تحقيقات وتقارير

تجرد حساب.. عام مر على تعيينهم ولاة الولايات.. في ميزان التقييم

والي الشمالية يقود ولايته بهدوء
علي العوض.. محصلة عام في ولاية النخيل والصحراء

جمال ميرغني: أحدث بعض الاختراق في الخدمات الأساسية
سياسي: أداء حكومته بالمجمل كان “دون المأمول”

يطالبه المواطنون بعدم التخوف من فتح ملفات الفساد بالولاية
محصلة العام الأول للعوض بالشمالية يمكن وصفها بالجيدة

مراقبون يطالبونه بعدم الاكتفاء بتقارير السياسيين والوزراء

عبر هذا الملف تحاول “الصيحة” إجراء تقييم وتقويم لأداء ولاة الولايات، بعد انقضاء عام كامل على تعيينهم ولاة في مثل هذه الأيام من العام الماضي، وعبر هذه الحلقات تضع الصحيفة كل واحد منهم تحت مجهر المراقبين والمقربين من مطبخ كل ولاية، تقييما وتقويما فيما يتعلق بالإنجازات التي تحققت والإخفاقات التي لازمت مسيرة كل والٍ، فضلا عن العقبات التي حالت دون تنفيذ البرامج التي تعهد الولاة بها بعيد تسلمهم المهام، إلى جانب بروز التيارات والأجنحة المتصارعة داخل الحزب الحاكم وهي ما عرفت بالحرس القديم، وننشد بهذه القراءة التحليلية كما ذكرنا تقييم وتقويم أداء ولاة الولايات خلال عام مضى حتى يستصحبوا معهم الإيجابيات والوقوف على الجانب السلبي منها وتجنبه فيما تبقى من عمر التعيين.

يوصف والي الولاية الشمالية، علي العوض، بأنه من أكثر الولاة الحاليين توليا للمناصب الدستورية في عهد الإنقاذ مما أهله لاكتساب خبرات عملية لا تحصى، وهو يرتكز على إرثه العملي الذي يتباين في المواقع التي تقلدها ما بين المتوسط والناجح والمقبول، محصلة الأمر أن “علي العوض” يرتكز على خبرة عملية جيدة، وفي بدايات تعيينه واليا على الشمالية بدأ مطلوبا من الرجل القادم من ولاية كسلا أن يوظف خبراته العملية في ضبط الخدمة المدنية والارتقاء بواقعها والنهوض بالتعليم ومحاربة الفقر، فالعوض سبق له أن تولى في ولاية كسلا ملفات وزارات الشؤون الاجتماعية والزراعة والتربية والمالية وهذا يعني أنه يتمتع برصيد تراكمي من الخبرة، وكل تلك الخبرات وقبل عام من الآن سبقت الرجل إلى ولاية النخيل والصحارى الممتدة، عندما تم تعيينه واليا عليها، غير أن حصيلة الرجل بعد مرور العام تبدو متباينة ما بين الإجادة والإخفاق، بحسب ما تؤكده قرائن الأحوال وحديث المراقبين بالولاية.

صفات حميدة
السمة المعروفة عن علي العوض أنه يتصف بالنزاهة والوسطية والهدوء والتأني في اتخاذ القرارات وبالمقابل يؤخذ عليه ضعف رصيده من البعد الشعبي إذ عرف عن الرجل أنه يظل منكفئا على العمل وراء الأبواب المغلقة، مستمسكا بأقصى حدود الرسمية، مما يجعله قليل الانفتاح على المجتمع المحيط به ويقول المقربون منه إنه لا يبدي كثير حماس للعمل الجماهيري المباشر الذي يمكن أن يكسبه ميزة إيجابية ذات أهمية وتأثير لا سيما أن مواطن الشمالية يتمتع بوعي سياسي كبير وكسب لذا يحتاج العوض أن يستعيض عن الإنكفاء بالظهور ليمد جسور التواصل مع مواطني الولاية من أجل إقناعه بأطروحاته حتى يتمكن من استمالته إلى صفه وفي مستهل قدومه للولاية برزت أمام العوض عددا من المطلوبات الفورية لإنجازها حتى يتمكن من إقناع المواطنين بأنه يملك القدرة على وضع حد لمشاكل ولاية ظلت تتعرض لنزيف سكاني شبه متواصل بداعي ضعف الخدمات وعدم وجود المشاريع التنموية الضخمة التي تستوعب أعدادا كبيرة من الأيدي العاملة علاوة على المطالبة بإنهاء مراكز القوى داخل المؤتمر الوطني لانعكاسات صراعاتها السالبة على حياة المواطن بالإضافة إلى ذلك فإن الوالي كان مطالبا بتحويل اللقب الذي تحمله مدينة دنقلا إلى نقيضه فهي توصف بالمدينة الأغلى بالبلاد بداعي ارتفاع الأسعار نتيجة للرسوم الحكومية والاحتكار من قبل تجار محددين ومؤثرين.

