منوعات

تقاعد الزوج يعرضه لاضطرابات نفسية

تقاعد الزوج يعرضه لاضطرابات نفسية وسلوكية

تقاعد الرجل عن العمل يمثل مرحلة حساسة وحرجة في حياته، فبعد أن اعتاد على العمل والتواجد ساعات طويلة خارج المنزل لسنوات تغير الوضع وأصبح يمكث في بيته طوال اليوم، ما يجعله يشعر بفراغ شديد وربما قد يجد صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد، ما قد يغير الكثير من سلوكياته وأفعاله تجاه زوجته وأبنائه.

قالت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس في مصر، الدكتورة سامية خضر، إن تقاعد الرجل عن العمل هو مرحلة ليست سهلة أبدا عليه، وعلى الزوجة والأبناء أن يتفهموها جيدا ويتفهموا نفسية هذا الزوج، خاصة أن العمل بالنسبة للرجل ليس مجرد مصدر دخل مادي فقط، بقدر ماهو المصدر الذي يستمد منه قوته وأهميته ويحمي به رجولته وكرامته، فهو العائل لهذا المنزل وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه، وبفقدان هذا العمل من الطبيعي أن يعاني هذا الزوج من الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تنعكس بالسلب على زوجته وأبنائه.
وتتابع: لا يستطيع أن يتأقلم الزوج مع هذا الوضع الجديد والذي يشعر فيه بالتهميش وعدم الأهمية، خاصة إذا كانت زوجته تعمل وأبناؤه كل منهم في عمله أو دراسته، في الوقت الذي يكون فيه حبيس المنزل، وهو ما يشكل معاناة نفسية له بالإضافة إلى شعوره الدائم بالفراغ والملل، ما يدفعه إلى تعويض هذا العالم المليء بالفراغ بفرض سيطرة من نوع جديد على المنزل كي يشعر أنه ما زال يحافظ على مكانته وهيبته أمام أسرته.

وتضيف: وهو ما يفسر اتجاه كثير من الأزواج المتقاعدين إلى القيام بمهام غريبة وجديدة أيضا في المنزل، فربما تجده يراقب أفعال كل فرد من أفراد العائلة عن كثب، فينتقد طريقة ملابس زوجته وتصرفات أبنائه، وقد يتدخل أيضا في العديد من التفاصيل الغريبة مثل طريقة الطهي وما يخص المطبخ، وربما قد يجبر أبناءه على الاستيقاظ مبكراً وينهر من يسهر فيهم. وتشير إلى أن هذه المرحلة الحرجة تحول الزوج إلى شخص شديد العصبية ومختلق للمشكلات دون أي أسباب منطقية، فقد تجده يتشاجر مع أبنائه لمجرد أنهم تركوا مصباحا في المنزل مضاء دون سبب، وقد يتشاجر مع زوجته بسبب طبخها لصنف طعام لا يحبذه، ما يحول المنزل إلى جحيم حقيقي.

الزوجان اللذان يخططان لتقاعدهما من المرجح أن يقل جدالهما ويستمتعا أكثر بصحبة بعضهما
أما الدكتورة أمينة كاظم، أستاذة علم النفس التربوي، فأكدت أن تقاعد الرجل عن العمل يصيبه بالعديد من الاضطرابات النفسية والشعور بالتهميش، ما قد يجعله عصبي المزاج ويختلق الكثير من المشكلات وهو ما يثير ضيق الزوجة والأبناء، موضحة أنه لابد أن تتفهم الزوجة ما يمر به زوجها في هذه المرحلة من ضغط نفسي وشعور بالتوتر وعدم تأقلم على هذه المرحلة الجديدة، وذلك بأن تسانده نفسيا وتقف بجانبه كي يمر بهذه المرحلة بسلام ويتأقلم معها سريعا.

وتضيف كاظم: من الضروري أيضا أن يقوم الزوج بإشغال نفسه بأي أنشطة رياضية أو اجتماعية أو ثقافية كي يقضي على شعوره بالفراغ والملل الذي يداهمه باستمرار، كذلك من المكن أن يكون صداقات مع من حوله ويقضي معهم أوقات فراغه، وغالبا ما يكون المتقاعدين عن العمل من حملة المؤهلات والخبرات العالية في مجال عملهم، وهو ما يمكن الاستفادة منه في مجال الاستشارات أو عمل مشروعات خاصة به.

ومن جهة أخرى توصلت دراسة بريطانية سابقة إلى أن ملايين الأزواج يجدون صعوبة كبيرة في العيش معا بعد التقاعد. وكشفت نتائج الدراسة التي أجريت على 660 شخصا متقاعدا ما زالوا يعيشون معا، أن كثيرا من الأزواج يكتشفون أن البريق القديم قد ذهب بلا رجعة بعد ترك العمل.

وقالت الدراسة إنه بدلا من الاحتفال معا بحريتهم المكتشفة حديثا، يكتشف 8 من 10 أزواج أنهم لا يتشاركون في أي من الهوايات والاهتمامات، ويتشاجر إثنان من كل خمسة أزواج بسبب قلة المال. وأظهرت أن 14 زوجا متقاعدا اعترفوا أيضا بأنهم كانوا بحاجة لتعلم كيفية العيش معا مرة أخرى، وقد رحل الأبناء عنهم الآن ولم يعودوا مرتبطين بعمل.

