عالمية

كيف سترد موسكو على “إهانة بوتين”؟

“إهانة رئيس روسيا أمر غير مقبول ومرفوض.. والضربات لن تمر دون عواقب”، بهذه الكلمات علق السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنطونوف على الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا للنظام السوري فجر اليوم السبت، وسط تساؤلات عن الكيفية التي سترد بها موسكو.
فبلهجة بدت غاضبة، نقلت رويترز تغريدات كتبها أنطونوف على حسابه في تويتر قال فيها “مرة أخرى نتعرض لتهديدات، وقد حذرنا من أن مثل هذه الأفعال لن تمر دون عواقب”، معتبرا أن ما جرى هو “سيناريو معد سلفا”.

وأضاف أن “الولايات المتحدة التي تملك أكبر ترسانة أسلحة كيميائية في العالم، ليس لها حق أخلاقي في إلقاء اللوم على دول أخرى”.

اللهجة الروسية الغاضبة عبّرت عنها كذلك المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، التي اتهمت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بأنها قوضت السلام في سوريا.

صواريخ ذكية
وعددت زاخاروفا ما اعتبرته مسار الأحداث الذي مرت به سوريا منذ عام 2011، وكتبت على صفحتها على فيسبوك “في البداية (الربيع العربي) اختبر الشعب السوري، ثم بعد ذلك
الدولة الإسلامية، والآن الصواريخ الأميركية الذكية”.

وتابعت “هوجمت عاصمة حكومة ذات سيادة تحاول منذ سنوات أن تعيش في مواجهة عدوان إرهابي”، وعلقت بالقول أيضا “لا بد أنكم غير أسوياء كي تهاجموا العاصمة السورية في اللحظة التي كانت أمامها فيها فرصة لتحقيق مستقبل يسوده السلام”.

وبعيدا عن الردود المبكرة وفي انتظار ردود الكرملين وكبار المسؤولين الروس، فإن موسكو بدت وكأنها “استوعبت الضربة” التي لم تتجاوز مدتها خمسين دقيقة، وحرص فيها التحالف الثلاثي على عدم استفزازها، فضلا عن استهدافها بشكل مباشر.

ويصف مراسل الجزيرة في موسكو زاور شوج ردود الفعل الروسية الأولية على الضربات التي تعرضت لها سوريا اليوم، بأنها كانت “أقل حدة” من ردود الفعل التي ظهرت بعد استهداف الولايات المتحدة مطار الشعيرات في أبريل/نيسان من العام الماضي.

كما يشير إلى أن وسائل الإعلام الروسية تصف الضربات على مواقع للنظام السوري بأنها “استعراضية”، بالرغم من اتساع الأهداف التي تعرضت للقصف مقارنة بالضربة الأميركية العام الماضي.

غير أن الكلام المفيد الذي يمكن أن يحدد كيفية الرد الروسي العملي على الضربة، جاء عبر رسائل غير مباشرة من وزارتي الدفاع الروسية والأميركية.

فقائد الأركان الأميركي الجنرال جو دانفورد قال -في مؤتمر صحفي عقده في البنتاغون إلى جانب وزير الدفاع جيمس ماتيس فجر اليوم السبت- إن “حلفاء الولايات المتحدة حرصوا على عدم استهداف القوات الروسية المنتشرة في سوريا”، بالرغم من تشديده على أن روسيا “لم تتلق تحذيرا مسبقا قبل شن تلك الضربات”.

كما حرص المسؤول العسكري الأميركي الرفيع على التأكيد على “عدم وجود خطط لعمليات عسكرية أخرى في الوقت الراهن”.

هذه الرسالة الأميركية بعدم السعي لاستفزاز موسكو ردت عليها وزارة الدفاع الروسية بالتأكيد أن أكثر من مئة صاروخ أطلقها التحالف الثلاثي، لم تمر من فوق قواعدها في سوريا.

وقالت الوزارة في بيان إن صواريخ الولايات المتحدة وحلفاءها لم تخترق مناطق مسؤولية الدفاعات الجوية الروسية التي تؤمن حماية قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية الروسيتين.

وزارة الدفاع الروسية أكدت أن صواريخ التحالف الثلاثي لم تعبر من فوق قواعدها في سوريا (أسوشيتد برس)من فوق رؤوس الروس
كما أكدت الوزارة أن قصف الأهداف السورية تم من بارجتين أميركيتين في البحر الأحمر، ومن طائرات من أجواء البحر المتوسط، في تأكيد على أنها لم تمر من فوق رؤوس جنودها في اللاذقية وطرطوس.

وأعلنت أن سوريا تمكنت من التصدي للصواريخ التي أطلقت على أهدافها، وأنها تمكنت من إسقاط العديد من الصواريخ بعد أن استخدمت “أنظمة سوفياتية قديمة”.

ونفت وزارة الدفاع الروسية بشدة مشاركة أنظمة دفاعها في التصدي للهجمات الصاروخية التي تعرضت لها سوريا، وهو ما أثار علامات استفهام برأي الخبير الإستراتيجي مأمون أبو نوار عن أسباب عدم تصدي الروس للصواريخ الأميركية والغربية كما هددوا بذلك على مدى الأيام الماضية.

أبو نوار قال في حديث للجزيرة اليوم إن التوقعات تشير إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها قرروا من البداية عدم استهداف المواقع الروسية أو استفزازها.

وبرأيه فإن عدم مرور صواريخ من فوق قاعدتي حميميم وطرطوس هدف لعدم استفزاز موسكو التي كان يمكن أن تطلق مضاداتها باتجاهها مما قد يخلف مواجهة بين الطرفين، إضافة لتجنب وقوع أخطاء قد تؤدي لسقوط هذه الصواريخ على الأهداف الروسية.

ولم يستبعد أبو نوار وجود تنسيق أميركي روسي سبق الضربة من نوعية تحديد مواقع وجود القوات الروسية لمنع استهدافها من قبل واشنطن.

وبرأيه فإن كلا الطرفين الأميركي والروسي أكدا اليوم على الأرض أنهما لا يريدان الانجرار وراء مواجهة مباشرة ستؤدي لتهديد خطير وغير مسبوق للأمن والسلم العالميين.

لكن أبو نوار لم يستبعد أن تتخذ موسكو خطوات عملية للرد على ضربات واشنطن وحلفائها، لكنه اعتبر أنها لن تكون عسكرية مباشرة.

وقال إن موسكو قد ترد عبر هجمات إلكترونية تستهدف الاتصالات وأنظمة التشويش على القوات الأميركية وتحركاتها في المنطقة.

لكن الأخطر برأيه أن تقرر روسيا وقف عمل الخط الساخن بين الضباط الأميركيين والروس للعمليات في سوريا، وقال “مثل هذا القرار سيضاعف من أخطار اشتباك الطرفين وسيدخلنا في مرحلة جديدة وغير مسبوقة من التهديد”.

وبين ضربات التحالف الثلاثي “المحدودة” وردود موسكو البعيدة عن التصعيد، يبقى السؤال عما إذا كانت المواجهة بين الأطراف المختلفة ستنتقل للقنوات الدبلوماسية، وستحدد الأيام القادمة إجابات بشأن ما إذا كانت الضربات الجوية قد فرضت خطوطا حمراء جديدة، أم أن موسكو ستؤكد على الأرض أنها لم تنهزم في حربها الساعية لتثبيت أركان نظام بشار الأسد يوما بعد يوم.

المصدر : الجزيرة