حوارات ولقاءات

أسرار و خبايا الاستقلال 56 … مؤامرات “دفع المحجوب” و”مبارك زروق” و “المهدي” و “الميرغني”

خازن أسرار الحركة الوطنية فتح الرحمن البدوي لـ(الصيحة):
مقترح إعلان الاستقلال لم يكن عفوياً بل كان مرتباً
سبق تقديم المقترح (توزيع أدوار) في اجتماع بمنزل إبراهيم المفتي
هذه هي(….) أسباب اختيار بابكر عوض الله لرئاسة البرلمان
تآمُر السيّدين دفع المحجوب ومبارك زروق لوصفهما بكارثة السودان
هذا ما دار بين الأحزاب الاتحادية والرئيس المصري محمد نجيب بمنزله
الشيوعيون تبنوا (بابكر عوض الله) بعد مواقفه في أكتوبر

في ذكرى الاستقلال، جلست الصيحة إلى القطب الاتحادي والباحث في الأحداث الوطنية المصاحبة للاستقلال فتح الرحمن البدوي الذي يعتبر خازناً لكثير من الأسرار بحكم ملازمته لعدد من قادة الاستقلال بجانب معاصرته لعدد من الوقائع، قلبنا معه في هذا الحوار صفحات عدد من الأحداث والإجراءات غير المرئية التي سبقت إعلان الاستقلال التي ظلت حبيسة الكواليس ولم يتم الكشف عنها أبرزها ذلك الاتفاق الذي تم بمنزل إبراهيم المفتي وجمع قادة الحزبين الكبيرين الأمة والاتحادي، وتم خلاله توزيع الأدوار لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان بجانب م اتم في اجتماع السيدين لينفردا بشرف إعلان الاستقلال، هذا وغيره من الحقائق والأسرار:

*بداية حدثنا من واقع معاصرتك لتلك الفترة ورموزها ما الذي جرى لتجاوز اتفاقية (53) وإعلان الاستقلال؟
– إعلان الاستقلال تم بتسوية بين القوى السياسية وتجاوزت بها اتفاقية (1953) بكل مراحلها وتم إعلان الاستقلال من داخل البرلمان لتفويت الفرصة على دولتي الاستعمار حتى تمليا عليهما شروطهما، وهذه حقيقة تاريخية لا يعرفها الكثيرون.

*ما الكيفية التي تمت بها هذه التسوية؟
– هذه التسوية تمت في اجتماع انعقد بمنزل القطب الاتحادي إبراهيم المفتي جمع بين قيادات كبيرة من الحزب الاتحادي ومن حزب الأمة مبارك زروق ومحمد أحمد محجوب وأحمد متولي العتباني وبكري عباس ومجموعة من الشخصيات التي كان لها تأثير في الحياة السياسية في ذلك الوقت، وتم الترتيب للحوار داخل جلسة البرلمان بأن ينهض نائب دائرة السوكي يعقوب حامد بابكر، ويسأل الرئيس أزهري في الجلسة عن صحة الحديث عن وضع قواعد عسكرية أجنبية في السودان، ورد عليه أزهري بعدم وجود عسكري أجنبي وسيعلن الاستقلال من داخل البرلمان الإثنين القادم وأتمنى ألا يفوت السادة النواب شرف المشاركة في هذه الجلسة.

*هذا يعني أن مقترح إعلان الاستقلال لم يكن عفوياً؟
– لم يكن عفوياً وإنما كان مرتباً بصيغة قانونية مكتوبة لطرح مقترح إعلان الاستقلال وأشير في الاتفاق بأن يقدم هذا المقترح نواب من الأقاليم بأن يقدم نائب حزب الأمة عبد الرحمن دبكة المقترح في الجلسة التي حملت الرقم (43) ويثني المقترح مشاور جمعة سهل من الحزب الاتحادي والمقترح والتثنية كانا مكتوبين في أوراق بصياغة قانونية من قبل المحجوب ومبارك زروق وهما من عقبا بعد تقديم المقترح، ثم تحدث ميرغني حسين زاكي الدين والزعيم الجنوبي بول ألير.

*متى تم هذا الاجتماع الذي تم فيه هذا الاتفاق؟
-هذا الاجتماع تم في منتصف نوفمبر وجرت قبله عدة اتصالات.

*ما السبب وراء تغيير الرئيس أزهري لرأيه المتمسك بالاستقلال تحت التاج المصري؟
– قبل إعلان الاستقلال ذهب الرئيس أزهري لزيارة مدينة نيالا بجنوب دارفور ودار حوار بينه وبين قيادات الحزب في نيالا بأنهم تخلوا عن السيد عبد الرحمن المهدي وساندوه في الانتخابات، لكنهم الآن سيتخلون عنه إن هو أصر على تمسكه بالاستقلال بالوحدة مع مصر، وبعد عودته طاف أقاليم الجزيرة وشرق السودان لمزيد من قراءة الموقف وبعدها قال الرئيس أزهري قولته المشهورة (الآن تبين الخيط الأبيض من الأسود والشعب يريد الاستقلال).

