التيار المناوئ أرسل إشعاراً إلى الرئاسة مفادهها أن أيلا لايجد الإجماع بالجزيرة بينما يرى المؤيد أن معارضته لتجفيفهه منابع الفساد

أصدر المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بولاية الجزيرة، في خواتيم الأسبوع الماضي، قراراً بفصل (19) عضواً من أعضاء المجلس التشريعي الولائي، على خلفية مخالفة الأخير لقرار المكتب القيادي في ما يتعلق بتشكيل لجان المجلس. كما أوصى المكتب القيادي بفصل البروفيسور جلال من الله من رئاسة المجلس، عبر توصية للمكتب القيادي المركزي وأخرى لرئيس الجمهورية بحل المجلس وإجراء انتخابات خلال شهرين.. وقد استقبلت الأوساط السياسية قرار المكتب القيادي بين مؤيد ومعارض له وعدم صحته، باعتباره من اختصاص المركز وليس المكتب القيادي الولائي. ووصف عماد محمد يوسف، عضو المجلس، قرارات المكتب القيادي بأنها بمثابة انتحار سياسي لوالي الجزيرة د. محمد طاهر أيلا، وقال محمد يوسف حسب صحيفة (الإنتباهة)، إن على أيلا أن يقدم استقالته لفشله في إدارة الولاية ونقله لأمراض الصراع في البحر الأحمر لولاية الجزيرة، وعجزه عن إحداث حراك اقتصادي حقيقي، إلى جانب تنفيذه للقرارات التي يصدرها المجلس وتجاوزه لبنود الميزانية المجازة من المجلس التي جاءت في تقرير المراجع العام للعام المالي 2016م.
العضو محمد يوسف أراد أن يوقظ الفتنة وهي نائمة، وأن يعيد للأذهان بعض صور الصراع الذي شهدته ولاية البحر الأحمر في عهد أيلا الذي منع وزراء حكومته من الإدلاء بأية تصريحات للصحافة والأجهزة الإعلامية، حسب ما نشرته إحدى الصحف التي تصدر في ولاية البحر الأحمر، ولعل الأستاذ محمد يوسف يشير تحديداً إلى بيان أحزاب ولاية البحر الأحمر الصادر في 21 مايو 2014م، حيث عزمت مجموعة من الأحزاب المعارضة بولاية البحر الأحمر على تقديم شكوى لرئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير حول ما أسمته بالاعتراضات المتكررة من الوالي محمد طاهر أيلا لإقامة الندوات والمؤتمرات الصحفية للأحزاب بالولاية، وعدم الالتزام بإطلاق الحريات التي أعلنها رئيس الجمهوري لإنجاح الحوار الوطني مع القوى السياسية. وكشفت الأحزاب في بيانها عن عزمها تقديم شكوى رسمية لرئاسة الجمهورية، لعدم التزام أيلا بقرار الرئيس ومواصلة منع نشاطات القوى السياسية المعارضة بالقوة المفروضة لفض التجمعات.
في تشريعي الجزيرة يرى عدد من الأعضاء أن الوالي لا يلتزم بقرارات المجلس والقوانين فيما يلي العقودات والعطاءات، وقيامه بتنفيذ مشروع الانترلوك بملايين الجنيهات وبدون تعاقدات، ومن هنا انطلقت الشرارة الأولى والرئيسة للخلاف والصراع الذي نتج عن إخفاقات الجهاز التنفيذي كما يرى المجلس في إدارة ملف طوارئ الخريف، وما وصفه المجلس بالتدخل السافر من الجهاز التنفيذي في أعماله.
وعند عودة أيلا من إجازته التي قضاها بجمهورية مصر العربية، قامت مجموعة من الموالين له بحشد مسيرة كبرى تأييداً لأيلا وسياساته، وطالبوا بحل المجلس التشريعي الذي قال عنه ذاكر عبدالله القيادي بمنبر أبناء الجزيرة، إنه أصبح مهدداً للولاية واستقرارها واستمرار التنمية فيها، وخلق حالة من الاحتقان في أوساط الناس. وأشار في لقاء مع صحيفة (الوطن) إلى أن هناك خطوات عملية في المطالبة بسحب الثقة عن المجلس، وقال إن الصراع تديره مجموعات ومراكز قوى في المركز لا تريد خيراً للجزيرة، ولها مخالب قط في الولاية تأتمر بأمرها.. وكان البروفيسور جلال من الله قد وجه بعض الانتقادات المتعلقة بالتنمية في الولاية، وقال في حوار أجرته معه صحيفة (المجهر) بتاريخ 3/9/2016م: “إذا كان هناك بشر يتضرر من السيول والأمطار، فهل الأولى أن نهتم بهذا البشر أم نهتم بالماديات والطرق، في إشارة إلى ما يقوم به والي الجزيرة في مجال الطرق، والانترلوك”.. ومما جاء في تعليقه على المسيرة التي خرجت لمناصرة أيلا قوله: “هذه المسيرة أولاً لم تخرج من مؤسسة سواء مؤسسة دولة أو حزبية، وإنما هي من أفراد وهم أحرار في رأيهم، لكن أنا أعتقد أنهم أرادوا أن يظهروا تأييداً للوالي لكنهم من ناحية أخرى كأنهم يقولون إن هناك مجموعات تعارض الوالي، وهم نظروا إلى الجانب الذي يحقق تطلعاتهم ولكنهم لم ينظروا للجانب الآخر الذي يُحسب سلباً.
