علوم و تكنلوجيا

جدل في برلين حول الذكاء الاصطناعي وانقراض “الجنس البشري”!

“هل سينقرض الجنس البشري حين يتغلب الذكاء الاصطناعي للآلات على ذكائنا، فينقلب دماغ الخوارزميات على دماغ شبكة الدم والأعصاب، كما ينقلب السحر على الساحر؟”.

لا يمكنك إلا أن تفكر بهذه الاسئلة وأنت تجول في معرض “ايفا” للتكنولوجيا في برلين، حيث تعرض الشركات روبوات تقوم بالأعمال المنزلية، من كي وتنظيف، أو لعبا للأطفال مصممة لكي تعلمهم أسرار كودات الكومبيوتر أو ألعاب إلكترونية تستطيع أن تتحدى ذكاء المستخدم وتغلبه أو مواصفات سيارات ذاتية القيادة وغيرها المئات من الابتكارات التي تجعلك تتساءل عن التاريخ الذي سيصبح فيه الكومبيوتر اذكى من الانسان؟

تحذيرات وجدل

وفي واقع الأمر، فإن هذه الأسئلة لا يمكن النظر اليها بخفة أو اعتبارها من نوع الخيال العلمي، لسببين أولهما أن التجربة الواقعية أثبتت لنا أن ما كان ينظر إليه بوصفه خيالا علميا خلال السنوات الماضية تبين أن بوسعه أن يكون جزءا من حياتنا اليومية مثل الخبز والماء، والشاهد على ذلك أمثلة من قبيل رؤية الشخص الذي نتحدث إليه عبر الهاتف أو فتح الجهزة ببصمات اليد والعين والوجه وهي امور لطالما ظننا أنها حكر على افلام جيمس بوند فقط!

السبب الثاني هو أن عالم جليل بحجم ستيفن هوكينج، قد أطلق منذ فترة طويلة تحذيراته من قدرة الذكاء الاصطناعي على إلحاق الضرر البشرية، إذ ذكر الفيزيائي الشهير في مقابلة له عام 2014 إن «تطوير الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفسح المجال لنهاية الجنس البشري.»، بل وأكثر من ذلك فهو يرى إن الذكاء الاصطناعي قوة ضاربة للطبقة الوسطى.

تحذيرات لم تمر مرور الكرام، لكن شركات كبرى مثل غوغل ومايكروسوفت وامازون وفيسبوك لا يبدو انها متعجلة لكي تقع في فخ المخاوف وتشل مراكز الابتكار التابعة لها والتي تخرج كل يوم بانجاز جديد.

إليكسا في كل مكان

” الزمن القادم هو زمن شراكات غوغل. المحتوى الذي يوفره محرك البحث الاضخم في العالم، بأشكال مختلفة، يغري الشركات أكثر من أي وقت مضى بتصميم منتجات تستفيد من حاجة الناس الى هذا المحتوى وتوفر عليها وقت البحث عنه”ن يقول باسكال دو شوفير، المسؤول عن مدونة الكترونية في فرنسا، بينما يشاهد العرض الذي قدمته شركة “سوني” التي أبهرت الزوار بعرض البيت الذكي مع “غوغل”.

“اوكيه غوغل”، فقط عليك أن تذكر هذه الكلمة، فيما تتحدث إلى جهاز صغير يشبه “الروبو” القزم مثبت على الطاولة، ثم يبدأ السحر: بوسعك ان تساله أي شيء من تعديل الاضاءة في البيت، أو تشغيل الموسيقى المفضلة، أو عرض معلومات الطقس والمرور وإرشادات القيادة على جهاز التلفاز، أو عرض أي فيديو تريده، مثلا كيفية اعداد طبق المندي، فيما انت في المطبخ..

كلمة “أوكيه غوغل” مثل “افتح يا سمسم ” تفتح كل الأبواب والاحتمالات.

الترفيه أولا

من تلك الأبواب التي تنفتح في كل مكان في قاعات “أيفا” باب الموسيقى الترفيهية، التي يبدو أن الذكاء الاصطناعي ضالع فيها بقوة، خاصة مع الاعلان عن أول ألبوم موسيقي تم تلحينه بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي دون اللجوء للبشر، وهو ألبوم آي إم إيه آي. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة تتويج لجهود سابقة. تعلم نظام ذكاء اصطناعي يسمى آيفا تلحين الموسيقى الكلاسيكية، مثلما صمم نظام “ديب باخ” لإنتاج موسيقى مستوحاة من الفنان الباروكي يوهان سيباستيان باخ. “الألبوم الجديد خطوة أولى في عصر يتشارك فيه البشر براعتهم الفنية مع الذكاء الاصطناعي وربما يتنافسون في القدرات الإبداعية”، يقول جيمس بورتمان مندوب الشركة.

