين بالدولار يلجأون للمضاربات، مبيناً أن المتاجرين بالعملة لا يحققون قيمة مضافة للاقتصاد، ولا يسهمون في بناء نظام اقتصادي حقيقي، وإنما يقصدون في المقام الأول جني أرباح خيالية. وأبان أن سوق العملات يدار في معظم الأحيان خارجياً بدول الخليج وغيرها، إذ أن أغلب التجار والسماسرة الموجودين بالبلاد الآن لديهم وكلاء خارجيون بالدول المذكورة وغيرها، ويقومون بشراء الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، ويوفرونها لمن يحتاج إليها سواء كانوا تجاراً أو أفراداً عاديين، أو للعلاج والأغراض الأخرى.
مُحاباة الحكومة!!
من جهته، ألقى بروفسير عصام الدين بوب؛ باللائمة على الحكومة، لجهة أنها تبقي الدولار بأيدي أشخاص بعينهم، وهؤلاء ظلوا يرفعون ويخفضون من سعره، كما يشاءون، مشيراً إلى أن ما يتردد هذه الأيام عن تحسن الاقتصاد وانخفاض قيمة الدولار أمام الجنيه، لا يعدو أن أكثر من كونه أحلاماً وأماني، مضيفاً: إن الاقتصاد يعتمد على قدرات قطاعات الإنتاج فيه. وأضاف أن الدولار سيعاود الارتفاع مجدداً، بوتيرة أكبر، وأن موجة الغلاء التي تضرب أسواق البلاد ستستمر، وتشمل كافة أنواع السلع، مضيفاً أن الحديث عن تحسن الاقتصاد وانخفاض قيمة الدولار وتعافي الجنيه لا يعدو أكثر من كونه أحلاماً وأماني. وقال بوب: إن كل الضجة القائمة حول إمكانية تحسين الاقتصاد السوداني هي أمانٍ لا يمكن تحقيقها إلا إذا تحسن أداء قطاعات إنتاجه الحقيقي. وتساءل بقوله: لكن كيف يمكن ذلك تحت الظروف السياسية والإدارية الحالية، مؤكداً أن هناك ضخَّاً من البنك المركزي لكميات من الدولارات في السوق المحلي، ولكن هذا لا يجدي لأن المواطن فقد الثقة في عملته الوطنية كمخزن للقيمة؛ والدليل انخفاض معدلات الادخار في المصارف والاستثمار الحقيقي، مع فقدان القيمة الحقيقية للجنيه السوداني. وأضاف: لذلك أتوقع أن يعاود الدولار الارتفاع مقابل الجنيه، لأن الاقتصاد يجب أن يعتمد على قدرات قطاعات الإنتاج فيه.
السوق والمُضاربات
ويقول المحلل المصرفي، د.مصطفى محمد عبد الله، لـ(السوداني) إن هنالك عوامل مهمة تحدد سعر الصرف كظاهرة المضاربة في سوق النقد الأجنبي، والتي تبنى على توقعات تعبر عن مجمل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والتحديات التي تجابه البلاد.
وأبان أن الزيادات الحالية في الدولار، المتسبب الرئيس فيها هي توقعات المضاربين في سوق النقد، وزيادة الطلب على النقد الأجنبي بشكل عام، مجدداً اقتراحه بإحكام السياسات الكلية لخفض الدولار.
