رأي ومقالات

ابراهيم عثمان: الصادق من انتقاد “الدعم السريع” إلى عاصمة الدعم السريع

بعد انخراطه في الحوار و تبشيره به تحسست الحكومة التي كانت تمرر للسيد الصادق المهدي كثير من التصريحات المعادية منذ اتفاق جيبوتي و حتى لحظة قبوله بالحوار ، تحسست من تصريحاته التي هاجم فيها قوات الدعم السريع ، فتعاملت بطريقة أوصلت الصادق في النهاية إلى باريس و القاهرة . و الموقف الحكومي من وثيقة باريس و اعتقال ابنته و نائبته في رئاسة الحزب مريم الصادق أوصلاه أخيراً إلى عاصمة الدعم السريع ( أبو ظبي ) الجاهزة دائماً لتقديم كل ما يلزم من دعم لكل من يعارض الإسلاميين و بمنتهى التسرع و الخفة ، تسرعٌ و خفة قد يفسر جزءاً منهما وجود دحلان المعادي بشدة للإسلاميين و المجروح من طردتيه من غزة و من حركة فتح و الثانية كانت بسبب تداعيات الأولى . و خفة الإمارات بدت جلية في تعاملها مع الشأن المصري ، فقد كانت لا تخفي تدخلها في الشأن المصري في عهد الرئيس مرسي . و الكل يعلم دورها المحوري في صناعة الإنقلاب و دعمه ، و إذا كانت الدول الداعمة للإنقلاب جميعها قد قدَّرت أن الصمت المتواطئ هو أفضل طريقة للتعامل مع مجزرة رابعة ، إلا أن الشذوذ الوحيد كان هو الإمارات حيث أصدرت بياناً يؤيد ما قام به السيسي و يدافع عنه كعمل من أعمال السيادة و يهاجم الدول التي استنكرت المجزرة . و بعده بمدة قصيرة كانت الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي أصدرت بياناً يدين عنف السلطات السودانية في مواجهة المتظاهرين . و قد قامت الإمارات بسحب سفيرها من تونس احتجاجاً على مطالبة رئيسها بإطلاق سراح الرئيس مرسي ! و قد كان لها دور كبير في الأزمة التي أدت في النهاية إلى خروج حركة النهضة من السلطة رغم وصولها إليها بعد انتخابات ، و قد هددت تركيا بسحب استثماراتها إن لم تتوقف عن الهجوم على إنقلاب مصر . و الإمارات و مصر و دول أخرى مارست ضغوط على بريطانيا لطرد جماعة الإخوان من أراضيها ، و بينما كان اعتماد الإخوان كجماعة إرهابية لدى بعض الدول لا يحتاج سوى إلى خروجهم من الحكم في مصر ووقت لا يزيد عن ذلك الذي يحتاجه كتابة فرمان الإدانة ، فإن الأمر في بريطانيا اقتضى كثير من الوقت و التحقيقات و التي لم تحقق ما تبتغيه الإمارات و من معها من الدول . و طائرات الإمارات و مصر قبل عدة أيام كانت تعربد في سماء ليبيا ، و إن كانت مصر السيسي رغم خفتها قد وجدت أن اكتشاف الأمر يحرجها فنفت بشدة أن تكون قد تدخلت في ليبيا ( حتى الآن ) إلا أن الإمارات الساعية إلى أن تطبيع صورتها كأمريكا المنطقة و شرطيها لم تجد في الأمر ما يسبب لها الحرج و يدعوها للنفي.
إذن الإمارات دولة مغامرة و جريئة و تتخذ المواقف القصوى التي تشبه شخصيتا دحلان و محمد بن زايد و لا تجيد اللعبات الدبلوماسية التي تغطي نواياها و أفعالها بمكياج الجمل و المواقف المطاطة . حكومة السودان علمت بأن معادلات ما قبل الربيع العربي لم تعد صالحة لتحكم علاقتها بثلثي دول الخليج . فهذه الدول المعادية للربيع العربي و ما تلاه من صعود للإسلاميين شعرت بأن الخطر الإسلامي أكبر من أن يُواجه بحالة العداء السلبي الذي يكتفي بالهجوم الإعلامي و التواطؤ مع الأنظمة التي تحارب الإسلاميين ، و حكومة السودان متهمة خليجياً بأنها خلية إخوانية نائمة ، بمعنى أنها تلجأ للواقعية في تعاملها مع الدول المعادية للإخوان عندما تضطرها الظروف ، و لكنها ما أن تجد طريقة للدعم السري للإخوان أينما كانوا فإنها لا تقصر في ذلك ، سواء أكانت هي مصدر الدعم أو كانت ممراً له ، يقوي هذه الإتهامات الحماس السوداني للتيارات الإخوانية التي صعدت بعد الربيع العربي ، و يقويها كذلك العلاقات السودانية القطرية القوية و التي وصلت في وقتٍ ما إلى التسبب في اختلال موازين القوى في المنطقة للدرجة التي أدت ذات يوم لأن يكون ڤيتو سوداني-قطري كفيلاً بأن يبعد مصطفى الفقي عن منصب أمين عام الجامعة العربية . يمكن القول بأن السودان في ذلك الوقت كان قد تخلى عن حذره الدبلوماسي و انخرط في مواقف الدعم العلني للإسلاميين ، و الآن يحاول السودان أن يعيد الأمور إلى معادلات ما قبل الربيع العربي بتعامله مع السيسي و عبر مبعوثيه للإمارات و السعودية و لكن يبدو أن ذلك لم يعد كافياً لدى دول الخليج ، فالمطلوب أكبر من مجرد التعامل مع السيسي و التصريحات المتكررة التي تحاول وضع مسافة بين السودان و الإخوان . الخيار الأفضل المؤكد لدى بعض دول الخليج هو إسقاط النظام في موجة الربيع المضاد الحالية ، و الخيار الثاني هو الضغط على الرئيس البشير حتى يقطع علاقاته بدولة قطر و ينخرط في حملة معادية للإسلاميين يثبت جديته فيها بأن يبدأ في تنفيذ ذلك داخل السودان قبل أن يقدم الخدمات خارجه ، فموقع السودان و خبرة و علاقات مخابراته مع الإسلاميين الإخوانيين ستكون صيداً ثميناً للإمارات إن تعاون معها في حربها على الإخوان في مصر و ليبيا و تونس و غيرها من الدول .
الصادق المهدي بحذره المعروف ووسطيته قد لا يكون هو الخيار المفضل لدولة الإمارات ليكون سيسي السودان و لكن لا يمكن الإستغناء عنه في النسخة السودانية من الربيع الدحلاني المضاد ، و الصادق يعلم أن خصمه مبارك الفاضل هو من أقوى المرشحين إماراتياً و دحلانياً للمهمة فهو يكاد يكون النسخة السودانية من دحلان ، و لذلك أتوقع أن يكون للزيارة ما بعدها فالصادق لن يغادر أبو ظبي إلا و قد اكتملت لديه تفاصيل الربيع السوداني المضاد و رؤية الإمارات لشكل النظام الذي تخطط لأن ينتج عنه . فهل ستجد الحكومة نفسها قريباً مضطرة لدفع فواتير باهظة لطريقة تعاملها مع السيد الصادق بسبب انتقاده لقوات الدعم السريع و ذلك بما يتوقع أن تجده المعارضة و حركات التمرد من عاصمة الدعم السريع السخية و المتهورة و التي تملك ثاني أقوى طيران حربي في المنطقة بعد إسرائيل و المستعدة – كما ثبت في ليبيا أيام الثورة و الآن – لإرسال طائراتها لدعم حلفاءها ؟ هل سيكون رد الفعل الحكومي على كلمات الصادق و ما تلاه من تفاعلات و تداعيات هو القشة التي ستقصم ظهر بعير قوات الدعم السريع و قبلها النظام نفسه . سياسة حافة الهاوية التي اغترت الحكومة كثيراً بإجادتها لها ربما لن تنجح هذه المرة . أفضل ما يمكن أن تفعله حكومة السودان لإستباق هذه السيناريوهات هو أن تبدي مرونة أكثر في تلبية مطالب مقاطعي الحوار ، و أن تطلق المعتقلين و تبذل جهود كبيرة مع الصادق المهدي الذي دفعته دفعاً إلى هذا الطريق ، و هذه مهمة ليست عسيرة إذا صح العزم و صدقت النيات و شعرت الحكومة بحجم الخطر القادم و استبقته بالحكمة و التنازلات اللازمة .

ابراهيم عثمان

تعليق واحد

  1. تحليل ممتاز يا استاذ إبراهيم..ينم عن معرفة كاتبه ببواطن الأمور..وربطه للأحداث الإقليمية …أرشحك لرئاسة مركز للدراسات السياسية الاستراتيجية..بدلا عن هؤلاء الجهلاء…