المبعوث و”المجلس الأطلسي” كيف تمضي السياسة الخارجية وتوجهات الحكومة في إصلاح العلاقات مع واشنطون بعد تصريحات المبعوث الأمريكي
إبان الزيارة المشار إليها كان كرتي قد انتقد ما أسماها تدخلات الولايات المتحدة في قضية أبيي والشأن الداخلي، وعليه لم يلتق المبعوث إلا بالخير الفهيم رئيس لجنة إشراف أبيي ورحمة الله محمد عثمان وكيل وزارة الخارجية سابقا كأرفع مسؤول حكومي، ونقلت الخارجية يومها للمبعوث أن تحسين العلاقات الثنائية لابد أن يكون من ضمن تفويضه الرئاسي للتعاون مع السودان، ووضعت حينها شروطا لأي زيارة أخرى يقوم بها بوث للخرطوم؛تباينت ما بينتحديد الأجندة وتوقيت الزيارة بالاتفاق مع حكومة الخرطوم.
لاحقاً حضر المبعوث دونالد بوث اجتماع كرتي بنظيره جون كيري بواشنطن في سبتمبر من العام الماضي نفسه، واتسم اللقاء حينها حسب مصادر استنطقتها (اليوم التالي) (بالصراحة والوضوح) حيث استطاع كرتي أن يقدم طرحا قويا بشأن سياسات الولايات المتحدة التي وصفها (بالسالبة)، وأوضحتالمصادر حينها أن كيري طلب طي صفحة الماضي والتركيز على المستقبل.
أهم التطورات المطلوبة من قبل الخرطوم ظلت وما زالت تراوح مسألة منح المبعوثصلاحيات تطوير العلاقات الثنائية بين الخرطوم وواشنطون، بدلا من تركيزه على القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان، وقضية أبيي، التي كانت من أهم أجندته السابقة،بالاضافة لنزاع جنوب كردفان والنيل الأزرق.
تصريحات مغايرة
وعلى الرغم من العقبات التي كانت تقف حجر عثرة أمام زيارة المبعوث إلى السودان، فإن تصريحات مغايرة لتلك التي كان يرددها صدرت عن بوث أمس الأول (الخميس) في في واشنطون،أكدخلالها استعداده لزيارة الخرطوم لاستئناف المناقشات حول العلاقات الثنائية، وكيف يمكن أن تدعم واشنطن الجهود المبذولة من أجل السلام والديمقراطية في السودان. بوث لم يكتف عند هذا القدر من التصريحات التي تعد إيجابية وتغييرا في سياسته تجاه السودان حيث قال خلال مخاطبة تم بثها عبر وسائط الفيديو كونفرنس:”على الرغم من خيبات الأمل في الماضي، أعتقد أنهما زالت هناك فرصة لتحقيق علاقة أفضل؛ ويجب أن ننخرط نحو هذه الغاية.يجب علينا معا رسم طريق للمضي قدما. لهذه الغاية أكرر استعدادي، بالانابة عن حكومتي، لزيارة الخرطوم، ومناقشة مجموعة كاملة من القضايا التي تؤطر علاقاتنا الثنائية”.
الأمل يتضاعف
بوثأشار خلال اللقاء إلى أن مصلحة بلاده هي رؤية سودان ديمقراطي في سلام مع نفسه ومع الجوار، كما أكد المبعوث الأمريكي دعم بلاده الحذر عملية الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس البشير في يناير الماضي، قائلا:”على الرغم من أن المبادرات السابقة كانت مخيبة للآمال، فإن الأمل هذه المرة يتضاعف حول التزام جاد من الحكومة السودانية”.. معتبراً أن “الاقتصاد، تكاليف استمرار الحروب، ديناميات الحراك الداخلي في حزب المؤتمر الوطني، والانتخابات المقررة قد توفر هذه المرة لبعض الفتوحات وفرصة لحوار هادف”، قبل أن يستدرك: “إنها أيضاً ربما تكون ممارسة أخرى تهدف لإجراء انتخابات مزيفة، وتؤول لتجديد شرعية النظام”. المبعوث طالب أيضاً بحسب ما طارت به أنباء الوكالات أمس بتأجيل الانتخابات، ربما لاتحة سانحة لفرقاء العملية والتواضع على أرضية ممهدة تسمح بخلق بناء الثقة بين الأطراف، وهوالأمر الذي رفضه السودان، واعتبر أن الانتخابات شأن سوداني محض. يقول عبدالله الأزرق وكيل وزارة الخارجية في تصريح لـ(اليوم التالي) أمس (الجمعة) رداً على المسألة: إن السودان ليس مستعدا لتلقي دروس في هذا الصدد.
