رأي ومقالات

إبراهيم الميرغني: “الصوفية ” سور الأمان الأخير

يقول العبيد ود ريه الما بعقد النية رافضا التورط فى كمين نصبه له أحد قادة التركية عند حصار الخرطوم ١٨٨٥ ( أنا ماني فار بدخل الجحار، وماني صبر بخش الققر .، وماني متل المشا يتفولح جاب ضقلا يتلولح ) ، فصارت مثلا تسير به الركبان الى يومنا هذا، يضرب عند تلافي التورط فى المآذق وتفادي المزالق ،! والشيخ العبيد ود بدر هو أحد أبرز شيوخ ( القوم ) ذاع صيته بين الخاصة والعامة لثاقب بصيرته وبساطة عبارته حتى يكاد لم يقل قولا إلا وأخذه الناس أمثولة ، وقد كرس الرجل حياته وجعل همه فى ثلاث هن تعليم القرآن وقرئ ( الضيفان ) ومولد ( عثمان ) بعد أن أدرك بحكمته الفطرية حوجة المجتمع المحلي الذي ينتمي إليه إلى ما يمكن أن نعرفه اليوم بـ( نقطة إرتكاز ) تكون بمثابة الملجأ للجسد بقدر ما هي مأوى للروح ، وما كانت ( أم ضبان ) إلا واحدة من تلك الملاجئ التى تنتشر على إمتداد جغرافيا وتاريخ السودان فلا يكاد سهل أو جبل أو وادي ليخلو من ( مسيد ) تتقد ناره لتعنى الأمان المادي والروحي ، وهكذا تشكل السودان وقامت القرى والمدن حول هذه النقاط المضيئة وغزل المجتمع نسيجه حولها و انسجم بل وقاوم عوامل المناخ القاسي في بيئة لا تقل قسوة عن شمسها المدارية الحارقة .

وما السودان إذا نظرته بعين البصيرة سوى جبة درويش مرقعة بكل لون بشري حتى لتكاد لا تعرف لونها الأساسي ، ولدرجة صعوبة إمساك لحظة تاريخية بعينها تستطيع أن تقطع بأنها البداية ولا موقع جغرافي محدد يمكن أن تدعي أنه المركز ، ولا عرق نقي واحد يمكنك أن تجزم بأنه الأصل ، وسيضيع جهدك إن حاولت أن تلبسه غير جبته المرقعة التي لا تنتمي سوى ( إليها ) ولا تدل إلا ( عليها) سواء أعجبتك أم لم تعجبك ، لا يهم .

بينما أكتب الآن و أنا فى قلب الخرطوم أتطلع عبر الشرفة شرقاً فلا تقع عيني إلا على قبة الشريف يوسف الهندي ومن ورائها أم ضبان ومن ورائها قباب العركيين فى أبو حراز ، لتقودك إلى ام جور وبنيات الصادقاب التى لن تقود إلا إلى مكان واحد عند مطلع الشموس فى كسلا معقل السيد الحسن الميرغنى ( ابو جلابيه ) .
إن يممت وجهي نحو ريح الشمال فحمد ود أم مريوم وخوجلي أبو الجاز والسيد علي الميرغني بينما تلوح فى الأفق قبة الكباشي ( التلب الماهو حاشي ) ومن ورائها ما ورائها من كل ذى قدر كريم و أما الغروب فتشرق فيه الشموس النيرات والجنوب يسفر عن الاقمار و البدور ، وبعد هذا قد يتساءل غريب من هم القوم ..!
فنقول هم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم كانوا وظلوا عبر القرون أمان للخائف ونجدة للملهوف ومعين على نوائب الدهر أن مات أب فراجل المسيد هو ( يابا ) أو غضت أم فـ( أم الفقراء ) موجودة أو تهدم دار فلهم على النفير همة ، أو عجز مطالب فالأخوان هنا ولو سال دم ونهض سلاح فللرجال كلمة مسموعة وحكمة تطفئ لهيب النفوس ، وهكذا تستمر الحياة وتزدهر ، فالكل هنا أخوة يأكلون من ( قدح واحد ) لا فرق بين إثنين إلا بقدر الوفاء والولاء والتفاني في خدمة الناس والتعلق بكلمة واحدة هى ( الله ) .

