منوعات

هروب الرجال وتفكك الأسر: الأوضاع الاقتصادية.. أُس التنصل عن المسؤولية


[JUSTIFY]عجت صالة نيابة أمبدة بمجموعة من الناس، تراصوا على طاولة الانتظار للمثول أمام وكيل النيابة، كل واحد منهم يحكي مشكلته، ومن بين هؤلاء سيدة أربعينية، تحمل صبية في الثانية، بجانب أربعة أطفال آخرين، جاءت السيدة من (الحلة الجديدة) طالبة الطلاق بعد أن غاب عنها زوجها منذ عامين، تاركاً خلفه أبناءً بعضهم في سن المراهقة وآخرون في سن الطفولة،

عامان انقضيا ولم يأت الأب، ليس ذلك فحسب، بل لم يبعث لها بجنيهٍ واحد، فاضطرت للخروج وبين يديها (وليدها) لتعمل في سوق ليبيا، طلبت الطلاق بعد أن ملت الانتظار خاصة بعد تضارب الأقوال عن مكان وجوده، فبعضهم يقول إنه يجول ما بين القضارف وكسلا، وهناك من يقول إنه رآه في إثيوبيا. أما هي فلا تريد العودة إليه ولو جاء وبحوزته أموال قارون، بل تريد طلاقاً عاجلاً مثلها مثل كثيرات تركهن أزواجهن دونما سابق إنذار.

ومع تفاقم ظاهرة هروب الزواج، وزيادتها المضطردة، انتقلت (اليوم التالي) إلى من داخل صالة المحاكم، واستمتعت إلى بعض القصص المؤثرة، وها نحن نحكي لكم طائفة منها:

ليس كل الغاية مال

يقول (عزمي الأمين) – محامي – إن الوضع الاقتصادي يمثل العمود الفقري لهروب الرجال، فلم يعد أمام كثيرين غير أمرين، إما للهروب أو الاغتراب، أو العمل في التعدين الأهلي (مناطق الذهب). أما من ناحية قانونية فعلى التي هرب زوجها وتغيب أن ترفع دعوة بالغياب غير المبرر بشرط أن لا تقل عن السنتين، أما الاختلاف فيكون في الجهة، فإذا كانت معلومة يُطلب الزوج بأمر القضاء ويفرض عليه البقاء مع أسرته، وفي حالة رفضه وطلب الزوجة للطلاق يقضي بالطلاق وإلزام الزوج بالإنفاق على الأطفال، أما إذا كان مغترباً فيُعلن في الخارج، ومتى ما جاء إلى البلاد يُحتجز إلى حين السداد، أما إذا كانت جهته غير معلومة فتطلب الزوجة الطلاق لعدم الإنفاق والغياب. ويضيف عزمي: أغلب القضايا هي غياب الزوج وعدم الإنفاق، فمتى ما التزم الزوج بالبقاء مع أسرته والإنفاق عليها تشطب الدعوى الموجهة ضده. وأردف: المرأة أيضاً متضررة من الغياب والهروب لسنين، فهي تخاف على نفسها الفتنة، وليس كل غايتها الحصول على المال.

تقصيرها يؤدي للتطفيش

تحميل الزوجة مسؤولية الهروب، ما هو إلاّ اعتراف ضمني بأهميتها في حياة الرجل، فلولا عظمة دورها لما أدى تقصيرها إلى (تطفيش) الزوج، فكلما ازداد حضورها، اتسعت رقعة تقصيرها الأسري والعاطفي بشكل لا يملك الرجل معه غير الهروب وعدم المواجهة تفاديا للمشكلات. هروب الزوج من بيته سببه أنانيته لا زوجته، فحين يفتح الباب ويهرب حتى ساعة متأخرة أو نهائيا، فيتخلى عن كامل مسؤولياته للزوجة التي تقوم بدور الأم والأب معا، فالزواج هو أكثر العلاقات الثنائية تطلبا للتنازل والتضحية أولا فهروب الزوج يبدأ من التأخر أولا والاستمالة إلى الجلوس مع الأصحاب ثم تأتي المشاكل والهروب من مسؤولية الأبناء، ويحول بيته إلى فندق يعود إليه ليلا من دون أن يجلس مع زوجته ليصلا إلى حل ناجع للمشكلات القائمة إلى أن يكتمل الهروب بالهجرة الطويلة أو الاغتراب، فتشرع الزوجه في الطلاق.