*على ماذا نصت الاتفاقية؟
– إقامة برلمان منتخب وتشكيل حكومة قومية وإجراء استفتاء ليقرر السودان مصيره للاستقلال، لكن بهذا الاتفاق تم تجاوز هذا الاتفاق بكل بنوده الغريبة خاصة بند الاستفتاء، وقوة السودانيين تكمن في أنهم وضعوا سابقة بتجاوز اتفاقية دولية نصت بأن يتم الاستقلال باستفتاء شعبي.

*ألم تكن هناك اعتراضات على اتفاق إعلان الاستقلال من داخل البرلمان خاصة داخل الحزب الاتحادي الذي يؤيد الوحدة مع مصر؟
– لم يكن السيدان عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني يريدان أن يعلن أزهري الاستقلال وسعيا لتكوين حكومة قومية وحرّضا نواب الختمية بأن يساندوا نواب حزب الأمة لإسقاط الميزانية الأولى داخل البرلمان حتى تسقط الحكومة برئاسة أزهري، وهذا ما دفع أزهري لعزل كل الوزراء ميرغني حمزة وأحمد جلي وخلف خالد لأنهم وقفوا ضده في البرلمان لإسقاط الميزانية، عين بدلاً منهم يحيى الفضلي ومحمد أحمد المرضي.

*ما الذي أغرى الأحزاب الاتحادية لتتراجع عن تمسكها بالاستقلال بالوحدة مع مصر؟
-طبعاً الأحزاب الاتحادية وحّدها الرئيس المصري محمد نجيب وتحت إشرافه وتم الاتفاق النهائي بينها بمنزله في (3 نوفمبر 1953)، لكنها تخوفت وتراجعت عن الوحدة مع مصر بعد أن عزل جمال عبد الناصر الرئيس محمد نجيب وتولى رئاسة مصر.

*تخوفت من ماذا؟
– لأنها كانت تثق في الرئيس نجيب بحكم أن أمه من السودان بجانب أن نظرته مختلفة عن بقية القيادة المصرية التي كانت تنظر للسودان بأنه جزء من الدولة المصرية، وترفض منحه حق تقرير المصير، لكن محمد نجيب هو الذي منح السودان هذا الحق بعد صراع وجدال كبير أقنع المندوب البريطاني في القاهرة، لذلك كانت الأحزاب الاتحادية والسودانيون عموما أكثر ثقة في نجيب خلاف عبد الناصر الذي لم يكونوا يثقون فيه وهو يحمل رؤية القادة الآخرين أن السودان جزء من مصر.

*ما الأحزاب الاتحادية التي كانت موجودة وقتها؟
– حزب الاتحاديين كان بقيادة خضر حمد وحماد توفيق، وحزب الاتحاديين الأحرار بقيادة محمد طاهر زروق وأحمد السنجاوي والطيب محمد خير الملقب بالزعيم وحزب وحدة وادي النيل بقيادة أحمد السيد حمد والشاعر محمد سعيد العباسي وأحمد عقيل، والجبهة والوطنية بقيادة مرغني حمزة ومحمد الحسن دياب وخلف خالد.

*لهذا أطلق اسم الأشقاء على هذه الأحزاب بعد الوحدة بينها؟
– ليس كذلك هذا اعتقاد خاطئ لأن اسم الأشقاء على لجنة تكونت لتكريم الأديب المصري عباس محمود العقاد كانت بعضوية يحيى الفضلي ومحمود الفضلي وأحمد محمد يس وحسن محمد يس وحسن عوض الله ومحمد عبد الحليم العتباني ومحمد عبد الرحيم شداد لكن التكريم لم يتم نسبة لسفر العقاد وكونوا بالاشتراكات التي جمعت حزب الأشقاء واختاروا أزهري رئيساً لهم وهو حزب أقرب للجمعيات الفكرية التي كانت مكونة وقتها.

*هل حقيقة هناك خيانة تمت لحكومة ما قبل الاستقلال برئاسة أزهري؟
– هنا يكفي ما أشار إليه محمد أحمد محجوب في كتابة الديمقراطية في الميزان (إن مشكلة السودان تكمن في السيدين عبد الرحمن المهدي، وعلي المرغني) وذات الحديث قاله مبارك زورق للمندوب البريطاني في السودان تول لير وأورده الأستاذ بشير محمد سعيد أن مبارك زروق قال للمندوب البريطاني إن السيدين هما مشكلة السياسة في السودان، وهذا يعني أنهما كانا متفقين على ذلك، وهناك إرهاصات قبل إعلان الاستقلال تقول أن ترتيباً يجري لتتويج السيد عبد الرحمن ملكاً على السودان، والسيد علي كان ينسق مع المندوب المصري حسين ذو الفقار لمنع إعلان الاستقلال، والسيد علي قال لمبارك زروق عندما اجتمع معه بحضور علي حامد (أنتم ذاهبون للتنسيق مع السيد عبد الرحمن وأنا سأسبقكم للتنسيق معه)، وقد كان أن اجتمع السيدان علي المرغني وعبد الرحمن المهدي بعد خمسين سنة من القطيعة لم يلتقيا إلا عندما زار السيد عبد الرحمن السيد علي في منزله في نهاية سنة (1955) واتفقا على حكومة قومية لقطع الطريق على أزهري حتى لا يعلن الاستقلال، وهتف أنصارهما (الختمية والأنصار صف واحد لن ينهار).

