تحقيقات وتقارير

ما الذي يريد أن يقوله شيخ علي؟ وهل سيمضي إلى الساحة الخضراء بعيد أسابيع ليضيء شموع الذكرى الـ(25)؟؟

[JUSTIFY]عشية إعفائه من منصبه بعد طول مكوث، دلف نائب رئيس الجمهورية السابق الأستاذ علي عثمان ناحية منزله في ضاحية الرياض وهو يتأبط حزمة من الأوراق، فوجئ الرجل بأصحاب الرايات الخضراء وهم يطوقون الحديقة المنزلية ويضربون الدفوف و(يعمدونه) نظراً لمواقفه السابقة تجاههم، صعد خطيبهم وأطنب في المدح عوضاً عما رشح في المدينة من حسرة الإقصاء، الكاميرا التي اختطفت وجه الرجل بينت حمرة خجل وتقاطيب صغيرة توردت مورد الصمت المطبق. منزل الشيخ كاد يتحول إلى صيوان عزاء، ولكنه في قرارة نفسه كان يعلم أنه امتلك شجاعة التخلي عن موقعه حتى لا يتخلى الموقع عنه.

لأكثر من ستة أشهر اختفي رجل الإنقاذ الغامض عن الأنظار ودخل في عزلته المجيدة، حتى فوجئ به الناس قبل أيام وهو يتجلى في قبة البرلمان ويدافع عن التجربة كأنها ولدت غراماً في عينيه من جديد.

المثير في الأمر أن استماتة على عثمان في الدفاع عن الإنقاذ ومشروعها تتزامن مع الذكرى الـ(25) لإنقلاب يونيو المكنى عند الإسلاميين بالثورة الإنقاذية، كان لافتاً بروز شيخ علي بروب المحاماة وهو يدفع عن المشروع الحضاري السهام، رغم أن العاطفة بردت في الصدور نتاج لوثة الأخطاء والخطايا التي أقر بها صاحب المشروع نفسه الدكتور الترابي، وسواء ذهب نائب الرئيس السابق إلى الساحة الخضراء للغناء مع منشدي الإنقاذ (عيد الثورة لابد يعود تاني) أو اكتفي بحراسة البرلمان فإن صورته الجديدة خارج الإطار القديم بدت لافتة للأنظار بعيد أن ظن الكثيرون أنه تصوف وزهد في العمل العام، لكن الراجح لدى من يؤمنون بنظرية المؤامرة أن دور علي عثمان انتهى منذ أن صعد منصة مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير وصقع الحضور بخطابة الموغل في الحماسة وتحدي المجتمع الدولي: (الله أكبر لإحياء منظمات الأمة الإسلامية، لا لمجلس الظلم العالمي، لا للأمم المتحدة) وسعاد الفاتح تذرف الدموع، ربما كانت تلك إشارة النهاية.

بضعة شهور وتوارت نجوميته في الميديا العالمية بعيد أن كان مرشحاً لنوبل هو والراحل جون قرنق، ولربما كان هتافه محور غضبته تجاه المجتمع الدولي الذي تخلي عنه في أشد اللحظات حلكة.

ثمة شاهد على أن علي عثمان لا زال يتحرك في مرايا الحزب الحاكم، والدليل على ذلك، بخلاف الزيارات المستمرة من شباب وطلاب الحزب، هو إعادة طباعة كتاب علي عثمان (موجهات الفرد والجماعة.. واجبات الفرد في المؤتمر الوطني)، الكتاب الذي خط مقدمته الدكتور عبد الرحيم علي، حمل رواية اختلف الناس حول صحتها، عبد الرحيم زعم أن شيخ علي دخل سجن كوبر، فيما هو متعارف وسط الإسلاميين أن علي عثمان لم يكن من زبائن المعتقلات طوال مسيرته في العمل العام، وكان محروساً ليقوم بدوره على أكمل وجه، عبد الرحيم سرد فصول تلك الرواية وقال إنه “في ليلة من ليالي صيف 1970م في سجن كوبر كنا جمعاً من أهل الأسلام في السودان أنصارا، ختمية، سلفيين، إخوانا مسلمين، بعد الانقلاب اليساري، وكان هناك شيخ من الأنصار مسؤول عن حلقة التلاوة والتجويد.. فرأيته يوما في ساعة متأخرة من الليل وهو واقف يغسل ملابسه في الماسورة الوحيدة في حوش السجن فسألته لماذ؟ فقال لي إن هناك أحد الشباب من المعتقلين قد أحرجه بكثرة طلبه أن يغسل له ثيابه.. فكان ذاك الشاب رئيساً لاتحاد الطلاب في الجامعة، وهو علي عثمان محمد طه”

(أجيال وراء أجيال) هو بالضبط الشعار المرفوع للحُلم العربي، بخلاف الحلم (الإنقاذي) ورجالات الدّولة التي يعتقد الكثيرون انها تأسست وفق معطيات (الثابت والمتحول)، ولكن من هو الثابت؟ ومن هو المتحول؟! الإجابة بالطّبع على هذه التساؤلات تقتضي الإشارة إلى أهم شخصية طوال عقدين من الزمان وهو الأستاذ علي عثمان، شيخ علي وبالرغم أن البعض ظن أن الأضواء انحسرت عنه صبيحه ترجله من منصبه، إلا أن الرجل بدا أن لديه قدرة على الاحتفاظ بالكرة لأطول فترة من الزمن وشغل الناس بتصريحاته حمالة الأوجه، اختار هذه المرة قبة البرلمان لإشعال فتيل الساحة السياسية.

