ثقافة وفنون

كأنك لم تك يوماً هنا: الفيتوري.. بعض عمرك ما لم تعشه وما لم تمته


[JUSTIFY]الصوت الشعري المميز، والنفس الإبداعي المختلف، والرؤية الصوفية النقيِّة، وإعادة إنتاج الأسطورة في أبهى صورها، والقدرة التصويرية البديعة، وغير ذلك من العناصر التي ميّزت مسيرة شاعر أفريقيا الذي سحر أدباء أفريقيا قبل القراء، إنه الشاعر السوداني الكبير محمد مفتاح الفيتوري.

(1)

ولد في العام 1936م بمدينة الجنينة غرب دارفور ونشأ في الإسكندرية بمصر حيث حفظ القرآن الكريم ودرس في المعهد الديني، ثم انتقل إلى القاهرة وأكمل تعليمه في كلية العلوم بالأزهر، ثم عمل محرراً أدبياً في الصحف المصرية والسودانية، وأصدر أول دواوينه وهو طالب بالجامعة ثم أعقبه بدواوين أهمها (معزوفة درويش متجول، ثورة عمر المختار، عريان يرقص في الشمس، ابتسمي حتى تمر الخيل وعاشق من أفريقيا) وغيرها، ودُرّست بعض أعماله ضمن مناهج آداب اللغة العربية في مصر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما تغنى ببعض قصائده مغنّون سودانيون كبار أشهرهم محمد وردي.

عُيّن (الفيتوري) خبيرًا إعلامياً لدى جامعة الدول العربية، ثم عمل مستشارًا ثقافياً في سفارة ليبيا بإيطاليا، ومستشاراً وسفيراً لـ(ليييا) لدى لبنان، وأخيراً مستشاراً للشؤون السياسية والإعلامية في سفارة ليبيا بالمغرب.

(2)

حمل الفيتوري عبء الدفاع عن أفريقيا التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار الغربي، وامتلك تاريخاً إبداعياً لا يعترف بالجغرافيا، واشتهر بقصائد المنفى التي اتسمت وتميزت أشعارها بالتصادم بالأفريقانية الساطعة حتى أن قصائده لا زالت متقدة تلهم العواطف وتلهبها.

(3)

طالت غيبة الفيتوري الشعرية وابتعد عن الندوات والملتقيات، حيث لم يعد الجسد فتياً ليقاوم صخب الحياة، ولا الصوت جهوراً كما كان يصدح في الأمسيات، ولا يمينه ثابتة لتخط بمداد الشعر قصائد من ذهب، انحسرت الأضواء عن الفيتوري، ولم تعد وسائل الإعلام تذكره إلا بشائعات الرحيل، ليردد معه محبوه: (وتمضي غريبا وجوه الدخان تحدق فيك/ وتدنو قليلا وتنأى قليلا/ وتهوي البروق عليك/ وتجمد في فلوات القناع يداك/ وتسأل طاحونة الريح عنك/ كأنك لم تك يوما هناك/ كأن لم تكن قط يوما هناك

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]