مطعم كندي يعطي فرصة للسوريات لإظهار مواهبهن في الطبخ.. فماذا كانت النتيجة؟
إنه لمن المثير جداً أن يُترك باب مطعم دبانيور مفتوحاً للهواء. فرائحة البصل المقلي والدجاج بالصلصة تفوح إلى الخارج، في وقت ما بعد الظهيرة المُشبع بالبخار بمدينة تورونتو الكندية.
ومن الصعب ألا تتوقف وتُحدّق فيما يحدث في آخر ذلك المطعم المزدحم المفتوح، بحسب تقرير نشرته النسخة الكندية لـ”هافينغتون بوست”.
لسن عاملات
قرابة دستة من النساء، بعضهن يرتدين الحجاب، والبعض الآخر يرتدين الجينز، مشغولات بطبخ وجبة مكونة من 3 أطباق، لكن جميعهن لسن عاملات، فهم لاجئات سوريات جئن إلى وطنهم الجديد كندا منذ 3 أشهر فحسب.
“أحب رائحة الطبخ”، هكذا تقول ماجدة مافالاني التي أضافت: “إنه شعور عظيم أن أطبخ مجدداً، أشعر بأنني وُلِدت من جديد”.
فمنذ أن أُبعِدوا عن أوطانهم التي مزّقتها الحرب، أعاد إليهم ذلك الفعل البسيط والطبيعي للطبخ مظهراً من مظاهر المجتمع والهُوية، وغزواً غير متوقع لمجال ريادة الأعمال.
ذلك المطبخ الوافد حديثاً، كما يشتهر، قد بدأ بشكل غير رسمي في مارس/آذار 2016، عندما اكتشف مالك مطبخ دبيانور أن العديد من اللاجئين السوريين تم تسكينهم مؤقتاً في فنادق بمدينة تورونتو دون إمكانية استخدام للمطبخ كي يقوموا بالطهي لعائلاتهم.
يقول لين سيناتر: “منذ أن اعتدت فكرة أن يستخدم أشخاص آخرون مطبخي الخاص، جاءتني فكرة أُخرى: لماذا لا ندع هؤلاء الناس يأتون ويستخدمون المطبخ عندما لا نستخدمه نحن؟”.
وبعد أسابيع قليلة، وبمساعدة مجموعة متحمسة من المتطوعين، وقفت أول امرأة سورية حول طاولة مطبخ دابنير المعدنية، مُتسائلة عما سيحدث؟
“لقد قلنا: حسناً، سنطبخ اليوم”، بتلك الكلمات تتذكر كارا بينيامين بريس ما جرى، وأضافت: “نظروا حولهم وفي بادئ الأمر كان هُناك صمت، وفجأة، بدأوا في ًالحراك والثرثرة وتقطيع الأطعمة، وفي غضون ساعة ونصف، كان أكثر الطعام روعة قد أُعِد، وجلسنا جميعاً وبدأنا في التحدث إلى بعضنا بعضاً”.
بدأوا بالطهي كل يوم خميس، وفي البداية كان الطعام فقط كافياً لأنفسهم ولإحضاره معهم إلى الفنادق.
قالت إحدى النساء لبينيامين بريس عن كلمة باللغة العربية تعني “أن البركة بالطعام، وسيمتد هذا التجمّع سويا ويبارك المستقبل، لقد كانت تلك اللحظة التي عرفنا فيها أن شيئا هام بالفعل قد بدأ”.
عمل تجاري
وبمجرد أن استقرت النساء وعائلاتهم في منازل دائمة، واصلن الطهي وأصبح الأمر عملاً تجارياً.
فكل أسبوع يقومون بإعداد 48 وجبة يتم بيعهم من خلال الموقع الإلكتروني للمطعم، وفي العادة تُباع الوجبة المكونة من 3 أصناف التي تتكلف 20 دولاراً قبل موعد التسليم مساءً.
وفي غضون أشهر قليلة، صار المشروع الآن يحقق أرباحاً كافية لتغطية ثمن المكونات ومصاريف المطبخ وأجر حوالي 15 ساعة لكل امرأة.
