اضطراب الوضع السياسي يزيد الديون المتعثرة بالبنوك العربية ومخاطر التوسع الجغرافي يهدد السيولة
وإذا كانت تلك الأزمة قد اطاحت بمئات المصارف العالمية التي أعلنت افلاسها، فانها لم تهز المصارف العربية التي حققت معدلات نمو واداء جيدة بلغت 8% (حسب تقرير لاتحاد المصارف العربية)، وبذلك فاقت نسبة متوسط نمو الاقتصاد العربي التي سجلت 4 % فقط.
وتبرز قوة القطاع المصرفي من خلال الدور المحوري الذي يلعبه في تنمية الاقتصاد العربي، بتمويله قطاع الاعمال والتجارة والاستثمار، بالإضافة الى توفير التمويل اللازم للأفراد لتلبية الاحتياجات المختلفة، وهو يضم أكثر من 430 مؤسسة مصرفية تدير أموالا قاربت ثلاثة تريليونات دولار كأصول، وحجم ودائع تزيد عن 1.6 تريليون دولار، بينما قاربت حقوق الملكية الـ 300 مليار دولار أمريكي.
وتتوقع مصادر مصرفية أن تكون سنة 2014، سنة جيدة، حيث يصل بنهايتها، صافي أرباح المصارف العربية إلى 40 مليار دولار، مع توقع نمو أرباح بنسبة 10% للمصارف العربية عموماً، ونسبة 15% للمصارف الخليجية.
لذلك يعتبر اتحاد المصارف العربية أن القطاع المصرفي العربي الأكثر جاهزية وحيوية في الاقتصادات العربية، فهو يكون منظومة قوية مستقرة ومتماسكة ولديها القدرة على مواكبة التطورات الدولية والتغيرات والتحولات الاقليمية.
وانطلاقا من هذه “القوة”، دعا الدكتور جوزيف طربية رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الى صوغ دور جديد للمصارف العربية، يكون لها فاعلية أكبر في استقطاب الموارد المالية وادارتها وتوظيفها في الاقتصادات العربية، خصوصاً وأن عودة الاستقرار إلىالمنطقة، سيخلق فرصا استثمارية هائلة توفرها مشاريع اعادة الاعمار، ويمكن أن تلعب فيها رؤوس الاموال العربية دورا بارزا من خلال تحقيق التعاون والتكامل المصرفي العربي، مع الاشارة إلى دراسة قام بها اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع البنك الدولي، تؤكدان حصة القروض المقدمة الى هذا القطاع بلغت 8 في المئة فقط من مجموع القروض المقدمة من القطاع المصرفي العربي.
تحديات ومخاطر
لا شك في أنه مقابل المؤشرات الايجابية التي يتمتع بها القطاع المصرفي العربي، هناك سلسلة تحديات ومخاطر على الساحتين الاقليمية والدولية، ولعل أبرزها حالة عدم الاستقرار السياسي، في ضوء تداعيات ثورات الربيع العربي، فضلا عن النقص في الديموقراطية وضعف القطاع الخاص وتقويض دوره.
وعلى الرغم من أن المصارف العربية استطاعت بشكل عام تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية، ولم يتعرض أي مصرف عربي للإفلاس، ولكن بعضها يواجه تحديات تتعلق بجودة اصولها التي تأذت بفعل تلك الازمة، لذلك اضطرت في السنوات الست الاخيرة الى تجنيد الكثير من المخصصات لتغطية القروض المتعثرة، واذا كانت المصارف الخليجية قد تجاوزت مسألة جودة الاصول، فان المصارف في اقتصادات البلدان التي تشهد مرحلة انتقالية، ستواجه مزيداً من القروض المتعثرة في حال لم تستعد نموها بوتيرة اسرع، او لم يستقر الوضع السياسي فيها.
