مصطفى الآغا

تُجّار المآسي


ليس من عادتي أن أفتح الرسائل الإلكترونية أو الإيميلات التي تأتي «للجنك» وأقوم بحذفها فورا ولكن إيميلا شدني لغرابته، فالمرسل شخصية تدعى باولا دريفوس، والعنوان «نداء من لمياء»، بالعربي!..

وبسبب الفضول فتحت الإيميل وكان فيه هذه الرسالة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عليكم

أنا لمياء، أرملة من دمشق، سورية، «أثرت» على عائلتي وزوجي بسبب الأسلحة الكيماوية «الصماء» لوفاة زوجي وأطفالي، بحاجة إلى شخص يخشى الله، أكثر ثقة في مساعدة المال زوجي مرة أخرى بلدي يالي 11.6 مليون دولار (يا بلاش) المحفوظة من «المكتب» للأسرة (مكتب شو؟ الله أعلم طبعا)، وحفظ لهم قبل وفاته في الولايات المتحدة بسبب تعرضهم للأسلحة الكيميائية، من فضلك، أخي كان سعيداً جداً إذا كنت تستطيع مساعدتي فرد على الإيميل:

Paula.Dreyfuss@rockets.utoledo.edu

طبعا رخيصة جداً وتافهة هذه الخدعة، والأكيد أن كاتبها أساساً ليس عربياً رغم قناعتي أن الكثير من شبابنا اليوم لغتهم العربية أزفت من لغة الحرامي الذي كتب الإيميل، ويحاول استغلال مأساة إنسانية مهولة، وأيضا استغلال تعاطف الناس مع هذه المأساة، ولكن (المأساة الأكبر) هي في أبناء البلد نفسه الذين يتاجرون بمآسي أشقائهم وإخوانهم وحتى أهلهم، ويجدون فيها مجالا للكسب الحرام، على أكتاف شقاء الناس وحاجتهم، ومنهم تجار قوارب الموت الذين يتقاضون عشرة آلاف يورو على كل رأس حتى لو كان طفلا صغيرا، لينقلوهم من شواطئ عربية مجاورة إلى تركيا أو اليونان أو إيطاليا، ولكن في قوارب تتسع أصلا لـ30 شخصا فينقلون فيها 400 أو 500 يموت ثلاثة أرباعهم غرقا قبل أن يصلوا إلى شواطئ الأمان، ونصف أهلي وإخوتي للأسف استخدموا هذه الوسيلة لأنها الوحيدة القادرة على دخولهم من دون تأشيرة أو فيزا للدول «المتعاطفة الحنونة التي ترفض مطلقا استقبالهم في سفاراتها وقنصلياتها كطالبي لجوء»، ولدي من القصص ما تشيب له الولدان من صلف وعنجهية وقسوة هذه الدول التي تدعي أنها ترعى حقوق الإنسان، وهي أول من ينتهكها طالما أنها ليست على مواطنيهم.

هل تعلمون ماذا تعني عشرة آلاف يورو لشخص فَقَدَ أساسا بيته ورزقه وربما أهله، ومن أين يأتي بها وكيف؟

نعم لديهم ديمقراطيات ولديهم حقوق إنسان ولديهم كل شيء، ولكن لمواطنيهم الذين استعمروا الأرض من أجلهم ونهبوا ثروات عشرات البلدان من أجل مواطنيهم، وهم مستعدون لبيع حلفائهم مقابل حلفاء جدد أو أعداء قدامى، ولهذا أنا مع أن نكون كعرب قوة يهابنا الجميع، ولا نخاف من أحد وأن نتوقف عن سماع الإملاءات بشكل أو بآخر، وأن يكون لنا رأينا وفكرنا وقرارنا وصوتنا، وهذا الصوت لن يسمعه أحد ما لم نكن أقوياء، لهذا كانت عاصفة الحزم أول الغيث العربي.. ونتمنى ألا تكون آخره.