الآن، نال المطبخ الوافد حديثاً ارتفاعاً بالطلبات، فقد طهوا مؤخراً 1200 وجبة خلال العطلة الأسبوعية بمهرجان ليموناتو، وتمت دعوتهم إلى دعوة إفطار كبار الشخصيات في كندا التي استضافتها مديرة ووسائل الإعلام كرستين ستيوارت، وزوجها الممثل زايب شيخ، وكان من بين الحضور عمدة مدينة تورانتو جون تروي.
ولكن الأمر ليس سهلاً في الحقيقة، يقول سيناتر: “إنه أصعب مما تخيلنا في أي وقت مضى”، حيث يتم تحريك المشروع من قِبل متطوعين بمجموعات غير ربحية، مثل مركز المجتمع العربي في تورنتو، وهم في حاجة للتنسيق والتنقل (فاللاجئون مُشتتون بجميع أنحاء منطقة تورنتو)، فضلاً عن الحاجة لرعاية الأطفال والترجمة.
وهناك أشخاص مثل رولا على عجيب، التي غادرت سوريا قبل عقدين من الزمن، وتطوعت في باديء الأمر للترجمة، ولكنها الآن تساعد في التفاوض بين النساء، اللاتي يأتين من محافظات متفرقة، فيما يتعلق بالأطعمة التي ستشملها قائمة الطعام كل أسبوع، ولا تتقاضى أموالاً مقابل الساعات التي لا تُحصى التي تقضيها بالمشروع.
25 ألف دولار
قررت المجموعة غير الربحية بالكامل دعم المشروع وجعله قائماً بذاته، فقد أطلقت حملة تمويل جماعي تستهدف توفير 25 ألف دولار.
ولن يذهب أي شيء من تلك الأموال إلى المطعم، فتلك العائدات ستُستخدم للدفع لبعض المتطوعين والمساعدة على تطوير قواعد ممارسة من شأنها “إلهام وتوجيه المطاعم الأخرى لفتح مطاعمها للإمكانات التي لا تُصدق للوافدين الجدد من الطهاة”.
بالمطبخ تجد رهف العقباني تحاول عجن السميد لفترة محددة من الوقت في وعاء ضخم، بينما تشرح أيضاً إعداد الطبق الشعبي السوري، حلاوة الجبن، لمنتح فيديو يحمل ميكروفون إلى جوارها، فيما تنافس الموسيقى السورية بالسمّاعات المُكبرة ضجيج الأواني والمقالي.
“إن الطعام هام جداً لإظهار التاريخ، الثقافة، والأعراف التقليدية”، هكذا تشرح رهف التي تابعت قائلة: “في بلدنا لدى كل مدينة وصفة مختلفة، لذا فمن الجيد جداً أن نعرف بعضنا البعض ونشارك الخبرات”.
رهف التي تتحدث الإنكليزية بطلاقة، تعد واحدة من أصغر العضوات بالمطبخ الجديد، فهي وزوجها الذي لديه خلفية بالعمل الاجتماعي، أصبحا ملاصقين للاجئين الذين يقيمون بفندق منذ 3 أشهر.
والآن يستقر الجميع في منازلهم، وتقول رهف إن المشروع سمح لهم أن يجتمعوا سوياً على أساس منظم.
وأضافت في حديثها لـ”هافينغتون بوست”، قائلة: “إنه مكان لهم كي يطبخوا، ويمرحوا ويلتقوا بأشخاص ما يساعدهم على تسهيل الحصول على وظيفة جديدة”.
وقبل بضعة أسابيع، عرضت سيدة للمجموعة كيف بإمكانهم إعداد طبقاً تقليدياً أعدّته جدتها، لم تكن إحدى الطاهيات قد سمعت به من قبل، على الرغم من أنه كان يفصلهما 2 كيلو متر”.
يقول سيناتر: “لقد قالت لي: أنا أحب أن آتي إلى هنا لأني أتعلم وصفات جديدة وأتعلم المزيد عن السوريين، أما أنا فأقول أنني أرغب في أن تكونوا هُنا لأني أتعلم بذلك المزيد عن أن تكون كندياً”.
هافغنتون بوست