تتربص بالأطفال ولا ينجو منها الكبار أمراض الشتاء.. الزمهرير يعبث بصحة اليافعين
“بالله زمان ما بتجينا الحبة في الشتاء”.. هكذا ابتدرت محاسن وهي أم لخمسة أبناء تقطن أم درمان حديثها عن أمراض الشتاء، وأبدت تعجبها من ضعف مناعة الأطفال وتعرضهم سريعاً للالتهابات في الفصل الذي تنخفض فيه درجات الحرارة بالسودان. وتقول ضاحكة “ده الجوع بس.. زمان كنا شبعانين”، وتشكو محاسن من ارتفاع قيمة الأدوية خاصة المضادات الحيوية.
تقلبات
ولأن تقلُّبات الأجواء تفرض سطوتها في الزمان والمكان، فإن فصل الشتاء مع قدومه يُعدُّ مشكلة كبيرة للأسر، مما يجعلها تفكر في التحوّط لكي لا يصاب أبناؤها بالأمراض التي ستؤثر على صحتهم، مما يؤدي إلى تغيير جو الأسرة بالكامل، بدءاً من غيابهم عن حجرة الدراسة، وبالتالي ينعكس على الأبوين، وقد كابدوا تفاصيل اليوم في مجاهدة المرض مع أبنائهم مما يضطرهم إلى التقاعس عن العمل بسبب الإجازات المختلفة لأجل ظروف أبنائهم الصحية.
مواجهة مُلزمة
ليس هناك مفر من مواجهة فصل الشتاء بكل تقلباته، ونسماته الباردة اللافحة بزمهريرها عند حلوله في فترته الزمنية المعروفة من كل عام، ولكن تحسُّب الأسر جراء هذا الفصل تتفاوت من أسرة لأخرى وهم يحاولون عدم إصابة أبنائهم، الأمر الذي يكلفهم الكثير من الوقت والصحة والمال.
(وفاء محمد صالح) موظفة أشارت في حديثها لـ(الصيحة) إلى أنه يجب عليها أن تكون في موقع عملها في تمام الثامنة صباحاً من كل يوم، وأكدت أنها أم لثلاثة أطفال، فهي تقوم باكراً لتجهيزهم منذ الساسة صباحاً، مبينة أنها تحرص على أن تُلبسهم الملابس الدافئة خشية أن يُصابوا بنزلات البرد أو الالتهابات الحادة، لكي تضمن الحفاظ على أجسامهم دافئة، ومضت في قولها، إنه وبالرغم من هذا التحوّط الكبير، إلا أنهم كثيراً ما يُصابون بالأنفلونزا بكل سهولة، وأضافت أنه ولكل أم طريقة تختلف عن الأم الأخرى في الحفاظ على أبنائها لبقائهم معافين من الأمراض الشتوية، نظراً للمكان والبيئة التي فيها حسب اختلاف المناطق نفسها، فالتعامل مع الأجواء الباردة هو الذي يؤدي إلى انتشار الأمراض، وتؤكد (وفاء) أن هناك إجماعاً عاماً من الأمهات على الخوف الدائم من هذا الفصل الحاد، والحرص على التعامل فيه لأن الأمراض فيه ليست بالسهولة المتوقعة أو الممكنة، وأشارت أن أحد أبنائها وبسبب تعرضه لتيار هوائي بارد من العام الماضي، حدثت له مشكلة صحية مازالت مصاحبة له بالجهاز التنفسي، وهي حساسية بالصدر خاصة أن عمره صغير فهو يبلغ الآن العامين فقط، وأضافت أن هذه المشكلة الصحية بحسب عمره تعذر استخدامه لبعض العلاجات التي لم تكن مسموحة ووضعه العمري والكثير من الآثار المرضية التي ظهرت عليه، فلا يمكن الاستهانة بالظروف الجوية، لأن الشتاء بارد وجاف، فهو من المواسم التي لا تطمئن بأية حال من الأحوال.
معاناة
أما (انتصار علي)، وهي ربة منزل وخريجة كلية القانون جامعة النيلين، وأم لأربعة أطفال أكبرهم في الصف السادس أساس، أعربت في حديثها لـ(الصيحة) عن أن الانتقال إلى فصل الشتاء، يُعدُّ من أسوأ الفصول التي تعيشها كأم ولي أطفال في سن مدارس الأساس، ولا يفهم الأطفال أن زيادة البرد المفاجئة تضر بصحتهم، خاصة وأن بعضهم يرفض ارتداء الملابس المخصصة للشتاء ،مما يزيد تخوف الأمهات عليهم، ولا يعرفون أنه يجب عليهم أن يغيروا من الملابس الخفيفة التي يحبون ارتداءها في هذا الفصل القاسي، خاصة وأنه لا يمكننا أن نُراهن على الظروف الجوية لاسيما أن الشتاء تتخلله التيارات الهوائية التي لا ترحم أجساد أطفالنا الغضّة، إضافة إلى ارتفاع معدل برودة الأجواء ليلاً، فهي غير مستقرة على أية حال ، فنتعمد أن تكون ملابس أطفالنا ليست بالخفيفة خوفاً من أصابتهم بالأمراض الشتوية المختلفة.