رغم قيام ثلاث ممالك مسيحية في بلاد السودان إلا اةأنك لا تكاد تجد لها أثرا اليوم وكأنها ما كانت ، وحتى الجيوب الموجودة الآن فما هي إلا نتيجة لحملات تبشير متاخرة لا صلة تاريخ تربطها بعلوة والمقرة وسوبا ، نعم لم تجد المسيحية فى أرض السودان مكانا ولا عند أهله مواءمة طبع وفطرة و لم تقبل سوى الإسلام الصوفي حتى أنك لا تكاد فى بعض المناطق لا تفرق بين الإسلام وقديم المعتقدات ، نعم لقد ستعصى السودان أمام إسلام سيف بن أبي السرح و أنفتح أمام اسلام تاج الدين البهاري و إدريس الأرباب وأحمد الطيب البشير ومحمد عثمان الميرغني .
ابن ابي السرح راهن على قوة السيف فتراجع أمام مهارة (رماة الحدق ) ، ونصال البجا والقوم راهنوا على قوة الإسلام الذاتية ومقدرته على تطويع الفطرة السليمة وكسر حاجز اللغه بالنوبة والطار والقدح والأهم بسطوة كلمة ( الله ) ونفاذها إلى مكمن الإيمان فى النفس وتليين قلوب البدو والمحاربين بسيرة الرسول الكريم والتي صاغوها فى أناشيد يسهل حفظها للأميين ، ونسج الفقه والتوحيد فى منظومات بسيطة يرددها الحاضر والبادي فيتعلم ، فبدأ المجتمع يترقي من القبلية إلى مستوى أخوة الطريق والإسلام والتي لم يكن بدونها محمد خير قد يفكر حتى مجرد التفكير فى زراعة دلتا القاش موطن أدروب المحارب ، وهكذا بدأ المجتمع يتكون بسلام عبر القرون ويتماسك إلى أن بدأت تهب علينا رياح الشؤم.

فى السودان لا مكان للفرق التي لم نسمع عنها إلا فى دروس السير كالخوارج والمعتزلة والروافض والنواصب وغيرها حتى لقد كنا نظنها أنقرضت فى جوف التاريخ ، نحب الرسول وآل بيته ونبكى مقتل الحسين وسبئ بنات الرسول فى كربلاء ، ولكننا نفدي الصديق والفاروق وذى النورين بمهجنا ، نحب علي كما لم نحب آبائنا وعند ذكر معاويه نقول رضي الله عنه ، السوداني تجده فى الخلوة طفلا وفي ( الكمبو) صبيا وعلى (تبروقته ) شيخا يكثر الاستغفار ، و يظل المكان دوما يسع ( المسيد والمدرسة والطاحونة ) ، لاجهد منظمات التبشير ومدارسها ومشافيها ودولاراتها فعل أكثر من صناعة نخبة تمارس سرا معتقداتها القديمة ، ولا نفط الصحراء استطاع اكثر من جلابية تنتهي عند منتصف الساق ، أو لحية مرسلة لا تعني على الإطلاق أن صاحبها أكثر إسلاماً من ( حاج احمد ) .
لم ولن يكون علمانيو السودان جادين أو صادقين فى علمانيتهم بقدر ما هي محاولة للتبرير ، وبنفس القدر خاب التطرف في تشويه إسلام السوداني الذي يشكل شخصيته ومزاجه والذي أدرك بفطرته زيف أن يتذرع أهل الارض بقدسية السماء .
على الدولة ايا كان توجهها و نهجها أن تكف عن إسلام الناس – لا سلبا ولا إيجابا لأن أي تدخل حدث او سيحدث لإسناد أو تقويض نموذج بعينه خلف وسيخلف خللا وثقوبا مدمرة ، قد تتسع لتصبح فجوة بين الماضي والحاضر والمستقبل فينقطع تدفق التاريخ على الجغرافيا ويتوقف المد والمدد ،
فقط اتركوا الإسلام لقوته الذاتية التي استطاعت أن تتغلب بالحجة و العون الرباني الذي إن لم يكن للفتى منه نصيب ( فأول ما يجنى عليه اجتهاده) .
نحن نراهن وبشدة على القوة الذاتية للإسلام ( المدد ) والتي أفلحت فيما عجزت عنه الجيوش والدنانير والعروش ، نحن نراهن على أهل النوبه والتقابة والقلية ، على أهل الفلوات والوصية على أحبار ربانيين هم من الناس ومع الناس وبين الناس ، أصطفاهم ربهم لقضاء حوائج الناس .

