رأي ومقالات

بعض الرحيق


عبر تلك المقاعد المتناثرة في مقهى احدى المولات بدبي ..تلاقت نظراتي مع حسناء افريقية ..خلاسية اللون ..ترتدي الزي الافريقي المميز ..وتلف رأسها بقطعة من ذات قماش الفستان ذو الألوان الزاهية ..كانت تجلس وحدها ..تحتسي فنجانا من القهوة ..وتطالع شيئا ما على (الاي باد) …تحولت نظراتها فجأة ناحية طفلة شقراء ..تتجه نحوها بخطوات متعثرة ..يبدو انها في بداية تعلم المشي ..كانت الطفلة تضحك بسعادة ..وصديقتنا تتابعها بابتسامة ملأت وجهها الوسيم ..تشجعها بلغة اعتقد انها الفرنسية ..والطفلة تبادلها الابتسام ..صفقت صدقيتنا بيديها للطفلة عندما اقتربت منها ..الصوت لفت انتباه والدتها التي صرخت بهلع ..وجرت ناحية ابنتها ..حملتها بسرعة ..وقلت شيئا لم أفهمه للسيدة الافريقية ..التي بان عليها الاندهاش لحظة …ومن ثم هزت رأسها بأسف وعادت الى ما كانت تفعله قبل دقائق.

اعتقدت في البداية ان هلع الام كان نتيجة ابتعاد ابنتها عنها ..لولا ان أذني لقطت كلمة (زنجي) بالانجليزية ..يبدو ان الام قد أثار استياءها ان ابنتها ..اختارت دون كل المتواجدين ..ان تهدي ابتسامتها لتلك الأفريقية …تساءلت في نفسي ..ترى متى يتشبع المرء بالعنصرية.. ان كان الانسان يولد على الفطرة ؟؟..تلك الطفلة جذبها ذلك الحب الذي كان يشع من عيون تلك السمراء …ترى كم من الزمن يستمر داخلنا هذا الرادار الفطري ..الذي يلتقط المشاعرالانسانية ..بغض النظر عن تلك التصانيف التي نطلقها على البشر ..(زنجي ..حلبي ..ود بلد ..فيهو عرق )..ترى اين هي تلك النقطة الفاصلة في حياتنا ومتى تتسرب هذه الافكار التي نعلن ظاهريا اننا ضدها ..ولكننا نمارسها كل يوم تجاه كل مختلف عنا في اللون اوالعرق او المعتقد.

في المانيا ..كنت عائدة مساء من المعهد..كان القطار مكتظا على غير العادة ..اضطررت الى الوقوف على قدمي ..كنت مرهقة من طول الوقفة في المعمل ..منيت نفسي بساعة راحة اقضيها في القطار قبل الوصول الى ماربورغ ..لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..اثناء الرحلة خلي مقعد ..سارعت بالجلوس عليه ..اذا بالمرأة التي تجلس بجانبي ..تنهض فجأة متمتمة بشئ ما ..ظننت انها تريد النزول في المحطة القادمة ..لكنني تبينت كلماتها بعد ذلك ..كانت مستاءة من هذا الزمن الذي جعل الزنوج يجلسون جنبا الى جنب معهم..استمرت واقفة طوال الرحلة ..وظل الكرسي بجانبي خاليا حتى وصلت الى وجهتي ..لم اكترث لردة فعلها ..لكن الشهادة لله ..تركت تلك الحادثة أثرا في نفسي لن يمحى بسهولة …وأحسست فعلا بذلك الشعور الذي ينتاب كل من يتم الاستعلاء عليه للونه او معتقده او لغته.

اللطيف في الأمر أن تلك الطفلة التي تم حملها قسرا …و رفعتها امها على كتفها غاضبة ..لوحت الطفلة بيدها الصغيرة مبتسمة ..لصديقتها الخلاسية ..وبادلتها تلك التحية ..مما بعث الأمل في قلبي ..بأن التغيير قادم ..وأنه سيأتي يوم تختفي فيه هذه الأفكار البغيضة ..وننظر الى الانسان دون اعتبار لأي شئ غير انسانيته ..وليس ذلك على الله ببعيد …وووو (ما بعيد ..الدنيا تبسم لينا من اول جديد )

د. ناهد قرناص


تعليق واحد