لايدوم لها عهد
وحول استعداد المبعوث لزيارة السودان يقول الأزرق:”قبل الترحيب بالزيارة نحتاج إلى تأكيدات عن صدق أمريكا فيما أعلنته خاصة وأنها لم تف بوعود سابقة”، واضاف:”علاقة الخرطوم وواشنطون تحتاج إلى بناء الثقة، وتعضيد الثقة في تصريحات المسؤولين الأمريكان” وأضاف:”وعدنا مرارا بوعود متعددة في مناسبات شتى، وأمريكا لم تفبوعدها مما يذكرني بقول الشاعر:”إذا غدرت حسناء ووفت بعهدها فمن عهدها أن لايدوم لها عهد”، وأضاف الأزرق:”لكن من ناحية أخرى نحن نرغب في علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
في الأشهر الفاصلة
بوثكان قد شدد في خطابه على ضرورة التوصل إلى اتفاق إطاري وخلق بيئة تفضي إلى ضمان وجود عملية سياسية داخلية ناجحة، “ولكن حتى الآن”-يستدرك بوث- “فإن تحقيق الحوار الوطني الموعود لا يزال غير مؤكد”. وقالإنه”في الأشهر الفاصلة، كانت تفاصيل الحوار قليلة، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة فيما يبدو تتعارض مع نيتها المعلنة”.
حسناً، يبدو الموقف الحكومي واضحاً بلا لبس فيما يتعلق بمسألة إرجاء الاستحقاق لوقت لاحق، إذ رفضت الحكومة في سانحات شتى تأجيل الانتخابات العامة المقررة في أبريل عام 2015، معتبرة أن التأخير من شأنه أن يخلق فراغا دستوريا وفوضى سياسية.
وكان عليكرتي قد التقى مجموعات أمريكية إبان زيارتهالأخيرة إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة ولم تؤكد المصادر أي تسريبات بمقابلات رسمية مع الإدارة أو المبعوث بوث شخصيا.
تعهدات غير مألوفة
بالنسبة لحديث بوث أمام المجلس الأطلسي فقد بدت بين ثنايا كلماته تعهدات غير مألوفة في خطابه السياسي، حين أكد استعداد الإدارة لمناقشة القضايا الثنائية وتحسين العلاقات مع السودان داعيا إلى تكثيف الزيارات وتعميق التفاهم والحديث الشفاف والمنفتح لمناقشة القضايا الخلافية بين البلدين. ويمثل حديث بوث امتدادا لموقفه واستعداده للعمل على مناقشة الخلافات حسب رسالته التي وجهها لوزير الخارجية ولإبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية.
وكشف مراقبون لـ(اليوم التالي) أن الكثير قيادات الدولة مقتنعون بالحوار مع واشنطون إلاتبايناً في وجهات النظر يسفر عن نفسه يتبدى حين التعاطي مع الملف،إلا أن تصريحات بوث ربما مثلت تطوراً وحيوياًقد يساعد على فتح الملف من جديد وقبول زيارة المبعوث إلى الخرطوم الذي سبق له أن زار السودان في سانحتين عام 2013.
إعلان ما كان مخفياً
ولعل اللافت للنظر أن بوث في حديثه عن السودان جدد موقف الإدارة الحذر من دعم الحوار الوطني، مشيرا إلى أهمية استجابة الحكومة لمطلوبات المعارضة وتحقيق التحول الديمقراطي. يقول مصدر مطلع معلقا على حديث المبعوثإن بوث أعلن ما كان مخفيا في محاولة التأثير على موقف السودان الرافض للتعاطي مع المبعوث لتركيزه على قضايا السودان الداخلية وليس العلاقات الثنائية، وقالإن بوث حقق للحكومة شرطا مطلوبا لاستئناف زياراته للسودان ولكن تبقى مطلب آخر وهو مقابلة قيادات الدولة وفق ما تحدده أجهزتها وليس حسب اختياره الشخصي ومفاضلات الإدارة الأمريكية، وقال المصدر أإن الحكومة ستأخذ تصريحات بوث مأخذ الجد،إلا أنه قلل من حدوث أي تحول في موقف الحكومة إلاإن وافق على جدول المقابلات التي تحددها الدولة،وأشار إلى أن أهمية هذا الطرح قرب انعقاد هذا المؤتمر العام للمؤتمر الوطني، مشيرا إلى أنها ستترك ظلالا في مناقشة السياسة الخارجية وتوجهات الحكومة والحزب الحاكم في إصلاح علاقاتها الخارجية.
اليوم التالي
خ.ي