بقلم
إبراهيم الميرغني

‫15 تعليقات

  1. مامعنى صوفي.؟ ياها الخشبه اللى ماسكها الغبش ولف ودور في الحلقه حتي يغترب مع الشيطان! دا شغل الانجليز.كل مترين قبه.ومعظم رئاسه القبب في المانيا! دا كلام دا.مااخير الشيعه.ولحسن حظكم الشباب الحاضر بدأ يلحد غير معلن فقط تجاهل كامل للعقيده ياساتر من السبب

  2. ان كان لنا حاجه فى ان تحلوااااا عننا هلا فعلتموها او اغضوا لنا حاجتنا بين قوسيييين

  3. صمام أمان شنو يا دلوكة، الصوفية وباء أصاب السودان بالوهن و الضعف والمرض الله يهدينا ويهديكم ويصلح شأن البلد

  4. الصوفية اسياد السودان
    العجبو عجبو
    والماعجبو بنطردو ونقطع ضنبو

  5. عقيدة خربة والعياذ بالله
    أنا بستغرب الود دا بقى وزير دولة كيف؟
    مع إنو في شباب أكثر علما وكفاءة منه
    سبحاااااااااااان الله

  6. ما اري الا ان الله قد اراد نهاية الظالم واذياله . بمعاداتهم صوفية السودان الان. فلا جلستم مزيدا في الحكم ولا المشروع السعودي السوداني تم. فلو اشرع الصوفيه سيوفهم لم تخمد الا ورؤوس الجبابرة فصلت عن اجسادها. الصوفيه في السودان جوهرة غالية. فان همت يدك بأخذها قطعت لك.
    هذا حالهم. ومقامهم. وهذا ما جعل سلاطين الفونج تركع للشيخ الطيب.

  7. لله درك أصبت في الكتابة والمعني ولا تعصب ولا علوا علي الله ولا تزكيه للنفس بل طاعة لله وتعداد انعم الله علينا التي لا تحصي وارتوينا بروح الاسلام وصغرة أنفسنا امام قدرة خالقها وأين ما مضت فباذنه اللهم اجمعنا علي كلمة الحق وسيرة سيد الخلق محمد ابن عبد الله صلي الله علي اله وصحبه وسلم

  8. ربنا يحفظك ويغطيك أما سمعت أبو
    الحسنين رضي الله عنهم يقول أسماءهم
    الكناء هم القوم الدواعش أبو أحمد أبو
    محمد الصوفية رمانة السودان مش الوهابية أعداء الإسلام الصوفية هم من
    أدب الشعب السوداني يوشار إليهم
    من أدب ذاك الراعى السودانى فى
    السعودية وذاك الرجل الأمين الذى
    رفض نصف مليون ريال ووو والحمد لله
    أدب صوفي سوداني بحت موتو يوهابية
    بغيظكم جبة وتقابة ولوح الله أكبر

  9. امض سيدي إبراهيم سليل الدوحة الشريفة غير عابئ بما يقولون،
    (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنّما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) ، صدق الله العظيم.

  10. ❎❎ هذا الرجل جاهل ولم يترض على الصحابي الجليل عبدالله بن أبي السرح رضي الله عنه و كلامه يوحي بأنه متضايق من جهاد الصحابة للكفار أما تعلم أن الصوفية أدخلوا الطواف حول القبب ودعاء الاموات والشرك بالله الإسلام دخل السودان نقي لكن الصوفية أدخلوا الشرك وحاربوا التوحيد
    لاحظ ماذا قال هذا الجويهل ?
    “«ابن ابي السرح راهن على قوة السيف فتراجع أمام مهارة (رماة الحدق )”»
    وكالعادة تمجيد للمشائخهم?
    «”نعم لقد ستعصى السودان أمام إسلام سيف بن أبي السرح و أنفتح أمام اسلام تاج الدين البهاري و إدريس الأرباب وأحمد الطيب البشير ومحمد عثمان الميرغني “»
    وهل اسلام مشائخك أفضل من اسلام الصحابة تخبط شديد !!!امشي اتعلم قبل ما تكتب يعلموكم في الاناشيد والمدائح والطبول وحب الشيوخ والرقص والكلام الفارغ رويبضة

  11. إلى المدعو ((شخص)) هذا ليس موقع شيعي لكي تنشر تخاريف قصص الشيعة الرافضة هذه القصة من تأليف الشيعة لا تنشر الأكاذيب رجاءا