ينطبق الأمر ذاته على الألعاب الإلكترونية، فحديث الموسم هو “ستار كرافت 2″ اللعبة الشعبية التي تمكنت غوغل من تدريب عملاء بالذكاء الاصطناعي لكي ينافسوا ببراعة أكثر المستخدمين البشريين خبرة. ولكن هذا الذكاء الاصطناعي لن يتمكن من التعامل مع مهام العالم الواقعي إلا عندما يصبح قادرًا على التنقل بنجاح في بيئة اللعبة التي تتطلب إجراء مراحل من الحوسبة أثناء التعامل مع البشر. وفي ذلك النسق، قد يكون عميل ستاركرافت 2 خبير اليوم، هو ذاته محاسب الذكاء الاصطناعي أو ممثل خدمة العملاء مستقبلًا.

تعلم أسرع

وتبرز مسألة الوقت كعامل أساسي في تحدي تعلم الالات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يسمى علميا بـ” التعلم العميق”. لكن شركة “آي بي أم” يبدو أنها وجدت الاجابة. فد طورت ذكاءً اصطناعيًا يسرّع عملية تعلم آلة بأكملها. فبدلًا من تشغيل نماذج التعلم العميق المعقدة على خادم واحد فحسب، استطاع الفريق، الذي تقوده مديرة أنظمة إدارة الأبحاث في شركة آي بي إم ريسيرتش هيليري هنتر، توسيع نطاق التعلم العميق الموزع بكفاءة باستخدام خوادم متعددة.

“ستخدم خوارزميات تعلم الآلة عادةً لتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية. وتعمل هذه الخوارزميات على ما يسمى الشبكة العصبية -وهي نظم مصممة لتقليد الدماغ البشري في عمله الداخلي- كجزء مما يسمى التعلم العميق”، تشرح هنتر.

القيادة الذاتية

مفاجأة أخرى قد تعطل بعض الشيء (أو تلفت النظر) جهود الذكاء الاصطناعي في السيارات دون سائق أو ما تعرف بالسيارات ذاتية القيادة، إذ اكتشف الباحثون أن هذه السيارات الذكية تتشوش ولا تصبح قادرة على استمرار القيادة في حال واجهتها لافتات طرق غير نظيفة أو مشوهة:” يؤدي هذا الامر إلى تشويش الذكاء الاصطناعي، لتثبت تلك الملصقات فعاليتها التامة في خداع أنظمة الذكاء عند إلصاقها على لافتات التوقف والالتفاف إلى اليمين”، يقول سلافي داف، خبير تكنولوجيا سيارات:” لكن هذا لا يجعلنا نجزم من الآن أن الأنظمة ذاتية القيادة غير آمنة، فهي تعكس كيف تكون نشاطات الإنسان، وفي هذه الحالة النشاطات التخريبية السبب الرئيس في حوادث الطرق، كما ان اكتشاف المشاكل المحتملة للأنظمة ذاتية القيادة ومعالجتها، ما سيؤدي إلى تطوير أنظمة النقل الآمنة التي تنقل البشر حيثما أرادوا دون أضرار أو خسارات في الأرواح”.

بعد ربع قرن

“إذا اختُرع ذكاء اصطناعي بمتوسط ذكاء أكبر من ذكاء الإنسان بدون الحذر الواجب، فمن المؤكد أن النوع البشري سينقرض في وقت قصير جدا”. يقول الخبير مايكل فاسار كبير موظفي العلوم في ميتاميد ريسيرش .

اذن، ما زال الطريق طويلًا أمام الذكاء الاصطناعي قبل أن يتطور بشكل كبير ليصبح تهديدًا، إلا إنه يتطور بسرعة كبيرة، ويتوقع الخبير راي كرزويل إن أجهزة الحاسوب ستكون أكثر ذكاء من البشر بحلول عام 2045 ـ علينا فقط ربما أن ننتظر، وفي هذه الاثناء.. نتعلم.

البيان