هجوم أطلسي فاشل… والصواريخ السورية خيبت أمل إسرائيل
أخفقت الضربة الثلاثية التي قامت بها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضد سوريا في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية، واختلفت ردود الفعل الدولية بين مؤيد للضربة ومعارض لها ومن وقف على الحياد.
كتب الباحث عصام نعمان في مقال نشرته جريدة “البناء” اللبنانية أن “ثلاث دول أطلسية كبرى حاولت “تأديب” سورية مباشرةً وروسيا وإيران وحزب الله مداورةً، فانتهت محاولتها تمريناً عسكرياً مدوّياً بالفشل. ولعلّ أدقّ وأطرف توصيف للعدوان الثلاثي الأطلسي الفاشل ما أوردته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية:
“أطلقت أمريكا صواريخ جميلة وحديثة وذكية على سورية والنتيجة صفر”.
وتابع الكاتب “الفشل مدوٍّ، وعلى جميع المستويات: الإعلامية والعسكرية والسياسية. أخفقت أمريكا وحلفاؤها إعلامياً في إلصاق تهمة استعمال سلاح كيميائي بسورية بدليل مسارعتها إلى تنفيذ العدوان قبل ساعات قلائل من مباشرة بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الدولية تحقيقاً في دوما بشأن اتهامٍ لسورية مجردٍّ من أي إثبات.
وأخفقت عسكرياً بنجاح الدفاعات الجوية السورية في اعتراض وإسقاط 71 صاروخاً من مجموع 103 أطلقتها طائراتها وسفنها الحربية من مواقع وقواعد برية وجوية وبحرية قائمة في دول عربية “شقيقة”.
وأخفقت سياسياً ببقاء سورية، نظاماً ورئيساً وجيشاً وشعباً، متماسكة ما مكّنها من ترجمة صمودها تأييداً جماهيرياً واسعاً في الداخل وفي عالم العرب والعالم الأوسع.
وأضاف الكاتب “فشل العدوان الأطلسي الثلاثي يطرح سؤالاً مفتاحياً على أمريكا وحلفائها، كما على سورية وحلفائها: ماذا بعد؟
ورأى أنه ثمة ثماني حقائق سيجد أطراف الصراع الإقليمي والدولي أنفسهم مضطرين الى أخذها في الحسبان عند اجتراح مواقف وسياسات جديدة:
أولاً، إسرائيل تشعر بخيبة عميقة. كانت قيادتها السياسية والعسكرية تمنّي النفس بأن تشمل أمريكا بعدوانها مواقع عسكرية إيرانية في سورية، تمهيداً لتعاون ثنائي يستهدف إيران ذاتها في قابل الأيام. الحقيقة أن أمريكا هاجمت بصواريخها مطاري الضمير و T-4العسكريين، لكن الدفاعات الجوية السورية اعترضتها ومنعتها من تحقيق أغراضها. وكان نتنياهو برّر قيام إسرائيل قبل نحو أسبوع بغارةٍ صاروخية على مطار T-4 بقوله: “يحق لك أن تقتل من يعمل على قتلك”، فهل يعمد لاحقاً إلى استعمال سلاح دمار شامل وقاتل ضد إيران بدعوى استباق قيامها بردٍّ قاسٍ على مقتل 7 من جنودها خلال الاعتداء الصاروخي الإسرائيلي على المطار المذكور؟
وتابع الكاتب “ثم، هل يشارك حزب الله من خلال قواعده في سورية ولبنان بالردّ الإيراني المحتمل على إسرائيل؟ وهل تُقدم إسرائيل في حال تعرّضها لأضرار بشرية ومادية جسيمة، إلى استعمال أسلحة دمار شامل كيميائية أو نووية ضد إيران بقصد تدميرها وإخراجها من حومة الصراع؟ وماذا ستكون طبيعة الردّ الروسي، إذا جاء الفعل العسكري الإسرائيلي على درجة عالية من الضخامة والقسوة؟ هل تتدخّل موسكو في الحرب للحؤول دون هزيمة حليفيها السوري والإيراني؟ وفي هذه الحالة، كيف ستكون ردة فعل أمريكا؟ هل ستكون مستعدّة فعلاً للانزلاق إلى حرب كونية مدمرة قد تمتد مسارحها من غرب آسيا إلى شرقها، ومن شواطئ شرق المتوسط إلى شواطئ بحر قزوين وربما إلى غرب أوروبا أيضاً؟.