  12. شوف يا جلابيتك نص كرعيك. ( حسبي الله) انت لو سوداني الدخلك الاسلام الصوفية والبدخلك النار تكفيرك بدون علم ولا شرع . شرك شنو وطواف شنو في قبب انت الكلام ده شفتو بعينك ولا قالوه ليك. ؟؟ لا في صوفية السودان ولا اي مكان في كلام زي ده. التصوف موجود من زمن الصحابة واول من اسس علم التصوف سيد الطائفة الجنيد ده في القرن الثالث الهجري اسال عن التصوف الغزالي وابن القيم لو ما داير تسال الجيلي و الشبلي
    والله لو تحدثنا عن الجهل انت اول واحد مسجل. الله يهديك ياخ تعال الخص ليك التصوف في جملة. ( كل عمل في الدنيا ما من زاد الاخره ما عندو فائدة الحبة) انتهي. شوف هسه انت لو شبعت الليلة ومليت بطنك زي العريفي والعلماء اياهم انت ما مذنب بس ( غافل) وغفلة العوام معصية الخواص قول لي فهمت حاجة؟؟( طبعا العريفي ده نحن حاسبنو من العوام)
    طبعا حتقول فهمت. بس ما اظن. هسه انت بتعرف مقامات السالك؟ البتبدا من اليقظة ثم التوبة ثم الورع ثم الي مئة مقام؟ لو عرفت ما كان اتكلمت ولا كان بقيت وهابي ولا شنو ما عارفك. اكبر فتنة ظهرها الله في الزمن الحديث والله اعلم ظهور ناس زيك بقولوا كلام خارم بارم باسم الدين
    الورع المقام الثالث يعني ترك الشبهات والتمسك بالشرع لو ما كمل المقام ده ما بتمشي الزهد والسته وتسعين مقام الباقيين. بس الفهم قسم ياخ دي حاجة الله قسما ليك ولي عصام احمد البشير زي ما الله عمل ده نصراني وده مسلم وده تكفيري يقتل الاطفال. شال منك بصيرة العلم بحقيقة التصوف
    وعملك زي ما انت كدة

  13. سبحان الله شوفو الغبي ده داير يطلع الصوفية الدراويش افضل من الصحابي الجليل عبد الله ابن ابي السرح رض الله قال ما عجز عنه قال

