مصطفى الآغا

تزوير في ملامح رسمية


ربما لأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، ولأننا نعيش ثورة تواصل (اجتماعي).. لهذا، بدا الأمر لي أكثر من غريب، وأنا أقرأ في «الكويتية»، تحديدا، خبرا يقول إن عريسا جزائريا أقدم في قضية، تعد الأولى في تاريخ الجزائر، على رفع دعوى قضائية على زوجته وعروسه، بعد أقل من 24 ساعة على الزواج، والسبب «مُفجع».

فالرجل تزوج من فتاة جميلة، وأهله شاهدوها قبل الزواج، وهو أيضا (النظرة الشرعية)، وبعد العرس والأفراح والليالي الملاح نام الرجل سعيدا، وفي منتصف الليل، أو قبل الفجر بقليل، شاهد «مخلوقا» غريبا في بيته، وظنه لصاً يحاول السرقة، فخاف وارتعدت فرائصه، لكن المخلوق «طلع زوجته»، التي أفزعته وأرعبته، ولم تكن تشبه تلك التي شاهدها أو تزوجها أبدا، والسبب كمية الماكياج التي وضعتها على وجهها، لهذا توجَّه لمخفر شرطة سيدي محمد في الجزائر العاصمة، وتقدَّم ببلاغ ضد زوجته، اتهمها فيه بالخيانة والتزوير والنصب والاحتيال، بسبب إخفائها وجهها الحقيقي بطبقات كثيفة من الماكياج قبل الزواج، وفي يوم العرس، ما جعله يُصاب بصدمة نفسية، حين استيقظ في اليوم التالي وشاهد وجهها الطبيعي.

الرجل لم يكتفِ بهذا، بل ظهر في وسائل الإعلام، وقال إنه لم يستطع التعرف إليها، وظنها شخصا غريبا دخل بيته بغرض السرقة، فانتابه الذعر لحظتها، قبل أن يكتشف بعد ذلك أنها زوجته، التي كانت تبدو فاتنة الجمال من قبل، بسبب استخدامها مساحيق التجميل، مطالبا بأن يتم تغريم الزوجة مبلغا يتجاوز 20 ألف دولار، تعويضاً عن الضرر النفسي والمعنوي.

والأكيد، أن الرجل يُبالغ، والأكيد أكثر أنها مهما وضعت من مساحيق، فلن تتحوَّل من فاتنة إلى شيطانة، والأكيد أن أهله أو أمه أو أخته كانت تستطيع رؤية البنت من دون ماكياج قبل الزواج، والأكيد أن موضوع «طاسة الرعبة والضرر النفسي والتعويض المالي بعشرين ألف دولار»، يوضح أن الرجل بكل بساطة لم تعجبه البنت التي اختارها هو وأهله بالطريقة التقليدية (رغم وجود فترة خطبة شرعية، ولقاءات أسرية، وحوارات أمام ومع الأهل)، أي أن القضية ليست في الطريقة نفسها التي أثمرت ملايين الزيجات الناجحة، بل هي في اختيار، وربما في ماكياجات زائدة، ساهمت في تحويل أنجيلنا جولي إلى هالك أو أحدب نوتردام، ولن آتي بأمثلة عربية، حتى لا أدخل في جدليات ونقاشات لا طائل منها.

صحيح أن عمليات التجميل باتت أكثر من «عمليات الزايدة وأبوكعب»، لكن الصحيح، أيضا، أن نتيجة الزواج (المبني على تجميل صناعي) سيأتي أولاد على هيئات وأشكال أمهاتهم وآبائهم الأصلية، وليس قبل الذهاب لعيادات التجميل وتغيير الأنف والحواجب والشفايف والخدود والصدر والأسنان، وحتى ما خفي، وما لم يخفَ، لدرجة أن إحدى الدول العربية لديها قروض رسمية «للتجميل»، لأن المنطق السائد يقول إن من لا يتجمَّل ويغيِّر شكله، فهو «يغرد خارج السرب»، والكلام ينطبق على الرجال قبل السيدات.

كنا نتقبل عملية «خشم أو أنف»، لأنها فعلا تغير كثيرا، لكنها لا تلمس الشكل الأساسي للشخص، لكننا الآن لم نعد نعرف حسن من نعيمة، أو أن كل البنات صرن «كوبي بيست» من بعض…

وصدق مَن قال «التجميل، تزوير في ملامح رسمية».