رأي ومقالات

محمد حامد: كم مفجع ان تحس فعلا ان السياسة في هذا البلد حركة (قردية)!

كنا صغارا ؛ في المرحلة الإبتدائية ؛ لست اذكر العام لكني اتذكر رجل اظنه من مجلس الآباء او قيادات العمل الوطني ؛ او هكذا تسمى ؛ لست أدرى اذ لم نطلع حولها على عورات السياسة ؛ جاء ذاك الشخص ونظم ذات ظهيرة حشدا وشد قوائم المدرسة في حالة قلق صاخب ؛ قال ان الرئيس (نميري) سيزور المدرسة وقد فعل (رويت هذا قبلا) وعلى انسحاق ذاكرتي فلا زلت استحضر ضمن مشاهد مختلفة مشهدين ؛ الاول ملامح ابو القاسم محمد إبراهيم ؛ كفه لقميص (الكاكي) شعار المظليين المندلي من جيبه او الملتصق عليه ؛ طريقته الطريفة القلقة في الالتفات باستمرار ؛ تدقيقه النظر على وجوهنا ؛ احسست لبرهة ان الرجل (يشم) صفنا ؛ حينما إقترب مني عبرني ثم عاد ؛ حدق في ملامحي لدقائق ، جعلتني احفظ ملامحه (صم) !

لون مختلط بين الحمرة والخلاسية الفاقعة ؛ شبح إبتسامة مرتخية الاطراف ؛ اذنين عريضين ؛ طيف شامة او نخلة او هكذا خيل لي في بعض وجهه ، صلع خفيف لم تستره إمالة (البوريه) الذي ارتخت منه ذائبة مثل خصلة على جبين ؛ واذكر في المشهد الثاني ، مطلع رجل العمل الوطني ؛ كان يرتدي جلبابا وصندلا وقد وضع العمامة على كتفه ؛ اظنها سقطت من مقام الراس بفعل هتافه المتكرر وهو يشحذ همتنا (ابوكم مين ) كان يجر النداء حتى ظننت انه سيلقي مصرانه عبر فمه ؛ كنا نرد في نزق طفولي (نميييييري) ،

مضت تلكم الساعات وبعدها بسنوات او اقل من حزمة تلك الفئة في حساب الايام ؛ وذات صباح راينا رجال وشباب الحي يرملون بين الازقة والطريق العام حيث (الزلط) كان رجل العمل الوطني ذاته يقود رهطا من اصحاب القبضات يهتفون ؛ ما فهمنا منه انهم يشتمون (ابونا) الذي دعونا للهتاف باسمه ، تغير شكل الرجل ذاك الصباح ؛ ظهر في قميص وبنطال واستبدل العمامة بغصن (نيم) ! يهز فيتساقط ثمر التعابير التي نسيتها الان ولكن المهم انها كانت بعض أدب الانتفاضة ! ابريل 1985 ؛

بعد اشهر حرت حينما كان الشخص نفسه قد صبغ حوائط منزله بلون علم السودان القديم ، وكتب نصا صغيرا عن (أشقاء) لم ارهم في الحي ؛ لم نكن ندرك في السياسة امرا او قطعا ؛ لكنها كانت فترة جعلت ليالي سمرنا صاخبة ، اذ يحضر اناس ويقيمون ليالي للحديث الطويل والاشعار ، كما اكتشفنا من الانصات لبعض مجالس الكبار تحت الشجرة العريضة ان ازقتنا كانت تضم مناضلين عذبوا وقطعوا من خلاف وصلبوا في جزوع الشجر ، بالحكايا بالطبع اذ لم ارى اي منهم (عضيرا) ؛

ثم مرت اعوام قليلة كنا في اول الثانوي حينما هبط البشير بمظلته ؛ بدا مفاجئا لي ان ذات الرجل ؛ رجل العمل الوطني ؛ وذات الثرثاون قد تحولوا الى أعضاء لجان شعبية ؛ وتصدروا مجالس (ثورة الانقاذ ) وهذه. المرة اضافوا الى فتوحاتهم الالتحاق بلجان المساجد والناشئين ؛ تركوا (ابونا) و(الاشقاء) وصاروا من نسخة (العهد الجديد) ويبدو ان حظوظهم الجديدة كانت ذات ثمار رطبة ؛ اذ ارتقى بعضهم وترقى ؛ فحلت عليه بركات السماء والارض مزينة وجهه بلحية ملوكية الحواف ؛ ولست ضد قانون النشوء والتطور ؛ في السياسة لكن كم مفجع ان تحس فعلا ان السياسة في هذا البلد حركة (قردية) كلما انكسر غصن التحق قرد ما ما بالفرع الجديد !

بقلم
محمد حامد جمعة

تعليق واحد

  1. ملخص السياسة

    أن تكون حربائيا ، تغير لونك مع كل تغيير

    أن تكون مهرجا تمتلك كمية من الأقنعة لتبدل وجهك مع كل مرحلة

    والمبادئ ؟

    ما أرخص المبادئ في سوق السياسة !!