وقال عبد الله: إن أي ارتفاع في سعر الصرف، يعبر عن أساسيات الاقتصاد الكلي، والتي تشير لتحسن النمو الإنتاجي وترشيد النمو النقدي وتحسن الانضباط المالي في الموازنة العامة للدولة، وتحسن نمو حصيلة الصادرات حيث بلغت (2،7) مليارات دولار في العام السابق 2013، رغم انخفاض حصيلة الذهب من (3،2) مليار دولار حوالي (47) طناً من الذهب في العام 2012 مقارنة بحوالي مليار دولار في 2013 (24) طن ذهب. ويرجع السبب في ذلك الانخفاض لأسعار البورصة العالمية وانخفاض حجم الإنتاج الفعلي وارتفاع ظاهرة تهريب الذهب، وتحسن موقف متحصلات النقد الأجنبي بشكل عام، بارتفاع حصيلة الصادرات غير البترولية وغير الذهبية لحوالي ملياريْ دولار، مشيراً للتحسن النسبي في موقف النقد الأجنبي بعد الانفصال، وفقدان البترول الجنوبي، متوقعاً إسهام التحرك الخارجي في الحصول على موارد إضافية، وكذلك يمكن أن ترفد الاتفاقيات مع الجنوب فيما يلي رسوم العبور والترتيبات المالية الانتقالية الخزانة العامة بحوالي ملياريْ دولار سنويَّاً، مما يحسن من موقف المالية العامة، وموقف ميزان المدفوعات، وإذا تم اتخاذ إجراءات لترشيد الطلب على النقد الأجنبي ومحاربة تجارة العملة وضبط سوق النقد الأجنبي، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف وانتفاء ظاهرة المضاربة في سوق النقد.
وكشف عن شروط ضرورية لإصلاح نظام سعر الصرف، ليكون أكثر تشجيعاً لتحويلات المغتربين، والإسهام كذلك في تشجيع حصيلة الصادرات، وترشيد استيراد السلع غير الضرورية، مبيِّناً أن ذلك يمكن الاقتصاد من تسريع التعافي مبكراً، موضحاً أن كل البيانات تشير لإمكانية استعادة التوازن الخارجي والداخلي، حال حدوث إحكام للسياسات الاقتصادية الكلية في بدايات العام 2015، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب تضافر الجهود بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، لإحلال الواردات وترقية الصادرات وتحقيق إستراتيجية الدولة في الاكتفاء من القمح والجازولين والأدوية والسكر وغيرها من السلع الضرورية، داعياً لتركيز السياسات الكلية على تحسين الإنتاج، وتوجيه موارد مقدرة من الموازنة العامة للدولة لصالح دعم قاعدة الإنتاج وزيادة الإنتاجية، وتوجيه موارد التمويل المصرفي لتحقيق وفرة في السلع الضرورية، بما يمكِّن من تحقيق استقرار سعر الصرف.
رقابة لصيقة
مصادر لصيقة بهذا الملف، قالت لـ(السوداني) إن سعر صرف الجنيه السوداني يراقب من شركات أجنبية كشركات تشغيل الهاتف المحمول زين وإم.تي.إن. والبنوك الخليجية التي تبيع منتجات بالعملة المحلية، ثم تسعى لتحويل فوائدها إلى الدولار. كما يحوز مستثمرون خليجيون سندات إسلامية مقيمة بالجنيه السوداني، يبيعها البنك المركزي.
وأكد عدد من السماسرة بالسوق أن أكثر الفئات طلباً للدولار حالياً هم المستوردون والأفراد بغرض الرحلات العلاجية، وقالوا إن السوق أصبح دائرياً إذ يشتري التجار فيما بينهم والشركات والمؤسسات الكبيرة.
اتهام ونفي!!
وخلال متابعات (السوداني) اللصيقة لسوق الدولار والعملات الحرة والمتعاملين فيه، علمت أن بنك السودان منح (7) صرافات وهي (الهجرة، اليمامة، أرقين، الرائد، دينار، هات، ليرا) الحق في استيراد الدولار من الخارج وبيعه بالداخل لسد الفجوة، الأمر الذي أغضب الصرافات الأخرى بمبرر أن هذا الامتياز كان لصالح صرافات بعينها، وليس مفتوحاً للصرافات كافة.
