رأي ومقالات

فحص التاريخ ونفخ البالون

(1) لا ريب عندي في أن الأحباب الذين تورطوا في الحملة الاسفيرية العاتية التي سعت بيدها وظلفها للاستثمار في الحديث المنسوب لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بشأن انفصال جنوب السودان قد ألحقوا بعصب قضيتهم، وهو اضعاف النظام واسقاطه، أفدح الأضرار!
ألا ما أعجب هؤلاء! كيف لم تعلمهم ابتلاءات الزمان أن الخفة المفرطة في التقاط أي بالون تأتي به الريح، كيفما اتفق، والنفخ العشوائي فيه بأمل إحراز اهداف سياسية، عواقبه وخيمة، في مقدمتها تبديد رأس المال السياسي وإهدار المصداقية!
الحقيقة المجردة تبقى وهي ان حديث لافروف لم يكن يصلح أصلا للاستثمار، بل ان مجرد التفكير في الترويج لاطروحة بيع الجنوب في اطار صفقة امريكية روسية سودانية، واتخاذها سلّما ومطية للتشهير السياسي، يؤشر الى حالة محزنة من العجز واليأس وقلة الحيلة. فضلا عن انه يكثف الضوء على واقع اكثر حزناً وهو فشل هؤلاء الاحباب المستطرد في التفرقة بين المعقول واللا معقول، والتمييز بين المقبول و اللا مقبول، فتستوي عندهم الحقيقة والخزعبلة!
(2)
لا أشير هنا الى التخليط الفضائحي الذي وقع فيه البعض من أسارى الذهنية الرغائبية حول لباب الرواية الروسية، والتي احتدم الجدل حول كلماتها ومعانيها، فانطبق عليها قول الفرنجة (Lost in translation). حيث ان متن ما قاله لافروف نفسه ضاع بين مجموعات المستثمرين. وما زال الخلاف محتدما بين المفسرين حول أصل الحديث في لغته الأم الروسية، والتباينات في ترجمته الانجليزية، ثم هردبيس التراجم المتضاربة الى اللغة العربية!
الاطروحة العبقرية لهؤلاء الثائرين المهتاجين عبّر عنها كاتب المعارضة الاسفيرية الأشهر مهدي زين، الذي سطع نجمه في العامين الاخيرين سطوعاً عزّ ان يكون له نظير حتى أنطفأت أمامه عدد من الشموس والأقمار المنيرة في سماء الكتابة المعارضة.
كتب صديقي، وجاري في ضاحية بيرنزفيل، الاستاذ مهدي زين، نضّد الله بيانه وزاده سحرا، بعد ان اطلع على واحدة من الصيغ المتعددة المتناثرة لحديث لافروف: (الآن يستطيع شعب السودان أن يجزم بأنَّ كل المواويل والتواشيح التي كانت تشنف آذاننا بأنَّ الجنوب قد اختار الإنفصال بنسبة تصويت عالية ، لم تكن سوى كذب محض، وأنَّه كانت هناك أيادي رسمية خفية، تعرف كيف تعبث بنتائج الإنتخابات والإستفتاءات، قد لعبت دوراً أساسياً في تزييف إرادة أبناء الجنوب، تنفيذاً للصفقة ..). جبتها كبيرة والله يا مهدي!
(3)
خطورة مثل هذه المستخلصات المتعجلة الجانحة وضررها على اصحابها أنها تطير في مواجهة حقائق موثقة ومواثيق محققة يعرفها الشارع السوداني ويألفها، فهي حياته المعاشة وتاريخه المرصود. في مقدمتها بالطبع ان استفتاء تقرير المصير الذي حسم أمر الانفصال تم باشراف ورعاية أممية.
ثم أن شعب السودان لم يخف عليه يوما ان شعارات الوحدة و(السودان الجديد) التي كان يرفعها جون قرنق لم تتجاوز كونها محض تخاليط وخرابيط.
اكبر الخزعبلات هي ان جون قرنق كان شخصية وحدوية كاريزمية. يا سلام! لماذا أذن كان هو دون غيره الأحرص على تأمين حق تقرير المصير لقومه، ألم يكن هو الذي ألزم قادة الأحزاب الشمالية بالتوقيع على ميثاق أسمرا للقضايا المصيرية؟! ثم كيف بالله عجز هذا (الوحدوي الكاريزمي) عن تكوين ولو مجموعة صغيرة واحدة من ابناء الجنوب مؤمنة بالوحدة ومستعدة للقتال دونها؟
(4)
يعلمنا التاريخ انه في اعقاب انشقاق الناصر عام 1991 فإن قرنق لم يقاوم ولم يرفض دعوة المنشقين لتقرير المصير. بل أنه على العكس من ذلك قام لفوره بفسخ عهده مع الوحدة وساند حق تقرير المصير، واعتمده ووثقه في المؤتمر الأول للحركة عام 1994. وظل الرجل يسوّق لنفسه في المخيال الغربي والافريقي على انه موسى الهارب بقومه من بطش فرعون، الذي هو الشمال العربي المسلم!
لم يأبه القائد (الكاريزمي الوحدوي) قط ببناء حركة سياسية من اي نوع، وانما كان همه الاول تحقيق الانتصارات العسكرية الميدانية، وتكريس قيادته وهزيمة خصومه التاريخيين في الجنوب. بل أن جلالات جنود الحركة الشعبية باللهجات القبلية المحلية، وقد قامت جهات عديدة باجراء دراسات حولها، كانت جميعها تنبع من تراث الأنيانيا الانفصالي. كان قرنق يستمع اليها ثم يلوح بيده ويهتف لجنوده: وييييييي!
وفي عهد حياته وقيادته، وحتى اليوم، كانت وما تزال الحركة الشعبية تفرض على المدارس في المناطق التي تسيطر عليها، بما فيها مناطق المسلمين في جبال النوبة والنيل الازرق، مناهج شرق افريقيا التعليمية التي لا تتضمن اللغة العربية وعلوم الدين الاسلامي.
(5)
هذا هو الجمل وذاك هو الجمّال. أخرجوا لنا يا هؤلاء عاقلا واحدا في هذا الوطن الغالي يمكن ان يجادل في أن انفصال الجنوب لم يكن ثمرة لعوامل تاريخية معلومة ومسلسل متطاول من الوقائع والاحداث حلقاته مبذولة امام كل السوادنة، ابتداءً من قانون المناطق المقفولة عام 1922 وانتهاءً بمعاهدة نيفاشا عام 2005!
يا قوم لا تنفخوا أي بالون تجدونه أمامكم. الرجاء فحص البالون قبل النفخ!

مصطفي عبدالعزيز البطل
السوداني

‫5 تعليقات

  1. سوادنة يا عميل يا رعديد يا جبان …أنت مستعد لبيع أفخاذ زوجتك من أجل كرسي السلطة وحفنة من الدولارات …

  2. والله الرجاااالة في السايبر دى ساهلة خلاص ???
    والعجب كمان الاساءات الفاحشة ..
    زى جنس زولكم دا ..
    لا تعرف شايت وين .. لا بيقول شنو لا بيناقش في منو !!
    كل الممكن تعرفوا ..
    انو ما مؤدب ..
    وبس

  3. والله بصراحة ماعندك سالفة على قول اخوانا السعوديين ( ماعندك موضوع )
    الجنوب انفصل وانتهى الموضوع !!!!
    اذا كان زيد او عبيد في انفصاله موضوع منتهي اكل عليه الدهر وشرب .

  4. والله يا وطن شامخ انت اسلوبك بذئ وغير مؤدب والاحترام بين الناس لابد منه هداك الله .