غياب غير مبرر

(أ ب) تروي قصتها لـ (اليوم التالي) قائله: تركني زوجي منذ سبع سنوات اغتراب في السعودية، قل اهتمامه وتفاقمت المشكلة برفضه المجيئ إلى السودان في الإجازات، ولم يبرر سبب الرفض، ثم انقطع اتصالاته، وأوقف الصرف علىّ وعلى ابنته، فلم يكن ليّ خيار إلا أن أصبر عليه طيلة السنوات الأربع الأولى، وبعد ذلك ذهبت إلى المحكمة طالبة الطلاق وأعلمته بذلك عن طريق شقيقه ولم يُعر الأمر اهتماماً، فغيابه وأسباب ودوافع هروبه لم تفسر إلى الآن، رغم ذلك رفض أن يطلقني، استمرت القضية سنتين، واجهت خلالهما كل أشكال العنف والكلام الجارح من أسرته وأسرتي، ولم أسلم من ألسنة الناس، لكنني أردت أن أتحرر من قيود رجل لا يتحمل المسؤولية، ولا يعرف سوى الأنانية، كما أردت مواجهة مشاكلي بنفسي، لأنني خفت الفتنة، وأشارت إلى أن المجتمع لا يرحم المرأة لو كان زوجها موجودا فكيف لو كان غائب، كما أوردت: الرجل هو رب الأسرة وعمادها، فعليه أن يترجل للمشاكل ويقف ليحمي أسرته ولا يلجأ للهروب مهما كانت الزوجة نكدية ولا تطاق فعليه أن يتحمل من أجل الأبناء وليس من أجلها.

ثقافة حقوقية

إلى ذلك، تقول الباحثة والخبيرة الاجتماعية الأستاذة (ثريا إبراهيم): هروب الرجال اتخذ أشكالا مختلفة، فقد نجد بعضهم الرجال يهربون من مسؤولياتهم حتى ولو كانوا موجودين في البيت، ولكنهم لا يقومون بأي أعباء ولا ينهضون بأي مسؤولية تجاه الأبناء أو الزوجة، ومثل هؤلاء الرجال غالباً ما يبددون أموالهم في أشياء تخصهم، كأن يكونوا من نوع الرجال الذين يعاقرون الخمور أو يتعاطون المخدرات أو أي أشياء أخرى ليست ذات أهمية وضرورية. وتضيف: هنالك من يهرب ويذهب بعيداً عن أسرته دون أي مبررات، ويغيب عن المنزل لفترات طويلة دون علم الأسرة، وفي كل الأحوال نجد الزوجة أو الأبناء يتكبدون لوحدهم مشاق الحياة للأكل والشرب والمسكن، وفي الغالب يتخلى الأطفال عن المدرسة مجبرين من ضنك العيش وهم يواجهون أسوأ أنواع الانتهاكات، وهم يبحثون عن لقمة العيش، وكذلك الزوجة تواجه بالضغط الاقتصادي، وتخرج أيضا للعمل، وكذلك ما تواجهه من صعاب خاصة إذا لم تكن متعلمة، غير أن وضعها كزوجة يصبح غير واضح اجتماعيا، فهي ليس بالمطلقة وليست بالمتزوجة، وأحيانا إذا طال غياب الزوج قد تتطلب الزوجة الطلاق غيابيا وغيرها يظل حالها معلقا (لا مطلقة ولا متزوجة ). وتردف: في تقديري أن الثقافة الحقوقية للنساء مازالت ضعيفة وما زال قانون الأحوال الشخصية أكثر ضعفاً.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]