نجاح مشروط
محصلة العام الأول للعوض بالشمالية يمكن وصفها بالجيدة، وهو قول ذهب إلى الإدلاء به الأمين العام للحزب الاتحادي جناح الدقير بالشمالية ورئيس مجلس الأحزاب السياسية بالولاية جمال ميرغني، جمال قال إن فترة علي العوض برز فيها نجاحه في المشاريع الكبيرة وخص المشاريع الزراعية التي قال إن الولاية وفي فترات سابقة لم تكن تستفد منها كثيرا، بيد أنه أشار إلى حدوث تحسن كبير في هذا الخصوص في العام الأخير، مؤكدا على أن كهربة المشاريع الزراعية والاهتمام بها تعد نقطة مضيئة في مسيرة الرجل ومحمدة يستحق عليها الثناء، مشيرا إلى العديد الملفات التي وسم إدارة حكومة العوض لها بأنه “جيدة” مسميا نماذج لذلك في مجالات التعليم والصحة، وقال إن شبكة المياه أيضا شهدت اختراقا ملحوظا وهي كانت مشكلة الولاية منذ سنين متطاولة، غير أنه استدرك بالقول إن النواقص ما تزال موجودة وعلى الوالي إكمالها أن أراد ترك بصمة لا تمحى مقارنة بأسلافه من الولاة الذين تعاقبوا على إدارة دفة الولاية ومضوا إلى حال سبيلهم دون إنجازات تذكر، ملمحا إلى أنه كان من الممكن إنجاز أفضل مما كان لا سيما وإن ميزانية الولاية يمكن توظيفها للتنمية والخدمات نظرا لأن الشمالية ولاية مستقرة ولا يوجد بها من النزاعات والتشاكس بمثل ما هو موجود بولايات أخرى مؤكدا على وجود الإشكالات فيما يتعلق بملف التعدين بالولاية.

والٍ بلا إنجازات
المدح والثناء الذي يوجه للعوض من عديد من قطاعات ومواطني ولايته يبدو منقوصا، فدائما ما يشار للرجل بأنه حقق نجاحا نسبيا في بعض الملفات، وبالمقابل فإنه لم يسلم من “رشاش الانتقادات” الموجهة نحو أداء حكومته فالكثير من المدفعية الثقيلة صوبت نحو الوالي، ولعل في نظر قيادي سياسي بالولاية ما يشير إلى ذلك، القيادي الذي فضل حجب هويته قال إن العوض “والٍ بلا إنجازات حقيقية” معتبرا في حديثه “للصيحة” أن أداء حكومته بالمجمل كان “دون المأمول”، لافتا إلى أن حجم التطلعات التي تمددت كثيرا حين تم تكليفه بإدارة شأن الولاية، كاشفا عن “خيبة أمل” إنتابت قطاعات واسعة من مواطني الولاية بعد مرور عام من عمر العوض بالشمالية، وأشار إلى إخفاقه في استثمار إمكانات الولاية المتعددة خاصة الزراعية التي قال إنها ومهما قيل عن تزايد الإنتاجية فهي دون الطموح، وذهب إلى القول إن الولاية الشمالية ليس بها من أسباب التوترات ما يعيق تمدد جهود التنمية وتعزيز الخدمات، في تلميح إلى أن الصرف على الأمن والدفاع يلتهم معظم ميزانيات بعض الولايات التي تشهد توترات أمنية مما يجعلها غير قادرة على تنفيذ مشروعات تنموية بالشكل المطلوب، مردفا أن واقع الخدمات بالولاية لم يشهد جديدا ذي بال، خاصة ملفي الصحة والتعليم، علاوة على عدم حل مشكلة المياه التي قال إنها موجودة حتى بعاصمة الولاية دنقلا، حيث تعاني العديد من الأحياء من تردي خدمات الإمداد المائي، علاوة على عدم حسم السلطات في عهده لمشكلات التعدين الأهلي، الذي قال إنه ملف شديد التعقيد لأنه وبحسب رأيه سلاح ذو حدين، فالتعدين يشكل مصدر دخل معتبر للولاية بيد أن ذلك مرهون بتقنين وضع القطاع وتنظيمه وتلافي السلبيات البيئية والصحية التي يمكن أن يشكلها .