واحتدم الصراع مرة أخرى عندما قام الوالي بصرف مخصصات رؤساء اللجان المؤقتة من خزينة أمانة الحكومة، الأمر الذي اعتبره المجلس مخالفة لقانون الإجراءات المالية والمحاسبية واستخدام الوالي لرؤساء هذه اللجان المقالين في صراعه السياسي.
وفي أواخر ديسمبر 2016م قام المجلس بإسقاط خطاب الوالي في أول سابقة برلمانية على مستوى المجالس السودانية، وشهد المجلس في تلك الفترة اشتباكاً وعراكاً بالأيدي وملاسنات أشبه بالملاسنات التي شهدها تشريعي الخرطوم في الخامس من فبراير 2010م، بين نواب ينتمون للحركة الشعبية بقيادة خالد جادين وآخرين من المؤتمر الوطني، على خلفية تعليق الأول على تقرير الأداء السنوي للمجلس الأعلى للشباب والرياضة بالولاية والذي ظهر في أحد فصوله أن هناك مبالغ تم تخصيصها لإقامة ليال جهادية، ودعم الدفاع الشعبي. وبعد لحظات من إسقاط خطاب أيلا سارع أنصاره للتوقيع في دفاتر رفض بإسقاط خطاب الوالي، وبرزت بعض المطالب التي تنادي بسحب الثقة عن المجلس وتقديم مذكرة عاجلة لرئاسة الجمهورية لحل المجلس، حيث اعتبر البعض أن إسقاط خطاب الوالي يُعد مهزلة كبرى ويمثل طعنة في ظهر رئيس الجمهورية الذي زار الولاية ووقف على التغيير الذي حدث في عهد أيلا، ولذلك فإن إسقاط خطاب الوالي لا سبب ولا مبرر له سوى تجفيف أيلا لمنافذ الفساد بولاية الجزيرة، كما يرى العضو عبدالله عبد القادر أبو ضريس.
بعض الجهات اعتبرت إسقاط خطاب الوالي بغض النظر عن التداعيات المترتبة عليه، رسالة مهمة إلى بريد قيادة المؤتمر الوطني بالخرطوم، ويبدو كما تشير صحيفة (الصيحة)، أن مرسلي هذه الرسالة لم يعجبهم حديث الرئيس البشير في زيارته للجزيرة التي جدد فيها بقاء أيلا والياً للجزيرة، ما لم يرفضه أهل الولاية أنفسهم.. ويبدو أن التيار المناوئ أراد أن يرسل إشعاراً إلى القصر الرئاسي، مفاده أن أيلا لا يجد الإجماع، وأن الخلاف حوله يتصاعد حتى المجلس التشريعي.
فيا ترى ماذا يكون رد القصر الرئاسي بعد قرارات الأربعاء التي نصت على فصل (19) من أعضاء المجلس بينهم عدد من رؤساء اللجان الجدد.. وهل هذه القرارات فعلاً وضعت حداً لما أسماه البعض بصراع الأيدي والكراسي في ولاية الجزيرة؟ أم ستدخل الولاية في أزمة أخرى جديدة من خلال التوصية المرفوعة للمكتب القيادي بالمركز لإعفاء رئيس المجلس التشريعي جلال من الله؟ وهل سيواصل الدكتور محمد طاهر أيلا صموده أمام من أسماهم بالخفافيش.. ولسان حاله يقول:
سأمضي ولا أبالي (أنَبَّ التّيْسُ أم نطقت جذامُ) أم سيحني رأسه للعاصفة ويغادر كما يشاع في بعض مجالس المدينة الصابر أهلها؟.
اليوم التالي.