رهق مُضاعَف
وتضيف (إنتصار): الأمراض التي تصيب الأطفال غالباً هي الرشح والأنفلونزا، وهذه الأمراض تأخذ وقتاً طويلاً قبل أن تمضي، وبالتالي هي لا تعوق صحة الطفل فقط، بل أن ظروف الطفل جميعها تتعرقل، من ذهابه إلى المدرسة، وتعطيل الأم عن واجباتها المنزلية، وكذلك الأب يصيبه القلق الشديد جراء الأوضاع التي تطرأ علي المنزل بأكمله، وأضافت أن المشكلة الحقيقية هي أن الأطفال لا يميزون بين الأمور التي تضرهم والتي تفيدهم، وهم يعتقدون أن كل ما يفكرون به ويريدونه هو صحيح، ولا يعرفون أن الأم والأب لهما خبرات بالحياة ولديهما قدرة واسعة في التفكير.
للمرض دواعٍ
ما ذهب إليه (محمد الأمين) وهو أب لثلاثة أطفال في إشارته عبر حديثه لـ(الصيحة)، أن كل المتغيرات المحيطة بالطفل قد تغيرت، ففي القديم كان الطفل يمضي يومه لاعباً في محيط المنزل، أما اليوم فالطفل معظم الأوقات محاط بأجواء أشبه بالمغلقة، خاصة وأن الميديا أصبحت تحبسهم بالمنازل بعد عوتهم من المدارس ومراجعة دروسهم اليومية، ففي حال تعرُّضهم لأي تيار هوائي بارد، يُصابون في الحال، في حين أن أمراض الشتاء قديماً كانت قليلة، وفترة علاجها في حال الإصابة قصيرة ولا تحتاج إلى رعاية كبيرة، فاليوم الأطفال يلبسون الملابس الثقيلة والكثيرة، ويتناولون الوصفات القديمة أو البلدية، فضلاً عن المضادات الحيوية ومع ذلك المرض يستشري، وأضاف (محمد) أن هناك بعض الأسباب المحيطة مثل الازدحام في الشوارع للسيارات، ودخان المصانع، جعلت الهواء ملوثاً، ومن تجربتي مع أطفالي وأمراضهم الكثيرة في الشتاء وقلة مناعتهم وجدت أن أفضل حل هو أن نُكثر استخدام الأشياء الطبيعية، وإن كانت المضادات تمثّل العلاج الأسرع.
خطورة المضادات على الأطفال
الدكتور (أشرف عبد الله ) استشاري الأطفال، أكد أن أكثر الأخطاء التي تواجههم إصرار أهل الأطفال الحصول على مضادات حيوية لأطفالهم في حالة الإصابة بالأمراض العادية مثل الحرارة المرتفعة أو الأنفلونزا أو غيرها من أمراض الشتاء، مشيراً إلى أنهم كأطباء يدعون ذوي الأطفال دوماً إلى توخّي الحذر عند استخدام المضادات الحيوية وغيرها من الأدوية المضادة للميكروبات، وذلك للحيلولة دون تكوّن المناعة لدى الميكروبات وتزايد مقاومتها لهذه الأدوية، باعتبار أن هذه المشكلة باتت تشكل تهديدًا خطيرًا على الصحة العامة في مختلف أنحاء العالم، وأشار (أشرف) إلى أن الاستخدام الخاطئ للأدوية المضادة للميكروبات يؤدي إلى ظهور ميكروبات مقاومة لهذه الأدوية، موضحاً أنه عند تعرض الميكروبات لجزيئات المركّبات الدوائية تقوم بتكوين خصائص مقاومة لهذه المركّبات الدوائية، وبالتالي تستطيع الميكروبات أن تصمد أمام هجوم الأدوية المضادة لها ومن ثم تفقد العلاجات المعيارية فعاليتها، وتصمد العدوى مما يزيد مخاطر انتقالها إلى أشخاص آخرين مسببة لهم الأمراض الخطيرة وربما تؤدي إلى وفاتهم، وشدّد على أهمية استخدام وسائل الحماية الصحية للأطفال والكبار سواء في البيت أو في أماكن العمل لحماية الجميع من أمراض الشتاء وعلى رأسها الأنفلونزا الموسمية لتجنب العدوى منها اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، والمحافظة على النشاط البدني الذي من شأنه أن يقوّي نظام المناعة لدى الإنسان ويجعله قادرًا على مقاومة العدوى، وكذلك فإن اتباع الطرق السليمة في النظافة الشخصية ونظافة الأطعمة يقي من العدوى بالكثير من الأمراض التي تنتقل بالاتصال المباشر بالمرضى، أو عن طريق الهواء، أو عن طريق الأطعمة الملوّثة، منوّها إلى أن بعض الممارسات الجيّدة مثل الغسل المتكرر لليدين واتباع الطرق السليمة في مناولة الأطعمة، وتجنُّب الاتصال المباشر بالأشخاص المصابين بأمراض معدية، وتعقيم السطوح المتسخة أو التي تكثر ملامستها من قبل الغير، تعمل على الوقاية من الكثير من الأمراض، وبالتالي تجنّب استخدام المضادات الحيوية المستخدمة في علاج هذه الأمراض، مشيراً إلى أهمية أخذ التطعيمات الضرورية لذلك والتي تحد من الإصابة بها وتزيد من مقاومة الجسم لها.
