أسماء البلتاجي .. قبر بلا اسم وأم تنتظر القصاص
تقف أمام مقبرة شرقي القاهرة، لا تحمل اسما، تتذكر بأمومة حزينة أنها هنا منذ عام بعد فض اعتصام رابعة العدوية (شرقي العاصمة) ودعت ابنتها الوحيدة “أسماء” (بخلاف أربعة أبناء من الذكور)، تحبس دموعها مرارا وهي ترفع يدها بالدعاء لكنها تنساب.
الأمّ سناء عبد الجواد تسترجع هذا المشهد الخاطف قبل أن تتحدث، في مقابلة مع وكالة الأناضول بمنزلها بالقاهرة، قائلة : “آتي إلي قبر بنتي كلما اشتقت إليها.. أرجوها أن تسامحني أنني لم أستطع أن أحصل علي حقها رغم مرور عام”.
وقبر أسماء الذي ورت فيه الثري يوم 16 أغسطس /آب 2013، بعد يومين من مقتلها في رابعة ، “ترفض السلطات المصرية” أن يكتب اسمها عليه، بحسب سناء عبد الجواد زوجة محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المحبوس علي ذمة عدة اتهامات في قضايا جنائية، يعتبرها هو “قضايا سياسية”.
وتحدثت عن وقائع اتهامها السلطات المصرية الحالية لمحو اسم نجلتها اسماء البلتاجي من لوحة القبر قائلة : استكثروا وضع رخامة صغيرة علي قبر الشهيدة نكتب فيها هنا قبر الشهيدة أسماء البلتاجي وبعد ساعات قليلة شالوها (نزعوها)، وعندما ذهبت زميلاتها للكتابة علي قبرها عبارة (في الجنة يا أسماء هنا قبر الشهيدة) فلم يتحملوا ودهنوا (قاموا بطلاء) المكان بالكامل ليزيلوا أي معالم أن هنا قبر الشهيدة أسماء”.
ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من السلطات المصرية بشأن هذا الاتهام.
وتتذكر عبد الجواد في حديثها شريط ذكريات عام مضي ودعت فيه ابنتها أسماء (17 عاما يوم مقتلها) يوم فض اعتصام رابعة العدوية (شرقي القاهرة) يوم 14 أغسطس/ آب 2013 وهي تتفاجئ بها في المستشفي الميداني برابعة مصابة برصاص حي وتلفظ نجلتها أسماء أنفاسها الأخيرة وهي تردد قبلها “يارب يا الله”.
وتقول :” كنت أتمني حين أذهب لأسماء في ذكري فض المجزرة بعد عام أحمل لها بشري أننا كسرنا الانقلاب وحصلنا علي حقها لكن إن شاء الله قريب (سيحدث) وأشهد الله وأعد ابنتي أسماء أننا علي نفس طريقها حتي تعود كل حقوق الشهداء “.
والعام المنصرم بالنسبة لأم أسماء هو عام الحزن، مضيفة “عام حزن لي سرق العسكر فيه البلاد وقتلت ابنتي الوحيدة الشهيدة اسماء واعتقلوا زوجي محمد البلتاجي ولفقت له 31 قضية واعتقلوا ابني الاكبر عمار ثم أخلوا سبيله ثم بعد ملاحقات امنية اضطر للسفر خارج مصر واعتقلوا أبني الأصغر أنس وهو الآن رهن الاعتقال في سجون الانقلاب ولفقوا لي قضية جديدة حتي لا أتكلم ولكن لن تنفع التهديدات”.
وأنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الذي تمت الإطاحة في 3 يوليو / تموز 2013 يرون الإطاحة به “انقلابا عسكريا” بينما يراه معارضوه ” ثورة شعبية”.
ولذكرياتها مع نجلتها أسماء تتحدث سناء عبد الجواد قائلة :” تكتب دائما في دفترها يا إما نحول أمتنا إلى جنة أو نذهب نحن إلي الجنة فلما اسماء لم تستطع أن تحول الدنيا والأمة لجنة ذهبت هي وتركتنا نحن نتجرع المرار بعد فقدها لكننا نحن علي العهد وننتصر”.
وتضيف بحماسة :” أسماء بثت فيّ قوة أنا لم أكن هكذا قبل مقتل أسماء وبعد مقتلها تغييرت نهائيا أنا وأمهات الشهداء نسير علي طريق ذوينا لعودة الديمقراطية والحرية والخير لمصر”.