*كيف تم تجاوز اتفاق السيدين؟
– بوعي الطبقة المستنيرة في الحزبين بالاجتماع الذي أشرت إليه في بداية حديثي وكان سابقة تجاوز حتى بند تقرير المصير الذي ورد في اتفاقية (53) الدولية وهذا يحدث لأول مرة أن يتم تجاوز اتفاقية دولية بإجماع وطني من كل الطبقة المستنيرة.

*لكن الجميع يعيب أن الاستقلال تم بدون برامج؟
– هذا ينفيه ما قاله أزهري بعد إجازة مقترح إعلان الاستقلال قال: (الآن انتهينا من مرحلة التحرير ومقبلون على مرحلة التعمير)، وأهم البرامج التي كانت موجودة نشر التعليم والصحة والعمل على قومية القوات المسلحة والشرطة، وخلق الاستقرار للدولة الجديدة بالمضي على النمط الذي كان سائداً لأنه كان فيه استقرار، وهذا جعل البعض يعتقد أن ما بعد الاستقلال لم تكن هناك برامج، وهذا اعتقاد خاطئ.

*من هو رئيس الجلسة؟
– الجلسة كانت برئاسة بابكر عوض الله رئيس البرلمان الذي تم تعيينه كشخصية مستقلة عندما اعترض الحاكم العام عندما طرح إبراهيم المفتي لرئاسة البرلمان باعتباره حزبياً.

*من الذي اقترح أن يكون بابكر عوض الله لرئاسة البرلمان؟
-عندما اعترض الحاكم العام على رئاسة إبراهيم المفتي للبرلمان وهو يقرب للرئيس ازهري (ابن عمته) وعندها تقدم مبارك زروق والدرديري محمد عثمان باعتبارهم رجال قانون باقتراح بابكر عوض الله لرئاسة البرلمان باعتباره قانونياً وكان وقتها قاضياً في الأبيض، ولم يكن له أي انتماء ظاهر وقتها وفوّزه الاتحاديون بأغلبيتهم في البرلمان.

* ألم تكن خلفية بابكر عوض الله اليسارية معروفة لهم؟
– لم تكن له علاقة بالشيوعيين وقتها وتبنوه بعد مواقفه في أكتوبر مع أن موقف مولانا عبد المجيد إمام في أكتوبر كان أقوى منه وأوضح.

*من هم نواب رئيس البرلمان؟
– محمد بشير شوراني وزاهر شريف

*من هم أعضاء مجلس السيادة؟
– كان مكوناً من خمسة أشخاص أحمد محمد يس، وعبد الفتاح المغربي، وأحمد محمد صالح، والدرديري محمد عثمان، وسيرسيو إيرو ، وتم الاتفاق على مجلس السيادة في ذات الاجتماع الذي تم في منزل إبراهيم المفتي لتوزيع أدوار إعلان الاستقلال.

*ما الغرض من التعجل في هذا الاتفاق لإعلان الاستقلال؟
– الغرض إظهار وحدة السودانيين وإشراكهم في شرف إعلان الاستقلال، وتم بمشاركة جميع القوى السياسية والشخصيات القومية، وهذا ما عبر عنه الأزهري بأن الاستقلال “تم نظيف كصحن الصيني لا شق ولا طق” ـ يعني تم بإجماع الكل؟

*ما موقف حزب الأمة قبل هذا الاتفاق؟
– هناك ترتيب وضعه حزب الأمة بعد اجتماع السيدين أن يكون مجلس سيادة من الجيش برئاسة عبد الله خليل بحكم أنه القائد الأعلى والسيد عبد الرحمن يكون رئيس جمهورية، لكن هذا الترتيب أزعج السيد علي المرغني جعله يعود لعداء السيد عبد الرحمن ويتحد مع أزهري.

الصيحة.

‫2 تعليقات

  1. يعني الملطشة الحاصلة علينا حاليا من المصريين هي ميراث من زعمائنا الاماجد من الرعيل الاول

  2. الرجعيه الميرغنيه والمهديه كانو وما زالو يريدون ان يحكموا السودان وينصبون ملوكا لنقبل اياديهم وارجلهم ونتمسح على بركتهم الملعونه ونعيش عبيدا لهم وومملوكين ، عليهم من الله ما يستحقون