واذا كانت المصارف العربية تتمتع برؤوس أموال جيدة، تساعدها على مواجهة التحديات والاخطار، فإن دراسة حديثة أجرتها شركة “بوز اند كومباني”، توقعت أن يزيد عجز رأس المال الذي قد تعاني منه المصارف العاملة في دول التعاون الخليجي والمشرق العربي من قرابة 11 مليار دولار، إلى نحو يتراوح من 12 الى 27 مليار دولار في عام 2017، وذلك استنادا إلى سيناريوهات اقتصادية مختلفة.
وأضافت الدراسة: بفضل الرقابة الحكيمة التي تمارسها الجهات الرقابية، خرجت المصارف العربية من الأزمة المالية العالمية في شكل أفضل من العديد من المصارف الغربية، ولكن لا ينبغي النظر إلى مراكز رأس المال والسيولة كأمر مُسلّم به.
وقد أجرت الشركة دراسة حديثة حول مستويات الرسملة والسيولة لحوالي 64 مصرفا إقليميا، وجاءت النتائج منذرة بالخطر، حيث تواجه العديد من المؤسسات المالية احتمالية وجود عجز في رأس المال والسيولة لديها في الأجل القريب، ولاسيما في ظل تطبيق تعليمات بازل 3 بشكل تدريجي ابتداء من عام 2013 وانتهاء بعام 2018. وللتصرّف حيال هذه الاحتمالية، ستحتاج المصارف إلى إدارة مستويات رأس المال والسيولة لديها بشكل أكثر استباقية في القريب العاجل.
وترى مصادر مصرفية أن المصارف التي لا تستوفي متطلبات المعايير الدولية، ستكون أمام خيارين، أما زيادة رأس المال عبر بيع جزء كبير من أصولها، أو عبر الاقتراض، وأما خيار الاندماج خلال فترة متوسطة الاجل في كانون الثاني (يناير) 2015.
حماية السيولة
لوحظ في السنوات الاخيرة، إقدام المصارف العربية على التوسع في نشاطها الاقليمي والدولي، الأمر الذي ساهم في زيادة المخاطر الجغرافية والاقتصادية وتنوعها، ولذلك دعا المدير العام لصندوق النقد العربي عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المصارف العربية الى إيجاد الوسائل الكفيلة بتوقع المشكلات قبل حدوثها وبالتالي التعامل معها قبل استفحالها، مؤكداً “أن دور السلطات الرقابية اصبح استباقياً” ويتعين عليها أن تولي أهمية لموضوع الأخطار المصرفية من أجل الحفاظ على سلامة القطاع المصرفي، خصوصاً في ظل الأهمية الكبرى التي تحتلها المصارف في اقتصادات الدول ومنها العربية، واضاف موضحاً “إن الدور الرقابي الفاعل لم يعد يقتصر على التعامل مع المشكلة التي تواجه المصارف بعد حدوثها وإنما يتعين في ضوء أهمية موضوع الأخطار وجود إدارات قوية لها وبناء قاعدة رأسمالية صلبة تساعد على امتصاص الصدمات”. وأكد أن قطاع المصارف أصبح يواجه عدداً من التحديات الناجمة عن عولمة الأسواق والتطورات التقنية واستحداث مجموعة خدمات ومنتجات مالية، الأمر الذي ترتب عليه بروز أخطار مالية في عمل المصارف.
وأشار مدير صندوق النقد العربي إلى أن “دور الوساطة المالية الذي تلعبه المصارف يتمخض عنه أحياناً عدم المواءمة بين مصادر الأموال والتوظيفات الناجم عن تحويل الأموال قصيرة الأجل إلى استثمارات طويلة الأجل، ما يؤدي إلى تعرضها إلى أخطار السيولة المتمثلة في عدم قدرة المصرف على الوفاء بالالتزامات تجاه المودعين في سحب أموالهم حين يرغبون، وقد يترتب على ذلك أزمات مصرفية، كما حصل أثناء الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالنظام المالي العالمي وأدت إلى انهيار عدد من المصارف الكبرى”.
وكالة الأناضول
أ.ع