مصطفى الآغا

عاشت الكويت


لن أضيف أي جديد، إن قلت إن الكويت، تحديدا، لها مكانة في قلوب كل العرب، وليس عند الكويتيين أو الخليجيين فقط، لمليون اعتبار واعتبار.

وإن تركنا كل الاعتبارات، فأنا -كإعلامي- أرى في الكويت منارة ثقافية وإعلامية تعلمنا منها الكثير، وآخر زياراتي لها كانت قبل أسابيع قليلة، كمشارك ومُكرَّم في ملتقى الإعلام العربي الثاني عشر، الذي أسسه زميلي وصديقي ماضي الخميس، بوجود معظم النخب الثقافية العربية ومجموعة من الأكثر تأثيرا عبر وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وكلما زرنا الكويت، وجدناها واحة للتسامح والتعايش، وهي التي منحت العرب منذ أوائل الستينيات أحد أشكال الديمقراطية، التي لم يصل إليها البعض حتى الآن، وهي التي قدَّمت لنا أول فيلم سينمائي خليجي، كما قدَّمت لنا الدراما الخليجية والكوميديا الهادفة، وهي التي قدَّمت أيضا مجلة العربي وصحف القبس والراي والسياسة والوطن والأنباء والكويتية، وهي التي قدَّمت لنا د.الراحل أحمد الربعي والشاعرة د.سعاد الصباح.. ولو جلست لنهاية شهر رمضان أعدِّد ماذا قدَّمت الكويت على كافة الصعد؛ الثقافية والاجتماعية والسياسية والفنية والإعلامية والاقتصادية، فلن أوفي هذا البلد حقه، فقد زرعت الكويت الحب في قلوب كل العرب، وحصدته يوم الجمعة الأسود، في تفجير وقتل المصلين الساجدين الصائمين بمسجد الإمام الصادق.. فما حدث كان هدفه الكويت وشعبها، وليس طائفة من أهلها فقط.

وجاء الردُّ مذهلا، وبنفس المكان والزمان، بوجود الأمير، شخصيا، في موقع التفجير، تلاه كل الشخصيات الكويتية القيادية، وما أعقبه من تعاطف عربي وعالمي عبر كافة وسائل الإعلام؛ التقليدية والجديدة.. ولكن الأهمّ، وقفة أهل الكويت تجاه بعضهم بعضا، والعزاء الذي يقدمه رأس البلاد بمسجد الدولة الكبير لم يترك أي مجال للشك، أن التفجير أظهر المعدن الحقيقي للكويتيين، وأنه من شبه المستحيل العبث بالوحدة الوطنية الكويتية، لأنها ترسَّخت عبر عقود من الزمن، وليست أمرا طارئا، ولأن الشخصية الكويتية – على وجه العموم – ترفض التطرُّف وإقصاء الآخر، مع اعترافنا بأن هناك منهم مَن يتقبَّل ذلك، ولكنهم قلة قليلة، وليسوا غالبية.

لم يكن الكويتيون يحتاجون إلى هذه الحادثة، كي يعرفوا كم هم متوحدون خلف أميرهم، ولكن الفاجعة كانت كبيرة جدا، وأتمنى أن تكون درسا.. ليس فقط للكويتيين، بل لكل العرب، وخاصة الحاضنين للفكر المتطرِّف، الذين يرفضون الآخر، ويُكفِّرون كل مَن لا يتفق معهم ومع آرائهم وأفكارهم، وبالتالي يُشرِّعون قتل هذا (الآخر)، بأن الفتنة لن تقف عند طرف على آخر، وأن اللعب بالنار له تبعاته، وليس أقلها أن تحرق مَن يلعب بها.

حمى الله الكويت، وعاشت منارة للجميع.