محمد الواثق ابوزيد: روسيا الجديدة … في الخرطوم
ومرت عقود اندلعت فيها ثورات ونشبت حروب كانت روسيا جزء منها وعالمنا العربي ساحة من ساحاتها وكانت الحرب الباردة التى قسمت العالم وانتهت بعد معارك ساخنة مولها العرب فى افغانستان وتخوم الاتحاد السوفيتي عبر تحالف عريض مع المعسكر الغربي , بعدها استكانت روسيا تلعق جراحها وتحاول جاهدة الحفاظ على ما تبقي من كرامة وتماسك داخلى بحملة الاصلاح واعادة البناء وانكفأت على ذاتها خلال العقد الاخير من القرن العشرين
فى مطلع التسعينات من القرن العشرين نشأ تيار يدعوا للتقارب مع العالم الغربي والاندماج فى المنظومة الغربية وبدأت الاصلاحات تسير فى اتجاه المصالحة الا انه وبعد عشرة اعوام أكتشف الروس خطأ الفرضية الداعية الى الاندماج وتأكد لهم أن المسيحية الارثوزوكسية والارث الشرقي يجعل حديث كبلينج هو عين الحقيقة حينما قال بأن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقياء .
واليوم يطرح السؤال مجددا و بأكثر من صيغة (هل عادت الحرب الباردة ؟) واعتقد أن نشأة السؤال ترتبط بصعود قوي دولية خاصة القوة التى شغلت احدي اطراف تلك الحرب وهى روسيا بعد العام 2000 او روسيا بوتين والتى عادت لتشكل جانب كبير من السياسة الدولية بعد صعود التيار المناهض للاندماج والمدرك لحجمه وامكاناته واستحالة الاندماج مع منظومة مهيمنة , فروسيا الاتحادية هى الدولة الاكبر مساحة فى العالم وتشكل ثمن مساحة الارض وبتعدادها الذي يقارب المئة وخمسون مليونا وامتلاكها لاكبر احتياطى من المعادن الطبيعة والطاقة وربع المياه العزبة على الارض تمثل هاجساً حقيقيا للعالم الغربي بعد ان اعلنت تمردها على محاولات الاحتواء صراحة .فروسيا عضو فى بمجموعة العشرين ومجموعة الثمانية ومجلس التعاون الاوروبي وتشغل المرتبة الخامسة من حيث المقدرات العسكرية وتمتلك اكبر ترسانة لاسلحة الدمار الشامل وشتغل احد المقاعد الخمس الدائمة لمجلس الامن الدولى . بجانب تكتلات جديدة مثل مجموعة البريكس والتى تجمعها مع ( الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا ) ومنظمة شنغهاى التى تشكل درعا اسيويا مقابل تمدد حلف النيتو ,وهى مراقب بمنظمة المؤتمر الاسلامى .
جاء بوتين الى الحكم من مؤسسة ملمة بكل تفاصيل الصراع مع الغرب (المخابرات الروسية) وبدأ فى تحرير المؤسسات التى ضلت طريقها إبان فترة التحول من النظام الشيوعى الى نظام اكثر انفتاحا فعمل على تحرير الصناعة النفطية وشركات الطاقة وقطاعات الطيران والصناعات الحربية من هيمنة المجموعات الموالية للغرب , وبعد 8 اعوام من حكم الرجل ظهرت ملامح روسيا الجديدة وقد شكلت اسعار النفط المرتفعة بعد احداث سبتمبر خير داعم لمشروع بوتين , ومكنه من دفع الاقتصاد الروسي بصورة غير مسبوقة وعزز من مكانتها فى التحالفات الدولية الجديدة وغادر الرئاسة فى 2008 لصالح صهره مدفيدف وعاد ليكمل مشروعه فى 2012 .
نتيجة لبروز الدب الروسي مجددا كانت التحالفات الجديدة والتى تتشكل الان فى العلاقة من الكتلة الاقليمية بما فيها المجموعة العربية عبر المنتدى العربي الروسي والذي انعقد للمرة الاولى في موسكو وينعقد فى الخرطوم فى نسخته الثانية وبحضور لوزير الخارجية الروسي سيرغى لافروف والخطوة تحسب لصالح الدبلوماسية السودانية خاصة ان الدول العربية تطورت علاقاتها بشكل ملحوظ مع روسيا الاتحادية مؤخرا .
فالعلاقات الروسية العربية تقدمت بعد الربيع العربى فروسيا تحاول تعزيز مكانتها الدولية بنسج اكبر شبكة علاقات اقتصادية واستراتيجية وترتكز سياستها على الجغرافيا السياسية كواحد من اسباب القوة , أما الجانب العربي فيحاول ان يتحصل على اكبر قدر من الحماية بعد اعتقاده بأن الغرب اصبح لا يقدم الحماية الكافية لانظمة مهددة بالثورات والاضطرابات , وقد شهد العالم كيف صمد النظام السورى لسنوات بفضل الموقف الروسي الداعم للنظام هناك , كما شهد العالم صلابة الموقف الروسي فيما يتعلق بازمة القرم , لذا فقد عقدت بعض الدول العربية صفقات مليارية لاعادة التسلح كعربون صداقة مع روسيا ,وتحاول روسيا جاهدة تبنى سياسة تجمع تحالفاتها فى المنطقة مع ايران والخليج وشمال افريقيا ,مع وجود خلافات على كثير من الملفات مثل الملف السورى والايراني ومؤخرا ملف النفط واسعاره التى رفضت السعودية عبر اوبك تخفيض الانتاج مما يجعل روسيا من اكبر المتضررين .
فالعقوبات الغربية على روسيا ستجعل من اقتصادها الداخلى وسياستها الخارجية اكثر فعالية لتوسيع فرص النمو وعقد شراكات كبيرة بعيدا عن العالم الغربي ومحاولات الهيمنة , فانتاجها الزراعى خلال الاعوام الاخيرة غير مسبوق مما يجعلها من الدول التى تسيطر على حصة كبيرة من اسواق الحبوب بجانب الطاقة ويؤهلها لفتح اسواق جديدة تعزز اقتصادها وتقدم روسيا بصورة جديدة غير تلك الصورة التى رسمت فى مخيلة العالم عبر الاعلام الغربي .
أما بالنسبة للسودان وبعد ان كان واحد من عشر دول تقف بجانب روسيا فى معركتها المصيرية فى القرم ومع زيارة لافرزف الى الخرطوم ووجود تاريخ من العلاقات يمكن ان نقول بان السودان بدأ طريق البحث الجاد عن حليف استراتيجى خاصة أن الموقف السودانى ولفترة شهد تقاربيا مع نظيره الروسي حول الكثير من القضايا الدولية والاقليمية مثل الازمة السورية فى بداياتها وعملت روسيا على خيار الحل الافريقي وابعاد الحلول الدولية للازمة السودانية وهو ما ظل يؤكدة المبعوث الروسي , وملف الاستقرار الليبي كهدف لكلا البلدين . الا ان السودان يحتاج لدعم اكبر من الجانب الروسي في قضاياه الداخلية مثل الدعم السياسي لتعزيز الامن والسلام من خلال المنابر والمنظمات الدولية والدعم الاقتصادى خاصة الاستثمار فى المجالات الحيوية مثل الطاقة والزراعة والتعدين …
شجون ومتون
محمد الواثق ابوزيد
امتعتني حقا يا استاذي العزيز
فكتابك به منالروابط مايوحي بعظمة كاتب