وعن الفئات الأكثر عرضة لخطورة مضاعفات الإنفلونزا قال الدكتور (أشرف) إنه على الرغم من أن الأنفلونزا يمكن أن تصيب جميع الأشخاص، إلا أن النساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون بعض الأمراض المزمنة هم الأكثر خطورة للمضاعفات والوفيات المرتبطة بها، وتشمل هذه الأمراض أمراض الرئة المزمنة كالربو وأمراض القلب والسكري، والمرضى الذين يعانون ضعف المناعة الوراثية والمكتسبة، وأمراض الجهاز العصبي، والمقيمين في بيوت التمريض ومرافق الرعاية طويلة الأجل.
أمراض مشتركة
ولأن الشتاء يأتي حاملاً معه العديد من المشكلات الجلدية أيضاً، تحدث لـ(الصيحة) الدكتور (ضياء الدين النور) الطبيب المقيم بلندن، مشيراً إلى أن من أمراض الشتاء ما هو بأعراض تبدو خطيرة، فيجب معها استشارة طبيب جلدية والمتابعة معه، وأمراض يمكن تفاديها بطرق بسيطة، وأوضح ،(ضياءالدين) أن هذه الأمراض وأسبابها وطرق الوقاية منها الإكزيما أو الحساسية كما يطلق عليها البعض، وهي عبارة عن التهاب في الجلد له مسببات وأنواع كثيرة مثل أكزيما ما يعرف بـ(ست البيت) والتي تأتي نتيجة كثرة استعمال الماء والصابون والكلور والمنظفات عموماً فتزيد من قابلية الجلد للالتهاب، ويزيد الشتاء من ظهور أعراضها نسبة لجفاف الفصل، وهناك أكزيما الأطفال فتجد أن الطفل مولود بخدود حمراء ويدل هذا على أن جلده عنده استعداد وقابلية للحساسية والتي تزيد في فترة الشتاء نتيجة لجفاف الجلد، وهناك أيضاً نوع من الأكزيما نجد فيه أن البشرة تخرج مياهاً، وأوضح أن الأكزيما لها أطوار حادة وتحت الحادة يخرج الجلد المياه، وفي المزمنة نجد أن الجلد يتصف بالخشونة مثل خشونة كعب الرجل التي تأتي من كثرة استعمال المياه وعدم التجفيف، ليتم الشتاء بنسماته الباردة جداً ما تبقّى.
أمراض مناعية
وواصل دكتور ضياء الدين حديثه لـ(الصيحة) منوهًا الى أن الصدفية أيضاً من الأمراض التي تشتد في فصل الشتاء، وأشار إلى أنها مرض مناعي وراثي يصيب حوالي 2% من سكان العالم، وأضاف أنها
مرض مزمن يحتاج إلى فترات علاج طويلة، ويصيب المريض بحالة نفسية سيئة لأنه يكون واضحاً على بعض أجزاء الجسم الظاهرة، منوهاً إلى أعراضه وهي قشور بيضاء قد تصيب أماكن عديدة مثل الرأس واليدين والرجلين والأماكن التي يكون عليها ضغط كالركب، والكيعان ولا يمكن تجنب هذا المرض، ولكن يمكن للمريض أن يتجنب الأشياء التي تزيد من حدته، وذلك بتشخيصه مبكراً، وأبان أن الأبحاث قد أكدت في السنوات الأخيرة أن هذا المرض يصاحبه التهاب في المفاصل ويكون مريضه أكثر عرضة للأزمات القلبية والسمنة والضغط العالي، وأشار إلى مرض جلدي آخر يسمى بـ(قرصة البرد)، وهي أن تجد الأصابع لونها أصبح أزرق ومتورمة، ويذهب بعض المصابين بهذا المرض إلى أطباء أوعية دموية، ولكنه مرض يختص بشكل أكبر بأخصاصي الجلدية، وأضاف أن هذا المرض يزيد عند مرضى السكري، لأن الدورة الدموية عندهم تكون ضعيفة في الأطراف، ولكنه يصيب أيضاً الأشخاص الأصحاء، ويمكن أن تجنب هذا المرض ومعالجته، بأن نحرص على أن تكون الأطراف دافئة، ولكن ليس عن طريق جوارب الصوف، لأنها تزيد من الحكة فتصح الحالة أصعب، ولكن يتم ذلك عن طريق الجلوس في مكان دافئ وتناول أدوية تُحسّن الدورة الدموية في الأطراف لضمان عدم الإصابة به.
الصيحة