قصة «جلاد كتالونيا الجديد»: تنبأت والدته بانضمامه لـ«الريـال» ورفضه برشلونة بسبب 2 مليون يورو
العام 1996، لم تمر سوى أشهر على اعتزال أسطورة الكرة الهولندية ماركو فان باستن، وكانت هي تستعد لولادتها الثانية، ماريا فيلمسيم، المشجعة الهولندية العاشقة لكرة القدم، وبقدر عشقها للعبة عشقت ساحرها الهولندي المعتزل، وكان القرار ابني الأصغر سيكون خليفته، سيحمل اسمه أملًا في أن يحمل ولو جزءًا من بريقه ولمعانه ومهاراته، ربما يومًا يهتف باسمه الجماهير كما هتفوا باسم ماركو الهولندي، فليرحب العالم بماركو جديد، ولم تعلم حينها أن فقط 20 عامًا كانت تفصلها عن ذلك اليوم الذي حلمت به، لكنها لن تكون حاضرة حين يحقق طفلها الصغير ماركو حلمها.. فقط ستحضر بروحها.
ثمان سنوات مرت، الفتى الصغير يلعب كرة القدم مع أصدقائه، مجرد طفل صغير ككل الأطفال، يلعب ويذهب إلى المدرسة ويخرج مع والديه، وفي أحد تلك الأيام العادية التي مرت عليه ولا يتذكرها ربما، التقى والده الإسباني جيلبرتو أسينسيو، وكان لاعب كرة قدم بدوره، ووالدته ماريا برئيس نادٍ عظيم اسمه ريـال مدريد، لقاء بقى محفورًا في ذاكرة الرئيس فلورنتينو بيريز، كان يومها يكوّن فريقًا من النجوم ما عُرف في العالم باسم «الجلاكتيكوس»، وكان ضمن جواهره زين الدين زيدان، وحينها رأى ماركو للمرة الأولى، لتقول له والدة الطفل الصغير: «سيدي الرئيس، هذا ابني ماركو ويومًا ما سيلعب في ريـال مدريد».
صبي في التاسعة من العمر لكنه يبدو لاعبًا رائعًا ليلفت نظر أحد أهم وكلاء اللاعبين في إسبانيا، أوراسيو جاجيولي، مهندس الصفقة التي نقلت ساحر برشلونة ليونيل ميسي إلى إسبانيا من الأرجنتين، ولم يرَ الوكيل أن الطفل الإسباني يقل عن نظيره الأرجنتيني، «أحببته كثيرًا، كان عملاقًا، لاعب كرة قدم رائع بكل المقاييس، كان يملك أشياء ستجعله لاعبًا مهمًا، تمامًا كميسي»، يشرح وكيل اللاعبين لـ«بليتشر سبورت»، «هو شخص يجذب الناس إليه، هي خصلة يمتلكها فقط القليل من الناس وهو أحدهم».
انضم الطفل الصغير إلى أكاديمية ريـال مايوركا، وترعرع داخل جدران نادي مدينته، لكن يومًا لم يكن كأي يوم، كان مجرد مراهق في عمر الخامسة عشر، يعيش في عائلة كروية من أب وأخ يلعبان كرة القدم وأم تشجعهما وتساندهما، لكن السند سينكسر اليوم، وستفقد العائلة مشجعتها الأولى التي ستسقط ضحية مرض السرطان اللعين، وسيفقد ماركو أقرب الناس إلى قلبه، والدته، «كنا عائلة مترابطة جدًا، وبقينا أنا وأبي وأخي لنكمل المشوار، ساندنا بعضنا البعض وساعدنا بعضنا البعض ومازلنا قريبين جدًا إلى بعضنا»، يقول الشاب «ماركو».
سنوات قليلة مضت على وفاة والدته والحياة اختلفت عن تلك التي تركتها، والده الآن يعمل في سوبرماركت، وشقيقه أصبح ضابط شرطة وترك كرة القدم، أما هو فلا يزال بالرداء الأحمر لريـال مايوركا، لا يزال يركض خلف حلم أمه الذي أصبح حلمه هو الآخر، بداية موسم جديد 2014-2015، اسمه ليس معروفًا على المستوى الجماهيري بشكل كبير خارج مدينته، إلا أن الفرق الكبرى بدأت الاهتمام به، لكن الاهتمام أتى أولًا من النادي «العدو» لناديه المفضل، هو الذي اعتاد ارتداء قميص ريـال مدريد في صغره الآن يأتيه عرض من برشلونة، قد تكون خيانة لحلمه وحلم والدته لكنها أيضًا قد تكون فرصة العمر.
كان عرض برشلونة 2.5 مليون يورو، مع إضافة 2 مليون يورو أخرى في حال شارك الفتى مع الفريق الأول، لكن نادي مايوركا رفض العرض وأصر على دفع الـ 4.5 مليون يورو دفعة واحدة دون شروط، ليأتي رد برشلونة: «لا، لا يمكننا فعل ذلك، لقد خسروا الفرصة»، من خسر الفرصة يا أبناء كتالونيا؟ ربما تدور تلك الكلمات اليوم بخلد مسؤولي مايوركا.