ثانياً، إيران استنكرت العدوان الثلاثي وكررت التزامها دعم سورية وقوى المقاومة الحليفة. غير أن تحدياً طارئاً يستحوذ على قادتها قبل العدوان الأخير وبعده. إنه الاعتداء الإسرائيلي على قاعدة “شاهد” قرب مطار T-4 قبل أسبوع ما أودى بحياة 7 من جنودها. مسؤولون إيرانيون عدّة نددوا بالاعتداء وبعضهم توّعد بردٍّ ثأري. وتسائل الدكتور نعمان “هل تنتقم إيران من اسرائيل، وكيف؟ خبير استراتيجي قريب من سورية ومن قوى المقاومة المتحالفة معها أكد أن إيران ستردّ عاجلاً أو آجلاً”.
ثالثاً، السعودية أيدت العدوان الثلاثي عشية افتتاح القمة العربية الـ 29 في الظهران. ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان كان أبدى استعداد بلاده للمشاركة في ضربةٍ أمريكية لسورية رداً على استخدامها المزعوم لسلاح كيميائي.
رابعاً، تركيا فاجأت روسيا وإيران بدعمها المكشوف للعدوان الثلاثي على سورية. وروسيا وإيران لن تراعيا تركيا على حساب سورية ومصالحها وتصميمها على استعادة سيادتها على كامل ترابها الوطني. ولعل نهجهما في المستقبل القريب سيتمثل في تصعيد المطالبة بسحب القوات الأمريكية من منطقة التنف ومن شمال شرق محافظة دير الزور، كما من كامل محافظتي الرقة والحسكة. ولا شكّ في أن إخراج أمريكا من سورية يسهّل إخراج تركيا لاحقاً.
سادساً، أمريكا اعتبرت، بلسان ترامب، أن المهمة المطلوبة من وراء العملية قد أنجزت. هل أنجزت حقاً؟ ماذا سيكون موقفها من إيران وقواتها في سورية إذا قامت بإلغاء الاتفاق النووي؟ هل تسحب قواتها من سورية كما لمّح ترامب مراراً أم تجاري إسرائيل بضرورة التصدي لإيران وتدميرها حمايةً لأمن الكيان الصهيوني ولمستقبل النفوذ والمصالح الأمريكية في منطقة غرب آسيا؟ لذا لا يمكن تلمّس مفاصل سياسة أمريكا بعد العدوان إلاّ في ضوء المواقف التي سيتخذها ترامب من التحديات السابقة الذكر.
سابعاً، روسيا وسورية نجحتا في توجيه لطمة قاسية جداً لأمريكا في بلاد الشام، ستنعكس سلباً على نفوذها في منطقة غرب آسيا. غير أن موسكو تعلم أن واشنطن لن تكتفي بلعق جراحها وأنها ستعاود ضغوطها على سورية من خلال الكرد المتعاونين معها، كما تركيا الراغبة في التعاون أيضاً في إطار تسوية تراعي مصالح الطرفين. في ضوء هذه التحديات ستجد روسيا نفسها مضطرة إلى تكثيف تسليح سورية بمنظومة S-300 للدفاع الجوي تحسباً لأي عدوانٍ أطلسي جديد أو لعدوان إسرائيلي يتم بالتواطؤ مع أمريكا لمهاجمة إيران.
ثامناً، محور المقاومة بأطرافه جميعاً، ولا سيما “حزب الله”، حريص على مقاربة التحديات التي تواجه سورية والعراق في سياق التصدّي لاحتلال إسرائيل لفلسطين واعتداءاتها المتواصلة على دول الجوار، وخاصة سورية ولبنان الأمر الذي يضطرها إلى مطالبة إيران وروسيا بتكثيف تسليحها لصد الإعتداءات الإسرائيلية من جهة ولوضع حدٍّ لاستباحة سلاح الجو الإسرائيلي أجواء لبنان عند مهاجمته سورية من جهة أخرى.
بكلمة، الصراع في سورية وعليها سيزداد ويتعقّد نتيجةَ العدوان الثلاثي، وقد يتطوّر إلى صراع ساخن بين أمريكا وروسيا.
اسبوتنك