وتعود عبد الجواد للحديث عن لذكري فض رابعة وفقد ابنتها أسماء مرة أخري قائلة ” في ذكري مجزرة فض رابعة بدلا من أسعد ببنتي أسماء بجواري بشبابها وبجمالها وأخلافها وعلمها حرمني منها العسكر وقتلوها”.
وبعبارة “لا جديد” تحدثت، عبد الجواد للمرة الأولي عن زيارتها في إبريل / نيسان الماضي للجنة تقصي الحقائق في أحداث ما بعد 30 يونيو (حزيران) 2013 والتي شكلها الرئيس السابق عدلي منصور والمعنية برصد الانتهاكات ورفعها للرئاسة المصرية.
وتوضح عبد الجواد أن ” لجنة تقصي الحقائق حصلت علي أقوالنا ولم تقل شيئا بعدها ولم يفتح تحقيقا بعدها ولكن والدها يُحقق معه في 31 قضية وفي كل تحقيق يطلب من وكلاء ورؤساء النيابة فتح تحقيق بمقتل ابنتنا أسماء بلا جدوي”، معتبرة أن “هناك قرار سياسي يصر على إثبات أن اسماء لم تقتل”.
ورفضت والدة أسماء أي تعويض مادي عن ما حدث لابنتها ضمن ما يتم تدواله عن إمكانية توجه الدولة لتعويض أهالي ضحايا أحداث ما بعد 30 يونيو/ حزيران 2013.
وتقول :” أنا لا أقبل أن أخذ عن ابنتي الدية ولن أتنازل عن حقها وحق آلاف الشهداء (..) أنا واحدة من أمهات كثيرات قتل أبناءهن وإخواتهن وأزواجهن ولن نتنازل جميعا عن حقوقهم وسنظل ثابتين ومصرين علي الطريق”.
وتذهب والدة أسماء البلتاجي إلي ما هو أبعد من رفضها للتعويض (المادي) للمطالبة باسقاط السلطة الحالية التي تراها انقلبت علي الديمقراطية موضحة أن “الانقلاب لابد ينكسر يوما ما .. ونحن جميعا مستمرون في الشوارع نحتج علي هذا الانقلاب ونتوحد سترجع الديمقراطية مرة أخرى”.
وحول شعورها بمدى تفهم المصريين لمطالبها قالت سناء عبد الجواد : “مازال هناك وقت وبعض الإعلام يحاول أن يشق صف المصريين ويزيف الحقائق لكن هناك قطاعات كبيرة من الشعب بدأت تنتبه لما يحدث وهناك حراك ثوري مستمر”.
وخاطبت المصريين قائلة :”لسنا شعبين .. نحن شعب واحد وجزء كبير من الشعب سينضم لمطالب الثوار وسيظل جزء آخر صغير متفق مع مصالحه مع الانقلاب وسيبقي علي مساندته وهؤلاء سيسقطون معه”.
وختمت حديثها بالقول “قريبا انتظر أن يتحقق القصاص ولا يرضيني إلا محاكمة عادلة تضع المسؤوليين عن مجزرة رابعة وغيرها من المجازر منذ ثورة يناير علي أعواد المشانق”.
وشاركت أسماء البلتاجي في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 ، كما شاركت أيضاً في أحداث شارع محمد محمود (اشتباكات بين محتجين وقوات الأمن) التي اندلعت 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، رغم أن جماعة الإخوان رفضت المشاركة في تلك الأحداث ووصفت من شاركوا فيها بـ”البلطجية”.
ووجدت أسماء تفاعلا إنسانيا كبيرا بعد مقتلها من المؤيدين والمعارضيين للإخوان الذي ينتمي لها والدها محمد البلتاجي، حيث غني مطربون عرب ومصريون معارضون للسلطات المصرية أغاني تمجد أسماء وتم تسمية حديقة بأسمها في تركيا وتتقدم أعلام تحمل صورة أسماء مسيرات معارضة للسلطات الحالية ويعتبرها البعض “أيقونة للثورة”.
وخلال إحياء ذكري الفض استبدلت حركة 6 أبريل المعارضة للإخوان والسلطات المصرية شعارها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي بصورة أسماء كصورة رئيسية بدلا من صورة القبضة الشعار الخاص بها.
القاهرة/ حسين القباني / الأناضول
[/JUSTIFY] ي.ع