منوعات

وسط زخات المطر: رجعنالك.. الماشية ورحلة العودة إلى البطانة

[JUSTIFY]تحت الغيمات التي تظلل الأرض، وتمنع انسراب أشعة الشمس إليها، تعلو أصوات تحاكي الثغاء والخوار، لغة غريبة المفردات، نباح كلاب. وصورة زاهية لقطيع ضخم من الأغنام تتزاحم وتتكدس مع بعضها، عسى أن تعثر على بعض دفء طالما افتقدته تحت وابل الأمطار الغزيرة، لذلك كان القرار النهائي هو الرحيل.

هذا المشهد الجميل يزين قارعة الطريق القاري الذي يربط بين السودان وإثيوبيا حيث تتزاحم أعداد ضخمة من الماشية بالسيارات والمارة العابرين إلى تلك الأصقاع البعيدة، فالطريق القاري يمثل أحد مراحيل ومسارات الماشية التي تهم الآن بالخروج من منطقة جنوب القضارف (الصعيد)، حيث بلغ موسم الأمطار ذروته وأوجه، فما عادت الماشية تحتمل زخاته ونثيثه وهطله الغزير، لذلك فهي تتجه الآن إلى البطانة التي أخرجت مرعاها بفعل الأمطار الخفيفة.

عالم تربية الحيوان وجدل المراعي في نواحي ولاية القضارف يحمل خصوصية لا نظير لها، وآمالاً عراض بالإنتاج، فضلا على دقائقه التي لايدرك كنهها الكثيرون، وتقاطعاته السياسية في صراع واحتكاكات الموارد بين الرعاة والمزارعين.

حالات تماس

الحالة الدائمة من التجاذب والاحتكاكات لا تنقضي، فحقول محاصيل الذرة والفول السوداني والسمسم التي تمتد على مد البصر كثيراً ما تغري الرعاة ومواشيهم للانقضاض عليها باعتبارها الوجبة المفضلة لماشيتهم، فضلا على ندرة المراعي المحددة أو المنظمة في المنطقة، ما يضطر الرعاة وقطعانهم إلى التغول على الأراضي الزراعية، ورغم أن المزارع والراعي في القضارف هما وجهان لعملة واحدة، حيث أن المزارع يقوم أيضا بتربية مواشٍ في أراضيه، إلا أن ذلك لا يمنع في كثير من الأحوال حدوث المشكلات، وترجع دائما الاحتكاكات بجانب الدخول العشوائي من جانب الرعاة في رعيهم المعتاد أيضا في رحلة عودة الماشية بعد هطول الأمطار الغزيرة في منطقة جنوب القضارف إلى منطقة البطانة فطريق العودة محفوف بالمخاطر بالنسبة للمزارعين، ورغم توفر مسارات ومراحيل إلا أن الرعاة كثيراً ما يشقون طريقهم وسط المشاريع الزراعية ما يؤدي لتلف المحاصيل بسبب حركة الحيوان، وما يلتهمه من المحاصيل الزراعية، وهو في رحلة الإياب مسارات ولكن…!

ترعي في منطقة جنوب القضارف وخاصة في محلية باسندة قطعان تقدر بنحو مليون رأس من الماشية منها “600” ألف من الأغنام و”400″ ألف من الأبل، ويقول معتمد محلية باسندة الفريق (يونس آدم) إن عودة الماشية تحدث فيها بعض الاحتكاكات نظرا للكم الهائل من الماشية التي تغادر لمرعى البطانة، مشيرا إلى أنها تسلك ثلاثة طرق في رحلة عودتها، حيث تمضي أعداد منها عبر الطريق القومي (القضارف، القلابات، المتمة)، بينما تذهب قطعان أخرى في مسار آخر عبر (نهر عطبرة، القبوب، غابة الفيل، البطانة)، أو مسار ثالث يمتد من ناحية الغرب إلى شمال القضارف عن طريق (الفزرة، مدرك 16، القدمبلية، أب كشمة). ويضيف أن سلطاته ظلت حريصة على عودة الماشية إلى مراعيها في البطانة للمحافظة على الإنتاج الحيواني عبر توفير خدمات بيطرية في (نزلها)، بالإضافة إلى حفائر ضخمة لتخزين المياه ومنع الفاقد.

لغة مشتركة بين الإنسان والحيوان

لا تقتصر رحلات القطعان الشاقة التي تسلك فيها مئات الكيلو مترات، على البطانة فقط، ففي موسم الصيف تعود مجدداً لمراتع الميعاد في الصعيد، الرحلة رغم أنها محفوفة بالمخاطر للرعاة، لكنها ترمز لهذه المهنة الرائعة، فالرعاة لديهم لغتهم الخاصة مع الحيوان وهو كذلك يعرف أهازيجهم ومناداتهم، وهي أيضا عرضة للإصابة بلسعات العقارب والثعابين وحوداث السير في الطريق القاري، غير أنها الرحلة التي يستفيد منها الاقتصاد القومي عبر عمليات صادر الماشية التي تدر العملات الصعبة، وبين هذه وتلك تبقي حاجة الحيوان لاستقرار في مراعٍ ضخمة وكبيرة لن تتحقق في تقاعس الجهات المعنية به مثل وزارة الثروة الحيوانية بالقضارف التي لايهمها من الأمر إلا ما تجنيه من إيرادات واحتفالات هو كل حصادها منذ إنشائها

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]