ومع دخول ريـال مدريد في المفاوضات مع النادي لضم الشاب الصغير، أعاد برشلونة التفكير وغيروا رأيهم بعد ثلاثة أشهر ليوافقوا على طلب مايوركا إلا أن الوقت كان قد فات، والفرصة لا تأتي مرتين، لقد تعاقد غريمهم مع الشاب الواعد وكانت الخسارة من نصيب البلوجرانا.
تعاقد ريـال مدريد مع «ماركو» الصغير بمبلغ زهيد في عالم كرة القدم، فقط 3.9 مليون يورو، «كان عرض ريـال مدريد لأسينسيو أفضل 20 مرة من عرض برشلونة على كل الأصعدة، سواء على صعيد كرة القدم أو حتى الصعيد الاقتصادي».
موسم كامل، ربما موسم الوداع، قضاه «أسينسيو» معارًا من ريـال مدريد لناديه الأصلي ليصقل مواهبه أكثر فأكثر، ثم تبعه بموسم آخر أعير فيه إلى إسبانيول ليكتمل نضجه، قبل أن ينضم للملكي في الموسم التالي، حينها تم تقديمه كتعاقد جديد للنادي، وذكّره «بيريز» بتلك المقابلة التي جمعته بوالديه قبل 12 عامًا، اليوم أصبحت هنا، اليوم تحققت النبوءة، اليوم تفي بالوعد وتحقق حلم الطفولة وحلم والدتك، ووقف الشاب ليلقي كلمته في حفل تقديمه: «إنه يوم عاطفي، لقد حلمت بهذا منذ صغري، أود أن أشكر عائلتي، أبي وأخي وأمي، التي أعلم أنها تساندني من أعلى…»، ولم يكمل كلامه، غلبته دموعه وعواطفه وحنينه إلى أمه.
البداية تحت قيادة المدير الفني زين الدين زيدان، وهل هناك أعظم من زيدان ليعلمك؟ كانت الدقائق الأولى له تعد بالكثير في الموسم التحضيري، لكن أولى مبارياته أعلنت أن نجمًا قد حضر، كما لو كانت قدمه اليسرى تقول أنا هنا لأبقى، هدف خرافي في مرمى إشبيلية في أول مباراة رسمية وأول سوبر أوروبي، ليحقق بطولته الأولى في مباراته الأولى.
الدوري يبدأ والفتى الشاب أساسيًا لتعويض أسطورة النادي الحية كريستيانو رونالدو، المصاب، ولا يخيب الظن أبدًا ليحرز في أولى مبارياته في الدوري مع ريـال مدريد هدفًا جميلًا. الأداء جميل والاسم بدأ ينتشر بين الجماهير، ماركو.. ماركو، اليوم يخوض مباراته الأولى في دوري أبطال أوروبا، وما الجديد؟ يحرز هدفًا في المشاركة الأولى كعادته.
ماذا عن كأس إسبانيا، هل يحرز في أولى مبارياته مع ريـال مدريد في هذه البطولة؟ بالطبع سيفعل، وها هو قد فعل، وأحرز هدفين في ليونيسا، كانت تلك مجرد بداية لموسم عظيم أحرز فيه الأهداف في كبار الحراس، وفي كبرى المناسبات، قبل نهائي ونهائي دوري الأبطال، شباك مانويل نوير وجانلويجي بوفون، لا يخشى أحدًا لا يهاب أحدًا الكل ضحايا والكل ينتظر دوره.
دوري ودوري أبطال و2 سوبر أوروبي كلها دُونت في سجل بطولاته، وحان وقت السوبر الإسباني وأي سوبر هذا، فهو يجمع الناديين الأكبر في العالم ريـال مدريد وبرشلونة، إنه الكلاسيكو، أولى مشاركاته في هذه البطولة ستكون كبديل في الشوط الثاني، وهل يمنع ذلك الشاب من هوايته المحببة، لا وألف لا، يسجل هدفًا ولا أروع في شباك أندريه تير شتيجن، هدف ترك الأفواه مفتوحة في ذهول ولم ينتهِ العرض بعد.
انتهى ذهاب السوبر في معقل برشلونة، الكامب نو، بفوز ريـال مدريد 1-3، وحان وقت الإياب، اليوم سيكون أساسيًا، أي أخبار سيئة تلك التي حملها التشكيل إليكِ يا كتالونيا، جلادك الجديد حاضر، الوريث الشرعي لعرش الملك كريستيانو رونالدو يستعد للحكم بالإنابة حتى يعود الدون، وسيكون حكمه قاسيًا، ولن ينتظر أكثر من 4 دقائق ليسكن الكرة الشباك بطريقة لا تصدق وقف أمامها تير شتيجن عاجزًا متفرجًا كغيره من الحضور، ليعلن أن ملكًا جديدًا قد حضر إلى الساحة وليقف الجميع احترامًا، أما هو فيشير إلى السماء حيث صاحبة النبوءة كعادته بعد كل هدف، إليكِ أنت أدين بكل هذا، أنت يا أمي من صنعتِ الاسم الذي أصبح يتردد في كل أرجاء العالم، أنت من صنعتِ ماركو أسينسيو.
المصري اليوم