لأكثر من يوم تتصدر تصريحاته (مينشيتات) الصحف، “طه يدعو لمعالجة قضية المهدي من أجل الحوار، طه يدعو الأحزاب لتغيير قادتها أسوة بالوطني، طه ينادي بمعادلة لحرية الصحافة وانتهاك الحرمات”، فجأة بدا صوته هو الأعلى، قبلها بأيام قدم نائب الرئيس السابق وصفة لإعادة صورة الإسلاميين التي اهتزت بسبب الحكم وملاحقات تهم الفساد من قبل خصومهم، الرجل انتقد تحت قبة البرلمان محبطي الثورة التي بلغت عمر الفتوة وقال إن ثورة الإنقاذ الوطني لا تزال قادرة على أن تتجدد وترد على الناس ليس بلسان الكلمات وإنما بكوكبة من رجالات السودان ترتفع فوق كل انتماء لحزب أو شخص أو جهة أو طائفة، ووجه طه سهامه لبعض من وصفهم بـ”من يتدثرون بالاستحياء في التحدث عن الإنقاذ” لافتاً إلى أنها الآن بكل قوة وهمة وفخر وإعزاز تستحق الحديث، ومضى بالقول موجهاً حديثه للذين لا يحسنون هذه الأيام إلا أن يرموها بكل قبيح وشنيء، الأستاذ عثمان ميرغني رئيس تحرير الزميلة (التيار) اختزل تعليقه على حديث علي عثمان بوصف ساخر عنون به عموده، حيث وصف المؤتمر الوطني لسان حال التجربة بأنه حزب (الملائكة الكرام البررة)!!

التصورات التي يحملها الإسلاميون في السياسة والحكم تختلف عن مفاهيم خصومهم بالطبع، المبدأ الميكيافلي والنزوع البراغماتي يغلب على كثير من تصرفاتهم، هكذا يقدر البعض كسبهم في الحياة وإن بدا لمن يعارضهم أنه شر مستطير فهم يرونه خيرا دون جدال، يوتوبيا ما تبرر للساسة أفعالهم في العادة، ولكن النائب الأول السابق نفسه لم يعهد الناس له تنطعا في الدفاع عن الإنقاذ، إلا أن شخصية المحامي ذاتها طغت عليه في الدفاع عن تجربة الإنقاذ والحركة الإسلامية في مؤتمرها الأخير قبل أكثر من عام، شيخ علي وارب باب الاعتذار في وجه المطالبين به..

ذات خميس من أيام مؤتمرات الحركة تحدث باسم الحركة الإسلامية التي كان يعبر عنها بجدارة واستحقاق ساعتها وقال إن الحركة لن تعتذر عن التغيير الذي أحدثته في السودان بثورة 30 يونيو، وعاد قبل أيام ليكرر ذات حديثه في حوار أجرته معه صحيفة (المستقلة)، لكن اللافت في حديثه لـ (المستقلة) أنه ظل في أكثر من مرة يجيب عن أسئلة لم تطرح عليه بالأساس، وعندما سئل عن أن هنالك نبوءة تقول إنه سيخلف الترابي وسيخلعه، أجاب بأنه اتخذ قراراً وموقفاً بعدم الخروج من السودان تحت أي ظرف من الظروف، كان هذا مضمون إجابته، مما أثار أكثر من استنتاج، إما أن علي عثمان فقد لياقته الذهنية أو أنه مرر للقراء أكثر من رسالة وفقدوا هم لياقتهم الذهنية!

الساسة في العادة لا يعتذرون إلا أيام الانتخابات ولكن مرافعة النائب الأول تختلف عن استدراكات الدكتور الترابي وتأصيله لفقه الاعتذار بالاستغفار، وتختلف عن رؤية السيد الصادق المهدي الذي يستلف لسان المسيح في مثل تلك المواقف.. إلا أن السؤال الذي رواد الكثيرين ساعتها هو: من الذي طلب من شيخ علي الاعتذار؟ سيما وأن الرجل جاءت مرافعته لتؤكد دون مجال للشك أن التجربة لا تزال نبيلة، اللافت في حديثه الصحفي الأخير جملة الاعترافات التي وثقها للتاريخ ومن ضمنها أنه يتحمل مسؤولياته كاملة (ولا يتبرأ منها كما فعل آخرون) دون أن يشير بالاسم لمن تبرأ من التجربة، بيد أن حديثه يتضمن إشارة لتيار في المؤتمر الشعبي أبدى أسفه لما أسماه بالانقلاب، فهل ستكون المعركة المقبلة بين علي وشيخه السابق الذي تولى الآن قيادة سفينة الحوار الوطني أم أن تلك كلها من أساليب الإسلاميين.. يتبادلون الأدوار ويشغلون المواقع المتقدمة في الحكومة والمعارضة؟ الأيام وحدها كفيلة بكشط أرقام رصيد الإجابات الحائرة والمتناثرة.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. [CODE]الكاميرا التي اختطفت وجه الرجل بينت حمرة خجل وتقاطيب صغيرة توردت[/CODE]
    يا راجل اتقي الله الراجل مريض ولا شماتة في المرض
    هل قصدك عيونو حمرت او نخرتو حمرت لانو باقي وشو لا يمكن يحمر