وأكدت الدراسة أن 1 من كل 3 أزواج متقاعدين يقضون أوقاتهم في الجدال حول أشياء سخيفة مع نصفهم الآخر، و13 بالمئة يقرون بأنهم يضايقون بعضهما بطريقة لا تصدق. و29 بالمئة كانوا متفاجئين لاكتشاف أنهم لم تكن لديهم نفس الآمال في سنوات عمرهم الذهبية.

وأوضحت مديرة الاتصالات المشتركة بجمعية سكيبتون بلدينغ البريطانية التي أنجرت الدراسة، ستيسي ستوثارد قائلة “من السهل تصديق أن الأزواج عندما يصلون لسن التقاعد قد يواجهون كل أنواع المشاكل في علاقاتهم. وطوال السنوات الثلاثين أو الأربعين الماضية كانوا مشغولين بروتين الذهاب للعمل ورعاية الأطفال والسعي وراء اهتماماتهم الشخصية”.

وأشارت إلى أنهم ربما لم يكن لديهم أكثر من ساعة واحدة أو إثنتين فقط لقضاء وقت مميز معا، وكان باقي يومهم مخصصا لالتزامات أخرى. وقالت “وفجأة، عندما ووجهوا بمشهد قضاء 24 ساعة معا يوميا على مدار الأسبوع، دون عمل أو أطفال يتحدثون معهم، يجد الأزواج صعوبة في التأقلم مع هذا الوضع الجديد”. وأظهرت الدراسة أن ربع الأزواج قالوا إن تنظيم علاقتهم أعقد وأصعب مما تخيلوا. وذكر ثلث الذين شملهم الاستطلاع أنه في حين أن أحد الزوجين يفضل القيام بكل شيء معا، فإن الزوج الآخر يحب التفاعل أكثر مع الأصدقاء.

وأكد نصف عدد المشاركين في الاستطلاع أن قلة المال تعكر صفو التقاعد السعيد، وتولد الكثير من الحجج -بالنسبة لخمس الأزواج- عن حقيقة أن أحد الشريكين يحب إنفاق كل المال المدخر بينما الآخر يحب حفظه لوقت الضيق.

من المهم للزوجين أن يتمكنا من التأقلم مع الوضع المالي المتوقع عند التقاعد، وتقدير كمية المال التي ستأتيهما كل شهر ليعيشا في حدوده
وبينت الدراسة وجود جدالات تنشأ بين الزوجين مثل: تطفل أحدهما على الآخر عند الطهي، وطول مدة الحديث بالهاتف، وتكاسل أحدهما مع نشاط الآخر ورغبته بالحركة. بالإضافة إلى وقت الفراغ الإضافي المتاح للناس الذين لا يعملون، حيث إن كثيرا من الأزواج يجدون صعوبة في ملء الساعات مع هذا الكم الهائل من وقت الفراغ، وربما يزيد جدالهم نتيجة لذلك. ويختلف 11 بالمئة في كثير من الأحيان حول كيفية قضاء يومهم. ويعترف خمس الناس بأنهم غير معتادين على مثل هذا الكم الهائل من وقت الفراغ بين أيديهم.

وقال تسعة من كل عشرة أزواج إنهم في نهاية المطاف سيستقرون معا في تقاعد سعيد. كما أظهرت الدراسة أن 93 بالمئة من الأزواج يزعمون أن الخلل المؤقت في علاقاتهم ليس له علاقة بعدم وجود الحب أو الالتزام.

وبينت ستوثارد أن “الناس يتقاعدون من العمل وليس من الحياة، والاستفادة القصوى من هذه الفرصة المثيرة للقيام أخيرا بالأشياء التي حلموا بها دائما هو شيء يحسدهم عليه معظم الناس في سن العمل. والجزء الأساسي في التقاعد السعيد -دون شك- هو التخطيط. فالزوجان اللذان يخططان لتقاعدهما من المرجح أن يقل جدالهما ويستمتعا أكثر بصحبة بعضهما”.

واستدركت قائلة “لكن التخطيط لا ينبغي أن يبدأ لحظة تقاعد الشخص، وواقع الأمر أنه كلما كان التفكير في الأمر مبكرا كان ذلك أفضل. ومن المهم للزوجين أن يتمكنا من التأقلم مع الوضع المالي المتوقع عند التقاعد، وتقدير كمية المال التي ستأتيهما كل شهر ليعيشا في حدوده. وتنظيم هذه الأشياء العملية مقدما سيمكن الزوجين من الاستمتاع بتقاعد أسعد معا”.

يشار إلى أن دراسة أميركية حديثة قالت إن الموظفين الذين يقضون عمرهم وهم يدخرون لسن التقاعد هم الأكثر قلقا، وعندما يحين الوقت للتقاعد فإنهم لن يكونوا مستعدين ماليا.

جريدة البشاير