عالمية

«واشنطن بوست»: الرهان الغربي على حاكم مصر رهان خاسر

«منذ أن قاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي انقلابًا عسكريًا ضد الحكومة الإسلامية المُنتخبة ديمقراطيا قبل ثلاث سنوات، كان المدافعون له في الغرب، وأبرزهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، يأملون في أنه سيبدأ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية لإنعاش الاقتصاد المصري. وقال أصحاب هذا التوجُّه إن تعزيز سياسات السوق الحرة، وتدفقات جديدة من الاستثمارات الأجنبية، والرخاء المتزايد، في نهاية المطاف، هي أمور من شأنها أن تساعد على استقرار مصر بعد سنوات من الاضطراب. وفي هذه الأثناء، يمكن التغاضي عن القمع الوحشي الذي يتبنَّاه السيسي ضد المعارضة الداخلية».

هكذا بدأت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية افتتاحيتها، يوم الجمعة 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، والتي تناولت فيها رهانًا وضعه سياسيون غربيون على الرئيس المصري، وكيف، على حد تعبير الصحيفة، كان هذا الرهان خاسرًا:

لمدة ثلاث سنوات، تجاهل الجنرال السابق توسلات كيري والناصحين الغربيين الآخرين؛ فأهدر السيسي عشرات المليارات من الدولارات التي قدَّمها المملكة العربية السعودية وحلفاؤه الخليجيون الآخرون على «مشروعات قومية» ضخمة تتسم بالتبذير، مثل قناة السويس الجديدة، وتثبيت سعر صرف العملة المصرية. وفي غضون ذلك، أجرى أكثر الحملات جذريةً وعنفًا ضد المعارضة في تاريخ مصر الحديث؛ فلم يقتصر سجناء عهده على الإسلاميين، بل طال السجن الليبراليين العلمانيين، والصحافيين، ونشطاء المجتمع المدني، بما في ذلك الأمريكية آية حجازي.

الآن تبنَّى السيسي أخيرًا الإصلاحات الليبرالية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي. ولم يكُن أمام في ذلك خيار؛ فقد قطعت السعودية عنه تمويلها السخي، وانتشر وباء نقص العملة الأجنبية في كافة قطاعات الاقتصاد، وبدأت مواد غذائية أساسية مثل السكر وزيت الطهي تختفي من المحال التجارية. هذا الشهر أعلنت الحكومة المصرية أخيرًا تعويم الجنيه، مما عجَّل بانخفاض قيمة العملة بأكثر من 50%، كما قررت الحكومة خفض دعم البنزين. واستجاب صندوق النقد الدولي لهذه الإجراءات بالموافقة على برنامج قرض بقيمة 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات.

وكان رد كيري بالثناء سريعًا، فقال في بيان: «القادة المصريون يتخذون القرارات الصعبة اللازمة لنقل بلادهم نحو الازدهار». يبدو أن وزارة الخارجية الأمريكية تراهن على أن السيسي سيكون واحدًا من هؤلاء القادة النادرين، مثل أوجستو بينوشيه في تشيلي، الذين تمكنوا من تحرير اقتصادات بلدانهم وتحديثها، حتى وهم منخرطون في قمع دموي (للمعارضة).

لكن هذا الرهان يبدو بعيد المنال، نظراً للجهل الاقتصادي الذي يتسم به السيسي، والفساد المتأصل في نظامه وفي الجيش، وتاريخ مصر في الانتفاضات الشعبية ضد تدابير التقشُّف. نجت الحكومة في اختبار يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما فشل المواطنون في الخروج إلى الشوارع للاحتجاج بأعداد كبيرة في تظاهرات دعت إليها جماعة الإخوان المسلمين. ولكن مرور اليوم لم يدفع النظام إلى الاسترخاء؛ فبدلًا من ذلك، بدأ بدفع قانون جديد إلى البرلمان من شأنه أن يُدمر ما تبقَّى من مجموعات المجتمع المدني المستقلة، مثل برنامج أطفال الشوارع في القاهرة الذي كانت تديره آية حجازي. وبحسب مشروع القانون، يمكن حظر أيَّة جماعة على أساس أن نشاطها «يتعارض مع الأمن القومي والنظام العام». ويُعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات أي شخص يتعاون مع منظمة أجنبية أو يُجري استطلاعات رأي دون موافقة مسبقة.

ربَّما يُنقذ السيسي من اندلاع اضطرابات يتوقَّعها البعض أمران: القمع الشديد، واستنفاد طاقة الكثير من المصريين بعد نحو ست سنوات من الاضطرابات السياسية. على المستوى الدبلوماسي، من المُرجَّح أن يحصل السيسي على دعم من إدارة ترامب بصورة أقوى مما يحصل عليه من كيري. ولكن من غير المحتمل أن ينجح حاكم مصر في تحقيق الاستقرار للاقتصاد المصري بينما يخنق المجتمع المدني. وليس من المُرجَّح أن يؤتي رهان صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة عليه ثماره.

ساسة بوست