خبرات متراكمة
لعل أكثر ما رجح كفته وجعل مركزية الوطني تختاره والياً هي خبرته التراكمية في مجال الزراعة تخصص في الصناعات الغذائية التي درسها بمصر وزاد عليها بحصوله على درجة الماجستير في الزراعة من جامعة الجزيرة، كما أنه باشر سريعا العمل في في تخصصه فور تخرجه في العام 1980 فعمل مهندسا بوزارة الزراعة الاتحادية قبل أن يغادرها إلى إحدى الشركات الزراعية الخاصة ومنها إلى مشروع القاش الزراعي ويملك العوض خبرات بائنة في الاستثمار الزراعي الخاص فهو صاحب مشاريع زراعية كثيرة وهو ما جعل الوطني يسند إليه أمر الولاية المعروفة بإمكاناتها الزراعية الضخمة، والأمل فيه تمثل في النهوض بالزراعة في الولاية، بل وقيادتها للولوج إلى عالم الصناعات التحويلية ولعل الأهمية الكبرى تكمن في أن الولاية الشمالية تعد الحاضنة الرئيسة للمشاريع الزراعية التي تبرعت بها الحكومة لبعض الدول العربية تحت مبادرة الرئيس البشير للأمن الغذائي العربي التي أطلقها في قمة الرياض قبل نحو سنوات أربع مضت.

خلل إنتاجي
يعيب مراقبون على والي الشمالية عدم تفعيله للإمكانات الإنتاجية الكبيرة التي تتمتع بها ولايته حيث تعتبر ولاية منتجة من الدرجة الأولى إلا أن هناك ثلاثة من أكبر المصانع تتأرجح عجلتها ما بين التوقف والدوران هي مصنع التمور بكريمة والأسماك بحلفا القديمة ومطاحن الدقيق بدنقلا وبحسب المختصين فإن عدم وجود مصانع يعتبر من الأسباب المباشرة لضعف المواعين التي تستوعب الأيدي العاملة لذا اختار الكثير من أبناء الولاية الهجرة داخل وخارج السودان بحثا عن فرص العمل ليتراجع تعداد سكان الولاية على إثر ذلك وهذا ما يتبدى جليا في القرى والجزر التي بات بعضها شبه مهجور فليس سرا أن الشمالية تعد أقل الولايات من حيث عدد السكان إذ يبلغ تعدادها “610” آلاف نسمة فقط وتدور حولها الكثير من الأحاديث لذا يتوجب على الوالي إعادة ضبط تلك الأموال لوضع قطار التنمية في مساره الصحيح .