وقد سارع اتحاد الصرافات عبر أمينه العام جعفر عبده حاج لنفي هذا الأمر، وقال لـ(السوداني) إن هذه الصرافات الـ(7) لم تحتكر استيراد الدولار، وقد نجحت في استقطاب نقد أجنبي (كاش)، بالاستفادة من حساباتها الخارجية بدولة دبي، مشيراً لتوريدها نقداً أجنبياً لحسابات البنوك في الخارج والداخل (نقداً)، مبيناً قلة ربحيتها من جراء ذلك، فتبيع الدولار بسعر التكلفة (6،8) جنيهات فقط إسهاماً منها في تغطية الطلب الكبير على النقد الأجنبي بالسوق، والذي تسببت فيه إجازات المدارس والتي زادت الطلب على السفر، فضلاً عن بدء موسم استيراد السلع الرمضانية، والذي زاد من أسعار الدولار لهذا المستوى غير المسبوق، مؤكداً أن الصرافات توفر نقد أجنبي للمسافرين لأغراض العلاج بعد إبراز المستندات الرسمية بواقع (1000) دولار فأكثر، بينما توفر للمسافرين للأغراض الأخرى في المطار (200) دولار.
ونفى حاج لـ(السوداني) صحة أن يكون البنك المركزي قد خص صرافات بعينها بجلب موارد من النقد الأجنبي من الخارج وضخها بالسوق، مشيراً لسماح البنك للصرافات كافة خاصة التي لديها حسابات خارجية بتغذية حسابات البنوك في الخارج بالنقد الأجنبي، مقابل الحصول على كاش بالنقد الأجنبي من البنوك بالداخل، أو باتفاق مع البنك المركزي، كاشفاً عن مساعي اتحاده للبحث عن موارد إضافية من النقد الأجنبي، إما بالاستيراد أو بشرائها من بنوك محلية.
محاصرة السماسرة
وكان بنك السودان المركزي، قد سعى في أوقات سابقة، لاتخاذ تدابير لمحاصرة سماسرة العملة والمضاربين، عبر تنفيذ حملات منظمة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، وتفعيل قانون النقد الأجنبي الذي يجرم الاتجار غير المشروع بالعملة.
وتهدف تدابير السياسة النقدية والقطاع الخارجي، للسيطرة والتحكم في معدّلات التضخم، والمحافظة على استقرار سعر الصرف.
فضلاً عن تسلم بعض الموارد من دولة الصين، تضاف لقروض نقدية خارجية، تسهم في زيادة العرض، فضلاً عن الاتفاق مع دولة الصين على إعادة جدولة المستحقات بالنقد الأجنبي، على أن يبدأ دفعها بعد عام 2017. وأعلن البنك سابقاً تعديل نسبة الاحتياطي النقدي القانوني، من 13% إلى 15%، بغرض امتصاص بعض السيولة من الأسواق، إلى جانب إجراء مزادات لبيع أوراق مالية لامتصاص سيولة من المصارف في إطار عمليات السوق المفتوحة، مما يقلل الضغط على استخدامه، إلى جانب استلام بعض الموارد من الصين، والحصول على قروض نقدية خارجية للإسهام في زيادة المعروض من النقد الأجنبي، وحصل البنك أيضاً على تسهيلات من مراسليه بالخارج، لاستخدامها في تنفيذ اعتمادات استيراد السلع الأساسية، بالإضافة للزيادة الملحوظة في تدفقات صادرات الذهب.
تحقيق : هالة حمزة مصطفى -السوداني
شكرا هالة، تحقيق مرتب، منطقي ومتناسق، نسأل الله أن يصلح حال بلادنا، فالذين تسببوا في تعاستنا هم أيضا سودانيون
أنا مغترب لي 15 سنة وبحول عن طريق تاجر سوداني واحد فقط في كل فترتي هذه بعطيه الفلوس هنا وبستلموا الجماعة في السودان… تجار العملة موجودين قبل المصايب الحاصلة لينا دي
أسمعي يا هالة / المحاسبين في البنوك بيعطوا بعض من اصحابهم فلوس ليتاجروا بها واخر النهار ترد للخزينة مع تقاسم الربحية
ياحاج ما فهمتها دي بجيبوا نقد اجنبي كاش من (حساباتكم) بالخارج وبسعر 6.8 دي افهمها كيف ودا كله عشان خاطر الشعب المسكين بالله؟؟؟؟ العبوا غيرها امال فاتحين ليه