إثيوبيا: هدوء ما قبل العاصفة؟
هدوء نسبي تعيشه إثيوبيا بعد موجة الاحتجاجات والأحداث التي وقعت فيها الشهر الماضي وأدت إلى مقتل المئات وتشريد الآلاف، ولجوء حوالي عشرة آلاف شخص إلى السودان، وفق إحصائيات غير رسمية. وذكرت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن دولاً غربية نصحت إثيوبيا باتخاذ إجراءات جدية في ما يتصل بقضايا الديمقراطية والنظر في مطالب المحتجين، فضلاً عن إدارة حوار مع المعارضة الإثيوبية، وصولاً إلى تسوية سلمية تجنب البلاد الانزلاق نحو الفوضى. ويرتبط استعجال الأطراف الدولية لاحتواء الأزمة في إثيوبيا بوجود مخاوف من انعكاساتها على المنطقة ككل، لا سيما أن أديس أبابا تجاور عدداً من الدول الهشة التي يمكن أن ينتقل إليها الصراع خاصة إرتريا.
دول غربية نصحت إثيوبيا بإدارة حوار مع المعارضة
وأكدت المصادر أن بعض الدول المؤثرة في العالم هددت بقطع علاقاتها بإثيوبيا، وبنقل الثقل الإقليمي الذي تجسده إثيوبيا حالياً إلى دولة أفريقية أخرى، لا سيما أن عدة دول في المنطقة تطمح إلى لعب الدور الإثيوبي، مثل كينيا وأوغندا والسودان، فضلاً عن دولة جنوب أفريقيا.
وإبان الأحداث، تناقلت تقارير إعلامية تحذيراً لوزير الخارجية البريطاني (السابق)، فليب هاموند، أبلغ فيه نظيرته الإثيوبية، تادرس هانوم، استعداد لندن لقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إذا لم تتخذ أديس أبابا خطوات حقيقية لتلبية مطالب الشعب الإثيوبي، فضلاً عن إطلاق سراح إثيوبيين يحملون جنسيات أجنبية، احتجزوا بحجة انضمامهم للمعارضة. وبدأت الأحداث تتصاعد في إثيوبيا منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. وزادت وتيرتها في أغسطس/ آب الماضي، إذ انتقلت التظاهرات، وللمرة الأولى، إلى العاصمة أديس أبابا، قبل أن تواجهها الحكومة عبر استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين. وقررت حظر التظاهر باعتباره “يمس الأمن القومي”، فضلاً عن قطع الاتصالات والحد من الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي.
وتطورت التظاهرات الإثيوبية من احتجاجات على عمليات التنمية والإصلاح الزراعي، في بادئ الأمر، والتي وقفت خلفها إثنيتا الأمهرا وأروما، إلى المطالبة بإصلاحات هيكلية في بنية الحكم، والعدالة في تقسيم الثروة والسلطة. وهو ما أدخل الحكومة في مأزق من شأنه أن يهدد وحدتها.
وتسيطر قبيلة التقراي، التي خاضت حرباً ضروساً ضد الحكم الشيوعي برئاسة منغستو هايله مريم (حكم بين 1987 و1991)، والتي وصلت إلى السلطة في أواخر القرن الماضي، على معظم المواقع الحكومية الرئيسية فضلاً عن الأمن، على الرغم من أنها تمثل إثنية صغيرة، تشكل 10 بالمائة من سكان إثيوبيا. في المقابل تمثل قبيلتا الأمهرا وأروما نحو 80 بالمائة من السكان. لكن نجاح التقراي في التخلص من نظام منغستو، بمساعدة النظام الحالي في الخرطوم، أتاح لها قيادة البلاد، وإبرامها لتحالفات مع الإثنيات الأخرى، وتبني برنامج التنوع والفيدرالية الإثنية للخلاص من النظام الاشتراكي الذي كان قائماً في حينها. وساعد ذلك قبيلة التقراي على استقطاب قبيلتي الأمهرا وأروما في ذلك الوقت.
يرجح مراقبون أن تنفجر الأوضاع في إثيوبيا بأي لحظة
ورأى الخبير في الشأن الإثيوبي، أحمد همت، أن الأزمة في أديس أبابا مرتبطة بالتنمية باعتبار أن جميع الدراسات أثبتت أن التنمية تزيد من تطلعات الناس في إدارة أنفسهم، فضلاً عن المطالبة بالحرية والديمقراطية. وأوضح أنه “عندما يزيد دخل الفرد تزداد تطلعاته”، مضيفاً أن “آثار التنمية والتطور الآن واضحة في إثيوبيا، وهو ما زاد من تطلعات الإنسان الإثيوبي وزاد الوعي لديه، وبدأ الإثيوبيون يشعرون أن نظام الحكم لا يمثلهم”. وتابع أن أمام الحكومة الإثيوبية خياران في مواجهة الأحداث، التي اعتبر أنها حالياً في حالة الهدوء الذي يسبق العاصفة: إما أن تنتهج العنف وتستخدم القوة لإسكات الأصوات المعارضة وهو أمر سيدخلها في مأزق ويهدد وحدة البلاد، أو تختار احتواء الأزمة عبر حل سياسي، ومخاطبة تطلعات الشعب في الحرية والديمقراطية.
وقال همت إن الوضع في إثيوبيا اختلف تماماً عما كان عليه قبل 20 عاماً. فقد تغيّر النسيج الاجتماعي فيها بالنظر للتغيير الديني والديمغرافي. وأشار إلى أن “الإحصائيات الأخيرة أكدت أن نسبة المسلمين في إثيوبيا تبلغ 45 بالمائة، بينما كانوا يمثلون فقط 15 بالمائة، والأغلبية كانت من المسيحيين”. وأضاف أنه “ظهرت لأول مرة أصوات تنادي بأسلمة الدولة الإثيوبية، وهو ما يشير إلى وجود أياد لدول ذات خلفيات إسلامية تبحث عن التغيير في أديس أبابا لضمان مصالحها”.
ويتخوف مراقبون من أن تنفجر الأوضاع في إثيوبيا، بأي لحظة، على الرغم من الإجراءات الأخيرة التي قامت بها الحكومة، والتي تتمثل بإطلاق سراح عدد من المعتقلين على خلفية الأحداث، ومحاولتها حل الأزمة سياسياً. ويرون أن الأحداث ستؤثر على مستقبل البلاد، في المدى القريب والبعيد، فضلاً عن التركيبة السياسية الإثيوبية، لا سيما إذا أحجمت الحكومة عن إحداث إصلاحات حقيقية لإتاحة المجال للإثنيات الكبيرة بالمشاركة في السلطة وفق أحجامها.
وكانت أديس أبابا منعت فريقاً من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من تقييم الوضع على الأرض أثناء الأحداث. ومع انطلاقة هذه الأحداث، نشرت تسريبات حكومية تتهم دولة مصر بالضلوع في تغذية ما يجري واستغلال الموقف، في محاولة لشغل أديس أبابا بقضاياها الداخلية وعرقلة عملية بناء سد النهضة الإثيوبي المثير للجدل. وهناك أيضاً اتهامات موجهة للجارة إرتريا التي لديها علاقات متوترة مع أديس أبابا، إضافة لاتهام دول إسلامية ترى إثيوبيا أنها تسعى لتكريس نظام إسلامي في هذا البلد.
العربي الجديد