رأي ومقالات

آمال الفحل : الخطوط الحمراء.. خطوط وهمية أم واقعية؟

[JUSTIFY]على ما يبدو أن تناول وسائل الإعلام خاصة الصحف، لقضايا الفساد أحدث لغطاً وتشويش للسلطة الحاكمة، حيث أصدرت إدارة الاعلام بجهاز الامن والمخابرات بياناً أكدت فيه قيمة الحرية وأهمية ممارستها بشفافية ووعي.

وأشار البيان انه كان لزاماً على الجهاز اتخاذ اجراءات بوضع خطوات نحو العلاج الشامل للممارسة الضارة والاستخدام غير الاخلاقي وغير المسؤول لحرية التعبير. مراقبون يرون ان الحكومة ضاقت بالصحافة ذرعاً بعد ان روت الاخيرة عطشها وظمأها من منهل الحريات،
المتابع للأحداث يجد أن السلطة لم تستطع تحمل التناول الصحفي والتجاوزات التي تحدث واحتدام الحرب ضد الفساد، الامر الذي جعل وزير الاعلام أحمد بلال عثمان يشدد بعدم السماح للصحف بالهدم. وقال هنالك خطوط حمراء من يتخطاها سيجد نفسه امام القانون، معلناً عن تكوين لجنة تضم رئاسة الجمهورية والجهازين التنفيذي والتشريعي، تُلزم المؤسسات الاعلامية بالرجوع اليها لتوخي الدقة قبل النشر خاصة في القضايا المتعلقة بالفساد.

إشارة وزير الاعلام لمصطلح الخطوط الحمراء، وصفه مراقبون بانه مصطلح تحذيري مطاط وليس له حدود وسقف معين، مدللين بانه كان على السيد الوزير توضيح ما هي هذه الخطوط الحمراء، فاذا كان يعني بذلك التجني على امن الوطن والقوات المسلحة وهيبة الاجهزة العدلية وحماية حقوق افراد المجتمع، فهذه مبادىء عامة فلا ينبغي لأحد ان يتجاوز هذه الخطوط، فعلى الوزير توضيح ذلك.

وهنا تبرز ثمة تساؤلات على السطح هل هنالك توصيف قانوني لهذا المصطلح، فهو مصطلح غير قانوني وانما إعلامي دعائي، هذا حسب المحلل السياسي د.عبد الرحمن الدومة، مؤكداًان الشخص المتحدث هو الذي يحدد هذه الخطوط، حديث الدومة يتوافق مع حديث سابق لدكتور غازي صلاح الدين الذي ذكر فيه، ان الثوابت الوطنية وحدها هي الخطوط الحمراء، موضحاً أنه شاع في أحاديث أهل الحكم في السودان تعبير «خطوط حمراء»، كل واحد يفتي بأن هذا الأمر هو «خط أحمر» قائلاً اطلعت على قائمة من سبعة عشر بنداً وزعت على الصحف، باعتبارها كلها خطوطاً حمراء. لدرجة أنني لم أستطع، ولو من باب التخيل، أن أحدد ما هي الخطوط الخضراء، قائلاً يبدو أنه على عكس قاعدة الاستصحاب الفقهية التي تقول بأن «الأصل في الأشياء الحل»، بمعنى أن كل أفعال الإنسان حلال في الأصل إلا إذا حرمت بنصّ، فإن التكلم في أمر السياسة قائم على أن «الأصل في الأشياء الحرمة» إلا إذا حلل بنص. مشيراً لا يمكنني أن أتخيل كيف يمكن أن نجري حواراً وطنياً في ظل قاعدة كهذه، لكن الأهم هو السؤال عن ما إذا كانت هناك حجة تسند مثل تلك القاعدة القانونية.

الإجابة هي أن الصحيح هو أن حرية الاعتقاد والتعبير هما الأصل، لأنهما مرتبطتان بمهمة التكليف السماوية التي منحت الإنسان حق الإيمان وحق الكفر، وهي لم تمنعه الاحتجاج لكفره، كما أورد القرآن في مواطن عديدة محاجّة إبليس لربه. موضحاً بأي حق يخرج علينا شخص ليفتينا بأن الحديث في كذا خط أخضر، بينما الحديث في كذاك هو خط أحمر.

مؤكداً لا يمكن لشخص ان يحدد ذلك على هواه، مبيناً أن الخطوط الحمراء موجودة فعلاً وهي ليست خيالاً. لكنها في البلاد التي تحترم الحريات، وهي ليست حقاً حصرياً للحاكم يمارسها بهواه. مشيرًا أن الخطوط الحمراء هي الثوابت الوطنية كما يقررها المجتمع عبر إجراءات ديمقراطية، تأخذ في الاعتبار جميع وجهات النظر. إذا جرى الاتفاق على الخطوط الحمراء بهذه الطريقة يصبح الاقتراب منها جريمة يعاقب عليها القانون الصادر بوسائل ديمقراطية. بخلاف ذلك لا توجد خطوط حمراء.

حديث وزير الإعلام حدا بالخبير الاستراتيجي بروفسير محمد حسين أبو صالح ليقول إذا وصلت الدولة مرحلة النضج السيادي، في هذه الحال يمكن أن يكون الاعلام رقيباً على نفسه مبيناً ان هذا يتطلب الإدراك بتعقيدات المصالح الوطنية وما يتعلق بها من استراتيجيات أجنبية، مبيناً يمكن للاعلام أن يؤدي دوره إذا ارتفع مستوى الوعي للصحفيين بثقافة الأمن القومي، وقال في غياب ذلك يمكن أن يكون هنالك ضرر من غير قصد ومن الأفضل رقابة الإعلام على نفسه إذا توفرت هذه الشروط.

من خلال المعطيات يتضح ان الحكومة لأول مرة تسبق إجراءاتها بالتحذير ولا أحد يتنبأ مسبقاً في ظروفنا الحالية بما تفعله الحكومة حيال النشر الصحفي اليومي خاصة إذا لامس الخطوط الحمراء.

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]