الغناء السوداني.. حدود الإعجاب والعتاب بين المطرب وجمهوره
تستدعي واقعة المطرب السوداني المخضرم محمد الأمين مع جمهوره في حفلته الغنائية الأخيرة الانتباه إلى الغناء والطرب السوداني طبيعة وتميزا وواقعا وكلمات وألحانا، بدلا من أسر تلك الواقعة في دائرة الخفة والتندر والمزاح.
وسائل التواصل الاجتماعي جعلت من الواقعة بين المطرب المخضرم وجمهوره الذين يحلو لهم تسميته بـ”ود الأمين” حادثة عابرة للسودان وحدوده الواسعة لتجذب اهتماما عربيا لكنه لا يتعدى دائرة المزاح العابر الضيقة.
تماهى الجمهور مع كلمات أغنية “زاد الشجون” التي كان يشدو بها خلال حفل أقيم على مسرح نادي الضباط بالخرطوم، إلى حد التوحد معه لكن المطرب العريق لم تعجبه تلك الحالة التي وجدها غير لائقة مع الكلمات واللحن فتوقف فجأة معاتبا جمهوره ومخيره بين أن يستمر هو في غنائه أم يكتفي هو بغنائهم قائلا “يا تغنوا أنتوا يا أغني أنا”.
تلقائية السودانيين
لم يشذ ود الأمين في غضبه وعتابه ولم يشذ جمهوره ومحبوه عن السمة المميزة للشعب السوداني وهي التلقائية في التعبير عن الرأي بسرعة ومن دون حسابات، حيث بدا الاثنان شديدي الوفاء لتلك السمة.
التلقائية إذن كانت القاسم المشترك بين المطرب السوداني وجمهوره رغم واقعة الحفل التي ظهر فيها المطرب محتدا على جمهوره لكنها حدة المحبة والوفاء للجمهور واللحن والكلمات والأداء.
المطرب محمد الأمين (73 عاما) ينتمي إلى جيل، وغالبية الجمهور الذين احتد عليهم معاتبا ومتوقفا عن الغناء ينتمي إلى جيل آخر.
فالجيل الذي ينتمي إليه يضفي حرمة على الغناء ومسرحه تجعل تدخلات الجمهور لكلماته اضطرابا وإخراجا له من الحالة الطربية التي يعيشها خصوصا مع هذا النوع من الألحان والكلمات والأداء الذي لم تصبه فوضى الأداء الغربي التي وصلت إلى غير مكان في عالمنا العربي.
زاد الشجون
ويبدو أن ود الأمين حديث عهد بهذا الجيل من جمهور الغناء في السودان الذي لم يشذ عن غيره في غير مكان من عالمنا العربي حيث يردد الجمهور والمغنون كلمات أغانيهم معا.
لكن مطرب السودان يرى أن هذا لا يتلاءم مع لحن وكلمات “زاد الشجون” حيث يرى أنه يضيف في كل مرة يغنيها تفاصيل لحنية وإحساس بالكلمة ويقر في الوقت نفسه -متصالحا مع جمهوره- بأنه لا يمانع من ترديد الجمهور كلمات أغانيه في أغاني أخرى ليست “زاد الشجون منها”.
ومع اختلاف في التفاصيل والسياق تذكر واقعة عتاب ود الأمين لجمهوره باشتباك المطرب المصري الراحل عبد الحليم حافظ مع أفراد من جمهوره خلال حفل أغنية “قارئة الفنجان” في منتصف سبعينيات القرن الماضي.
فوجئ عبد الحليم خلال تقديمه الأغنية بعدد من الجمهور يستخدم صفارات بلاستيكية فطلب منهم الكف عما يفعلونه لكنهم لم يستجيبوا لطلبه فما كان منه إلا مخاطبتهم قائلا “على فكرة أنا بعرف أصقف، وبعرف أتكلم وبعرف أزعق ثم قام بإطلاق صافرات باستخدام يده”.
أصوات وطنية
وتتطلب استدعاء حادثة عبد الحليم حافظ مع جمهوره وحادثة ود الأمين مع جمهوره التذكير بأن الاثنين عاشا قضايا وطنية في مراحل مفصلية من تاريخ بلديهما لا يزال وقع كلماتها حاضرا إلى اليوم كلمات ولحنا.
ود الأمين غنى لثورة أكتوبر/تشرين الأول الشعبية عام 1964 واشتهر بنشيد الملحمة، كما غنى لثورة مايو/أيار 1969 في بدايتها.
أعمال وألحان وأغاني ود الأمين حاضرة في مسيرته الفنية المتواصلة التي بدأت مبكرا تحمل جزءا منها ملامح لتاريخ وواقع السودان السياسي والاجتماعي والثقافي.
واصل محمد الأمين إبداعه المنطلق من ارتباط صميم بوطنه بظهوره بعدد من الأناشيد الوطنية والثورية ارتبطت بنضالات قومية مما قاد لاعتقاله وزميله الفنان محمد وردي في العام 1971م عقب اندلاع الثورة التصحيحية التي قادها الرائد هاشم العطا ليزجا في المعتقل إبان قبضة الأمن المايوي المنحل، ومن هذه الأعمال نشيد “المبادئ” لفضل الله محمد:
مبدأ الحرية أول
لن يحور..لن يؤوّل
والنظام سكة حياتنا
مهما درب السكة طول
إلى ذلك قدم “السودان الوطن الواحد، تحية أكتوبر ومساجينك” للشاعر محجوب شريف:
مساجينك.. مساجينك نغرد في زنازينك..
عصافير مجرحة بسكاكينك..
نغني ونحن في أسرك..
وترجف أنت في قصرك..
ولما تهب عواصفنا..
ما حيلة قوانينك..
مجدي مصطفى
المصدر : الجزيرة