  14. مختصر ضلالات الصوفية من كتبهم واحوالهم

    فهناك من الطوائف من يأتي بما تأباه العقول السليمة وتستخفه، وتنفر عنه الفطر الصحيحة وتستهجنه، والدين قبل ذلك يرده وينقضه.
    لقد زعم قوم أن الرب هو عين المخلوق، فالرب عبد والعبد رب، فالله عندهم نزل عن عليائه حتى حلّ في مخلوقه حلول الماء في الكأس، والمخلوق سما بروحه حتى اتّحد بربه وامتزج به امتزاج اللبن بالماء، حتى قال قائلهم عن نفسه: “لا إله إلا أنا”! وقال الآخر: “سبحاني ما أعظم شأني!”. عياذًا بالله.
    وعباد الأصنام عندهم ما عبدوا شيئًا إلا الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [سورة الإخلاص]، (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: 255].
    قوم نصبوا لأنفسهم طواغيت يسمونهم الأقطاب والأغواث والأوتاد والنقباء، يفزعون إليهم، ويستغيثون بهم، ويزعمون أن لهم تصرفًا في الكون، وأنهم يعلمون الغيب، وما في اللوح المحفوظ، وما في صدور العباد، ومشاهدة الأرضين السبع والسماوات السبع، والشياطين وكيف توالدها، والجن وأين يسكنون، وأنهم يشفون المرضى، ويحيون الموتى، وأنهم لهم قدرة على أن يأخذوا بقلب العبد فيهدوه هداية توفيق، بل يزعمون أنهم يهدونهم بمجرد النظر إليهم، حتى قال أحد طواغيتهم: “قد خصني بالعلم والتصريف، إن قلت: كن يكن بلا تسويف”! وقال طاغوت آخر: “أنا في السماء شاهدت ربي، وعلى الكرسي خاطبته، أنا بيدي أبواب النار أغلقتها، وبيدي جنة الفردوس فتحتها، من زارني أسكنته جنة الفردوس”! وقال آخر منهم: “ومنهم من إذا نظر إليك نظرة تسعد سعادة لا شقاوة بعدها أبدًا، ومنهم من إذا مر على جماعة من العصاة فسلم عليهم آمنهم الله من عذابه، ومنهم من إذا نظر إليك تسعد وإذا نظرت إليه تسعد”.
    الله أكبر! سبحانك هذا بهتان عظيم! زعموا لأنفسهم ما لم يكن لأنبياء الله ورسله -عليهم الصلاة والسلام-، بل ما هو محض حق الله الذي لا يجوز أن يصرف لغيره، قال الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل: 65]، وقال سبحانه: (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون) [يس:83].
    وزعموا أنهم يتلقون العلم عن الله بلا واسطة إلا “حدثني قلبي عن ربي”، وأنهم يأخذون من اللوح المحفوظ، وقالوا: “هذا علم الحقيقة”. وهي خواطر ووساوس شيطانية تلقى في قلوبهم يسمونها الكشف، ويوظفونها شريعة محكمة، ويستغنون بها عما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويسمونها علم الشريعة، ويقولون هي: رسوم العوام، ويُزرون على حملتها، ويجعلون تعلمها من الآفات، يقول قائلهم: “آفة المريد ثلاثة أشياء: التزويج، وكتابة الحديث، ومعاشرة الضد”! ويقصدون بالضد علماء الشريعة وطلابها.
    قال أبو الوفاء ابن عقيل -رحمه الله-: “ومن قال: حدّثني قلبي عن ربي فقد صرح أنه غني عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومن صرّح بذلك فقد كفر، فهذه كلمة مدسوسة في الشريعة تحتها هذه الزندقة، ومن رأيناه يزري على النقل علمنا أنه قد عطل أمر الشرع”.
    وقال القرطبي -رحمه الله-: “وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، وإجماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى، إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقًا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل، بحيث يستغني عن الرسل، فهو كافر يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال وجواب”.
    وبناءً على هذا المعتقد الفاسد تولد معتقد آخر، وهو اعتقاد أن بعض الأشخاص يسعه الخروج عن شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل قال طاغوتهم: “عجبًا لمن عرف الله كيف يعبده”! كذب وربي، وفجر وظلم وكفر، قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19].
    ولهذا ترى في كبرائهم من الفسق والضلال والإلحاد وتعطيل الأوامر وارتكاب الفواحش وانتهاك الحرمات ما يبرأ الله ورسله والمؤمنون منه، فترك الصلاة والطهارة والأكل في نهار رمضان والزنا واللواط والتعري ومعاقرة الخمرة في مساوئ كثيرة محرمة شرعًا بالنصوص القطعية هي من فضائل هؤلاء المذكورة في سيرهم التي دونها أتباعهم، وسوغوا ذلك بحجة شيطانية فقالوا: قد يأتي الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن!
    بأي دليل في الشرع كان الزنا مذمومًا ظاهرًا محمودًا باطنًا؟! وكذا بقية المحرمات! بل إنهم تجرؤوا على ما لم تتجرأ عليه اليهود والنصارى، وأحجم عنه المشركون؛ لشناعته وبشاعته، ولكن حملهم على هذا اعتقادهم وحدة الوجود، وأن كل ما تعلقت به مشيئة الله فهو محبوب لله، فاعل له على الحقيقة، فاستوى عندهم الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، حتى صححوا إيمان فرعون وإبليس، بل قال قائلهم: “المذنب في حال ذنبه أقرب إلى الله منه في حال طاعته”!
