تحقيقات وتقارير

الربيع الأفريقي “يهب على” السمراء.. استقالات رؤوساء أفارقة.. هذا أوان البوح

لا يعرف بعد، إن كان رجل الأعمال السوداني (مو إبراهيم) سيحجب لهذا العام أيضاً (جائزة الحكم الرشيد في أفريقيا) البالغ قدرها 5 ملايين دولار، بعدما لم يجد من يوشحها له طيلة سنوات مضت، ودورات انقضت. فخلال شهور غادر عدد من الرؤوساء الأفارقة مناصبهم، إما بدفع من الناس، أو بعد جلد ذات، أو بعد نتائج انتخابات أطاحت بمن ظلوا على الكرسي لعقود… آخر أولئك كان رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين الذي دفع باستقالته من منصبه ليحفظ لبلاد الزهرة الجديدة ديمقراطيتها وسلامها الداخلي.

نموذج أفريقي

قبل عامين رفض الرئيس الغامبي المنتهية ولايته “يحيى جامي” تسليم السلطة لخلفه الرئيس المنتخب آداما بارو، ورفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، رغم سقوطه البائن وفوز منافسه الصريح. وتحت الضغوط الكثيفة من مجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأفريقي، والولايات المتحدة الأمريكية استجاب جامي مجبراً وغادر كرسي الرئاسة. حالة جامي تلك عبر عنها الرئيس الأمريكي السابق ذو الأصول الأفريقية “باراك أوباما” في نهايات فترته الرئاسية الثانية والأخيرة بحسب الدستور الأمريكي إبان حديثه لطلاب إحدى الجامعات الكينية.

أوباما عبر عن سروره وفخره بتوليه منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهو في سن صغيرة. ولكنه تساءل عن السبب الذي يجعل الرؤساء الأفارقة يتشبثون بالحكم لسنوات طويلة، بقوله إنه يشعر بأنه قدم أعمالاً جيدة خلال فترات حكمه، ويشعر أنه رئيس جيد ويستحق أن يستمر لفترات أخرى وسيقدم الكثير إذا استمر لفترات أخرى، وأضاف بأن الدستور لا يسمح بذلك وهو لا يرغب في أن يستمر رئيساً. وطالب أوباما القادة الأفارقة بعدم التشبث بالسلطة والحكم، ومنح الفرصة للآخرين من أجل استقرار بلادهم.

نماذج مختلفة

حلات ثلاث حدثت في الفترة الأخيرة جعلت الأنظار تتجه نحو القارة الأفريقية، وبحسب الوقائع والأحداث فإن تلك الحالات عبرت عن توجه أفريقي جديد عكس السائد والمرسوم في المخيلة العامة عن الحكم ونقل السلطة، أول تلك الحالات ما حدث في زيمبابوي مع الرئيس “روبرت موغابي” بطل استقلال زيمبابوي ذو التسعين عاماً الذي ظل حاكماً حتى أبعده الجيش في عملية انتقال سلس تدخل فيها الجيش دون حدوث أي عمليات عنف وهو ما عرف بـ(الانقلاب الأبيض) في زيمبابوي، بعد موغابي جاءت أحداث جنوب أفريقيا التي أفضت إلى استقالة الرئيس “جاكوب زوما” بعد أن أجبره حزبه المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي، على الاستقالة قبيل انتهاء دورة رئاسته في العام 2019م، بسبب بعض السياسات التي أضعفت جماهيرية الحزب.

وأفضت استقالة زوما إلى انتقال طبيعي للحكم في جنوب أفريقيا دون أية مشاكل تذكر. أما الحالة التي أثارت التساؤلات طيلة اليومين السابقين هي استقالة رئيس وزراء إثيوبيا “هايلي ميريام ديسالين” الذي دفع باستقالة مفاجئة نهار الخميس الماضي لحزبه وللبرلمان، أوضح فيها أنه يسعى لاستقرار بلده كأحد الأسباب التي دفعته لتقديم استقالته، على خلفية الصراعات التي اشتعلت في أنحاء شتى من الأقاليم الإثيوبية وأدت إلى مقتل عدد من المواطنين في إقليم ” الامهرا” و”الأرومو”، وبهذه النماذج تكون أفريقيا قد دخلت إلى مرحلة جديدة من التغيرات السياسية الداخلية، الشيء الذي يدفع بالتساؤلات عن ما يجري في القارة السمراء التي عرفت بتعثر الديمقراطية والانتكاسات السياسية.

جدلية التغيير

من الثابت جداً أن ما حدث في القارة الأفريقية مؤخراً قد أعاد المنظار نحو القارة التي طالما عرفت بعدم احترام الدستور والأحزاب السياسية، واشتهرت بالانقلابات العسكرية والعنف كوسيلة أشهر لتولي زمام السلطة، ومن بين ذلك الركام طلت المشاهد الأخيرة آنفة الذكر. وفي حديثه عن النماذج الأفريقية الثلاثة رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين البروفيسور حسن الساعوري أن حالة الرئيس الزيمبابوي موغابي تختلف عن حالتي رئيسي أثيوبيا وجنوب أفريقيا المستقيلين، وقال الساعوري خلال حديثه لـ(الصيحة) إن موغابي أجبر على التخلي عن السلطة بعد أن تحرك الجيش، مما جعل حزبه يتحرك ويطالبه بالاستقالة لإضفاء الشرعية السياسية للتحول في زيمبابوي. وعن جنوب أفريقيا رأى الساعوري أن الحزب الحاكم تدخل لإنقاذ شعبيته بعد حدوث انتكاسات عديدة في جنوب أفريقيا قد تؤثر على موقف الحزب في انتخابات العام القادم. وعن ما حدث في أثيوبيا قال الساعوري إن الحزب الحاكم في أثيوبيا استجاب لاستقالة ديسالين لشعوره بأن الأزمة قد تستفحل في البلاد التي تواجه تحديات عديدة داخلية وخارجية، مما عجل بقبول الاستقالة، ورأى الساعوري أن ما حدث في جنوب أفريقيا وأثيوبيا يشي بحدوث تغييرات كبيرة في التركيبة السياسية الأفريقية عكس ما كان معروفاً سابقاً، ويعبر عن وجود أنظمة سياسية ديمقراطية حقيقية. وتحفظ الساعوري عن تجربة زيمبابوي التي حسمها الجيش وأنقذها السياسيون.

صدفة

يرى المحلل السياسي بروفيسور عبد اللطيف البوني خلال حديثه لـ(الصيحة) أن ما حدث في الدول الأفريقية مؤخراً مصادفة وليست ظاهرة أو موجة جديدة، مشيراً إلى أن التغيير الراديكالي لا يكون من الهرم الأعلى مثلما حدث وإنما يكون من القواعد التحتية، وأضاف البوني أن البلدان الثلاثة التي شهدت تحولات تختلف ظروفها عن بعضها البعض مؤكداً على أن ما حدث جاء من باب المصادفة بالرغم من حدوثها في أوقات متقاربة، مشيراً إلى أن ذلك لا يرقى إلى مستوى الظاهرة أو التحول الديمقراطي الجديد في القارة الأفريقية.

الصيحة.

تعليق واحد

  1. تم منح الجائزة العام 2017 لرئيسة ليبريا السابقة حسب الغارديان اصحو يا نيام