مصطفى الآغا

الهمجية


الأسبوع الماضي كنت في «الجيم» أمارس الرياضة كعادتي يوميا، ولأني أسكن في منطقة معظم قاطنيها أوروبيون وأميركيون لهذا أشعر بالغرابة أحياناً من المحيط الذي لا يشبهني، ولكني تعايشت معه لأنني ببساطة أعيش في مدينة جمعت العالم على أرضها في أمن وسلام..

وعلى غير العادة كان الجيم مزدحما في فترة الظهيرة، وكانت الشاشات تعرض قناة الـ«سي إن إن» الإخبارية من دون صوت، وتابعت مشهدا مروعا لم أتوقع أن أراه في القرن الحادي والعشرين، كان الشريط الإخباري يقول «مقتل أفغانية ركلاً بالأقدام وسط جمهور غاضب»، سمع أنها أحرقت نسخة من القرآن الكريم، ولم يتحقق هذا الجمهور الغاضب من صحة ما سمعوا بل قتلوها حتى قبل أن يعرفوا الحقيقة، وتبين لاحقا أنها مظلومة.. ولكن بعد شو؟

ما أريد الحديث عنه هو المشاهد التي تابعتها مع العشرات، وكانت ليست فقط مؤذية بل صادمة، لأن الفتاة أو المرأة لم تخضع لمحاكمة ولا نعرف أساسا ما هي مشكلتها ولا تهمتها، بل شاهدنا عشرات الشبان يركلونها بأقدامهم على وجهها وفي كل أنحاء جسدها، والأنكى وهو ما دفعني لكتابة هذه المقالة أن المئات كانوا يحملون الموبايلات ويصورون سناب شات وفيديوهات لإنستغرام ويوتيوب وفيسبوك، والضحكة تملأ وجوههم، (وليس الاستنكار أو الغضب) وهم يتابعون حالة الإعدام وكأنها فيلم سينمائي لا ناقة لهم به ولا جمل، بينما كان وجه مذيعي الأخبار «ما بيتفسّر»..

أما ما حدث بعده في الجيم فصدمني شخصيا حين بدأت إنجليزية بالبكاء، وتبعتها صينية وأخذ البعض ينظر لي «كعربي ومسلم» وكأنني أنا من قتل الفتاة أو ساهم بمقتلها، وهو ما يدعونه بالإنجليزية «تأطير العربي والمسلم كرجل همجي محب للدم والقتل، وبالتالي إرهابي، وهي التهمة التي نحاول إبعادها عن الإسلام»، ولكن المشاهد التي نراها كل يوم من قطع الرؤوس وقتل الناس ورميهم من العمارات، وذبحهم أو حرقهم جعلت مهمتنا أصعب في تأكيد أننا بشر مسالمون محبون للخير ولا عنفيون..

أعرف أن بعض المتعصبين والمتطرفين لن يقرؤوا من هذه المقالة سوى عنوانها، وسيبدؤون بعرض الشواهد والدلائل التي تؤكد نظرتهم، ولكنهم لن يقرؤوا أنني لست ضد عقوبات شرعية، ولكني ضد تنفيذها من قبل العامة وفي الشارع ومن دون وجود رجال قانون، ثم تصويرها بوجوه مبتسمة وإرسالها للأصدقاء والحبايب واتس آب، ثم نظهر على الشاشات أمام أكثر من خمسة مليارات غير مسلم، ونقول للعالم والله يا جماعة الخير نحن أناس حضاريون ولا عنفيون، وعيب أن تقولوا إننا همجيون وإرهابيون..

لا والله ما رأيته بأم عيني هو الهمجية بعينها، ومن يدعي عكس ذلك فهو من نفس الفئة التي ترفض أن يرانا العالم على حقيقتنا وليس كما يريدون هم.