    وأما تحريف القرآن فشيء يربو على الخيال، ويكفي أن تعلم أن منهم من يعتقد أن تدبّر القرآن هو الران والحجاب عن الله، يقول أحد كبرائهم ممن ارتضوا مقالته: “اقرأ القرآن من حيث هو كلام الله، لا من حيث ما تدل عليه الآيات من الأحكام والقصص، فإنها الران على قلبك والحجاب”! والله يكذبهم ويقول: (كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) [ص:29].
    وتعلُّق المريد بشيخه الذي يأخذ عنه البدعة والزندقة تعلُّق الإيمان بالشهادتين، ولذا يسلم عقله وجوارحه ويفوّض أموره ويسلمها لشيخه، يقول كبير لهم: “الشيخ للمريد في درجة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإيمانه متعلق به، وكذا سائر أموره الدينية والدنيوية”! وصرحوا أن أكبر الكبائر في حق المريد أن تمر عليه ساعة ولا يكون شيخه في خاطره، فهي المعصية التي تضره في دينه ودنياه! والله أوحى إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن أكبر الكبائر الإشراك بالله.
    ويؤمنون بالرجعة، وهي أن بعض الأموات يرجع إلى الدنيا ويكون فيها حيًّا كما كان قبل أن يموت، ولهذا يزعم طوائف منهم أنهم يجتمعون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كل ليلة أو في أيام معلومات يقظة لا منامًا، وأنه يحضر اجتماعاتهم وأذكارهم، قال قائلهم: “لم يمت محمد، وإنما الذي مات هو استعدادك لأن تراه بعين قلبك”! وكذبوا وخابوا وخسروا قال الله تعالى: (إنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر: 30، 31].
    وليس لهم نصيب في الطاعات، وإنما نصيبهم في البدع والضلالات من بناء القبور على المساجد، والنذر لها والطواف بها، والصلاة إليها، والاستغاثة بأهلها، وتقديم القرابين لها، والتبرك بعتباتها وسياجها، والاعتقاد في أهلها أنهم ينفعون ويضرون، والله يصفهم بقوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النحل: 20، 21].
    والرقص والتواجد والسماع على قصد التقرب إلى الله من محدثاتهم، ولهم صلوات محدثه وأذكار مبتدعة: صلاة الكفاية، وصلاة الخير، وصلاة الخصماء، وصلاة الفاتح التي نعتوها بأن فيها ثواب جميع الصلوات وسرها، وألفوا أحزابًا من الأدعية والأذكار المبتدعة، ورتبوا عليها الأجور، فذكروا في بعضها أن من ذكر هذا الحزب مرة كتب له عبادة سنة، ومن حمله كتب من الذاكرين الله كثيرًا ولو لم يذكر الله.
    وابتدعوا دعاء الله بالاسم المفرد: الله الله، أو بالضمير كقولهم: هو هو، أو باسم الإشارة وغيرها، كقولهم: ذا ذا، أو: كا كا، أو: ها ها، أو: آ آ.
    هذه جملة من ضلالات المتصوفة التي جلبت على المسلمين في أقطار الأرض قساوة القلب وتعطيل الشرائع والعقول، وغمستهم في الشهوات والملذات، وسلطت العدو على المسلمين وأعانته، فلا جهاد ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر، إنما هو فسق وفجور، وابتزاز للأموال، واستلاب للعقول بحيل شيطانية وإغراءات شهوانية.
    ذكرنا هذه الحقيقة ليحمد أهل السنة الله على ما هداهم إليه من نعمة الاتباع، وليحذروا الوقوع في شراك هذه الطائفة الضالة؛ فإنهم يتصيدون من لا علم عنده من أهل السنة إذا وفد عليهم في أمكنتهم وخالطهم في مجالسهم، بل إنهم سخروا وسائل التقنية والإعلام لتمرير هذا الفكر، لا سيما وأن فيه انحلالاً وقضاءً محرمًا باسم الدين، مما قد يحمل من غلبته شهوته على الانضمام إليهم والتأثر بمعتقداتهم، وخاصة أنهم يروجون ذلك بالأحاديث الواهية والمكذوبة والمنامات؛ ما قد يستجلب العواطف ويزين القبيح.
    وختامًا أقول لأولئك المتصوفة: أثقل عليكم الاتباع فالتجأتم إلى الابتداع؟! (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31، 32]. أغاظكم انتشار الحق ومسارعة الناس إلى الهدى فذهبتم تطعنون في منهج السلف وتحاربون الداعين إليه علانية لا سرًّا؟! (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32، 33]، (قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) [طه: 61].
    قلاكم الناس، واستوحشوا طريقكم، وعرفوا ضلالكم، واشمأزوا من فعالكم، وتشتت أمركم، وانفرط عقدكم، فسوّل لكم الشيطان أن الباطل يدمغ الحق، فانقلبت عليكم الحقائق، وعميت أبصاركم، والله يقول: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون) [الأنبياء: 18]، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81].
    ومع هذا كله فهذه دعوة إلى كل متصوف بالتوبة إلى الله، والإقلاع عن هذا الذنب، وسلوك طريق أئمة الهدى والدين، المتأسين بسيد الأولين والآخرين -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-، من الصحابة والتابعين وأتباعهم بإحسان، مع تذكيركم بقوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم) [المائدة: 74].
    اللهم اهدنا للحق، ووفقنا للاتباع، وتوفنا على الإسلام والسنة، والحمد لله رب العالمين.