تحسن طفيف
يعود رئيس مجلس الأحزاب السياسية بالولاية جمال ميرغني للقول إن أمام العوض العديد من الملفات في انتظار إنجازها، لافتا إلى أن ما تحقق وبغض النظر حجم التقييم سلبا أو إيجابا فيمكن تعزيز المنجزات والبناء عليها لخلق واقع جديد بالولاية التي قال إنها يمكن أن تنطلق بعيدا في جوانب التنمية في حال تم استثمار مميزاتها بشكل مدروس ومخطط له، وقال إن عام واحد بطبيعة الحال غير كاف لإحداث تغيير حقيقي، قياسا بولاية مثل الشمالية، مشيرا إلى أنه يمكن القول بحدوث “تحسن طفيف” على واقع الخدمات، وعن الواقع السياسي للولاية اعتبر أن علي العوض لم تواجهه مشكلات ذأت بال، فالشمالية تشهد قدرا غير منكور من الاستقرار السياسي مقارنة بولايات أخرى أسهم الاستقطاب السياسي وبلغ التشاكس فيما بين مكوناتها السياسية مبلغا كبل من قدرات حكومة الولاية التي بدأت منشغلة بمواجهة خصومها عوضا عن الإلتفات لواجباتها .

تحذيرات
التحذيرات التي ارسلها المواطنون والمراقبون في بريد الوالي “علي العوض” أبرزها أن يبتعد عن سياسة الاستماع إلى السياسيين والوزراء وقراءة التقارير فقط وأن يستعين في أداء مهامه بالعمل الميداني وتسجيل زيارات للمواطنين في مختلف أنحاء الولاية وذلك للتعرف على مشاكلهم، كما يطالبه المواطنون بعدم التخوف من فتح ملفات الفساد بالولاية التي ظلت موضوعة على منضدة عدد من الولاة دون أن يتجرأ أحدهم على فتحها خوفا من غضب البعض، كما يطالبونه بمحاربة المحسوبية في الخدمة المدنية، وأن يعتمد في تشكيلة حكومته على شخصيات بعيدة عن دائرة الخلافات التي شهدتها الولاية خلال الفترة الماضية وذلك قفلا لباب قد تدخل عبره رياح تهدد مسيرته مستقبلا .

تردي الخدمات
كما كانت تنتظره خطوات ملموسة في كهربة المشاريع الزراعية بالولاية التي يقدر عددها بأكثر من 16 ألف مشروع زراعي صغير هذا بخلاف إعادة النظر في ملف الاستثمار الذي وبحسب الكثير من المواطنين لم يلمسوا له أثرا على حياتهم حتى الآن، هذه الملفات جميعها التي كانت تنتظر الوالي يبدو أن ما تحقق منها على الأرض بعد عام من التكليف لم يرق لمستوى التطلعات، فالمواطن بالشمالية ما يزال يجأر بمر الشكوى من تردي الخدمات، وهو تردي لم يكن مقتصرا على أطراف الولاية أو محلية معينة بها بل شملت حتى عاصمة الولاية وحاضرتها دنقلا، وليس من دليل على تمدد حالة السخط والتذمر الشعبي من سوء الخدمات ما خرج به مواطنو دنقلا الأسبوع الماضي، وسير المواطنون الغاضبون مسيرات منددة بانقطاع التيار الكهربائي لأيام متعاقبة حيث قام أهالي كل من منطقتي كابتود والديم شمال مدينة دنقلا بتنظيم مسيرات احتجاج عارمة جابت شوارع مدينة دنقلا احتجاجا وتنديدا بقطوعات الكهرباء المتواصلة ووصف المحتجون القطوعات بالممارسات المقصودة والمتعمدة تجاه المنطقتين وكما انطلقت المسيرة من الديم إلى إدارة الكهرباء حتى اضطرت قوات الشرطة للتدخل لتفريق المتظاهرين الغاضبين. ووصف معتز الجيد نائب دائرة دنقلا بتشريعي الشمالية أن المحتجين لهم مطالب وخلال هذه المسيرة تحدثوا عن قطوعات الكهرباء والمياه والآن القضية في طريقها للحل المرضي للجميع وهذه خدمات لابد من التجاوب معها فيما تعهد معتمد دنقلا بالجلوس مع أهالي هذه المناطق والجهات ذات الصلة، وقال إن الأمر سوف يحل خلال أيام.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة