سياسية

وزير بأغلبية الحب الشعبي: تحت ضل الشجرة: “أحمد قيلي” يحكي تفاصيل كوستي + صورة


[JUSTIFY]على مقربة من مبنى الإذاعة والتلفزيون، وفي مكان لا تغادره نكهة (البن) المنبعثة من مقهى الملتقى، حيث يجتمع أهالي المدينة على محبتهم. وتحت ظل شجرة بالكاد تقي الجالسين هجير الشمس، يشغل الرجل الخمسيني مكاناً مميزاً، وهو يخفي عصاه التي يتوكأ عليها حين يهم بالسير. ابتسامته المشرقة تشي أن العجز لا يكون في الجسد، وإنما في الروح.

الشجرة التي تنطلق منها تلك الابتسامة الرائعة، تعرف بشجرة الجرائد، وييسميها أهالي كوستي وزارة الثقافة في الهواء الطلق.

البرش بقرش والقرايه ببلاش

لا يكلفك الدخول إليها، إلاّ ابتسامة فقط، حتى هذه يُمكنك تجاوزها لتجد نفسك جزءاً من نسيج الشجرة الاجتماعي، الناس هنا تجمعهم الحروف ومطالعة الأخبار، ولما يزيد عن الثلاثين عاماً والأوراق ينثرون الأوراق على الفروع، ولا زالت الشجرة هي ذات الشجرة، يتغير الجالسون تحتها لكنها هي هي، منذ زمن الجريدة التي كانت تسمى (البرش أم قرش)، حتى تلك اختفت واحتلت مكانها أخريات.

ليست بالضرورة أن الحياة تكون صحائف تتلى، ولكنها في كل الأحوال تكتب كلماتها لتتوغل بها في دواخل الناس. وشجرة الجرائد (الكوستاوية) ظلت ومنذ زمان مضى تستضيف تحت ظلها الوريف مجموعة من أكشاك الصحف، قضت عليها دعاوى التجميل والترتيب الداخلي، شعارت نحو (مدينة حضرية، وسلوك متمدن) وما إليهما من خواء.

تربيزة وظل كارو

لكن الكشك تحت فرضية الحاجة قد يتحول لمنضدة ـ والظل قد تأتي به عربة كارو غادرها حماره. الشجرة بجرائدها ينظر إليها (الكوستاويون) على أنها جزء من تاريخ المدينة مثلها مثل (قهوة حامد، رواكيب السمك، استاد المدينة، محطة السكة حديد، والميناء).

القدامى يقولون إن مداركهم تفتحت هنا، الجيل الوسيط يدين للمكتبات التي كانت تعيرهم كتب المغامرات وغيرها بالإيجار، ليس بالضروري أن تشتري (أجر واقرأ).

ثمة من يخبرك إن أفضل من يسرد حكايات المدن هم الذين تعيش تلك المدن في دواخلهم، أو على طريقة (أحلام مستغانمي): (بعض المدن نسكنها وبعضها تسكننا). وهنا يبدو الطرف الآخر من المعادلة كجسر روحي يربط بين أهل كوستي ومدينتهم.

وزير بأغلبية الحب الشعبي

من هنا نبدأ سرد قصة وزير الثقافة غير المعين بموجب مرسوم دستوري من لدن السلطة، ولكنه أختير لتلك المهمة الشاقة بأغلبية (الحب الشعبي). إنه (عم أحمد) ربما هو الاسم الجديد، قديماً كان يمكنك أن تكتفي بـ (قيلي)، هذا الاسم لا يمكن تجاوزه أبداً.

والحكايات تقول: حين كانت المخابز تقوم بتوزيع كوتة الرغيف، كان مخبزه المجاور للمقابر ينفتح لكل طلاب المدارس يأتونه صباحاً، فيستقبلهم بابتسامة ما قبل نشيد العلم، ويودعهم بها. مضت تلك الأيام التي لا تغادر ذاكرة الرجل، وهو يسرد لـ (اليوم التالي) تفاصيل المدينة وحياة الناس، يُمسك بالتفاصيل فيقول: (كان الزمان لسع رضي والناس ظروفها مقدرة)، وكالذي يحاول إزاحة بعض الخصلات المتناثرة من على وجه محبوبته، يستخدم (عم قيلي) يديه، ويواصل حديثه وهو يتصفح إحدى الصحف: أهل كوستي ما زالوا على سجيتهم القديمة، الابتسامة رأسمالهم الذي لا يفنى ولا يستحدث من عدم، هي طبعهم الفطري. ودونما يشعرك بحالة بشيء من عدم الرضا، يسخر الرجل من مرضه فيما يتعلق بداء (السكر) فيقول: ياخي ديل ناس طاعمين حتى لمن يمرضوا، وإذا مرضت فانظر إلى ابتساماتهم تشفى.

قصة الشجرة

يعود (عم قيلي) لقصة الشجرة التي صارت مركزاً لمهنته. فيسرد: أنا من غرستها، وها أنا استظل بظلها الآن، أعطاني إياها المفتش الإنجليزي الذي كان قد جلب معه من الهند أشجاراً كثيرة، وزرعتها بيدي هاتين في هذا المكان، لم أكن أتصور أنها ستصبح عنواناً ومقراً لي، كان عمري حينها (11 سنة)، غرستها هنا جوار البنك العثماني، الذي تحول إلى بنك الخرطوم، وقبلهما كان يُسمى بنك الباركيز PCO، وكان جوار مطعم (محمد عمر موسى) المطعم الشهير.

يواصل (قيلي): الأمور مستورة والحمد لله، لكن السترة قد تتحول إلى فضيحة حين يتعلق الأمر بهزيمة الهلال، نصيحة وجهها إلىّ أحد الاصدقاء وأنا أمضي إلى الرجل (لا تذهب إليه والهلال مهزوم، عندها لن تجد عنده تلك الابتسامة الصافية)، التي تمثل عنوان الرجل عنوان المدينة التي يعرف أهلها كيف يمضون بحيواتهم في اتجاه تحقيق رغباتهم الممعنة في البساطة مثل (وزارة الثقافة) التي يستضيفها ظل شجرة.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]


تعليق واحد