مصطفى الآغا

أخلاقنا في رمضان


لم أدّع يوماً أنني فقيه في الدين أو من المتبحّرين فيه، وأعرف حساسية البعض عندما يتطرق أي كاتب لموضوع فيه ولو مسحة دينية..

ولكنني أدّعي أنني مسلم وأؤدي فرائضي الدينية بانتظام ودون انقطاع، ولكني مثلي مثل كثر غيري لدي من العيوب والنواقص ما ينوء به ظهري.

واليوم أجد نفسي مضطراً أن أكتب عن شيء ألمسه في كل رمضان، إن كنا في الغربة أو أيام كنا في بلادنا، وهو “نزق الصائمين” غير المبرر بالنسبة لنا، ولكنه مبرر بالنسبة لهم.

خذوا عندكم مثلا المدخنين الذين يصومون، إذ نرى روحهم في “راس خشومهم”، ولا يمكنك حتى فتح أي حديث معهم أو مجادلتهم، والحجة الدائمة أن أخانا لا يدخن وصائم وأخلاقه أضيق من خرم الإبرة؟

نفس الكلام ينطبق على موظفي الحكومة والدوائر الرسمية والباعة وأصحاب المحال وسائقي التكسي والباصات العامة والخاصة، وحتى على أهل البيت الواحد، فأي حوار قبل الإفطار هو مشروع “خناقة” والسبب أن صاحبه صائم!!

والبعض حتى يكفي خيره وشره، تجده ينام من الفجر حتى ما قبل المغرب بلحظات (!!)، فلا يقوم حتى بفروضه الدينية، والمشكلة ليست فقط قبل الإفطار، فخلاله تحدث كوارث بيئية وطبيعية وهضمية ومجازر “غذائية”، وكأن أصحابها كانوا يعانون من مجاعة، ووجدوا الأكل أمامهم، وثبت بالدليل القاطع أن ما ترميه الأسر من طعام يكفي لسد جوع قارة بأكملها، ورغم كل التحذيرات والتنبيهات والأحاديث النبوية الشريفة فإن هذه الظاهرة، كما يبدو، لن تختفي أبدا، علماً أن من مبادئ الصيام نفسه الإحساس بمشاعر المحرومين الذين لا يجدون قوت يومهم وليس العكس!!

أما بعد الإفطار وصلاة التراويح فحدث ولا حرج.. إذ تجد البعض (الكثير) وكأن “رمضانه” هو فقط ما قبل الإفطار، أما ما بعده فكل شيء مباح، ويعود لسابق عهده من النميمة واستباحة أعراض الآخرين، والتغريد بما لا يليق ولا يصح لا في رمضان ولا في غير شهر رمضان، تحت بند “الحرية وبكيفي”، والأنكى أن ثلاثة أرباع من يغردون بالأدعية والأحاديث تجدهم هم أنفسهم من يشتمون الآخرين، ويقذفون المحصنات من البشر دون رادع أو وازع أخلاقي، ولا نقول “قانوني”.

قد أبدو للبعض متشائما بعض الشيء، ولكني أتحدث عن أمور صادفتها في حياتي منذ وعيت على الصيام، أي منذ 45 سنة تقريبا، وللأسف أجدها تزداد مساحة بدلا من أن تنقص، ومن لا يصدقني فليراقب شوارعنا قبل دقائق من مدفع الإفطار، وسيعرف أن “الانتحاري فقط” من يستطيع القيادة في تلك اللحظات، وسط جنون ما بعده جنون من المسرعين إلى المائدة، وكأن بضع دقائق زائدة قد تقتله جوعا أو عطشا.