كيف تجسست أجهزة منزلية ذكية على مالكتها؟
طوال شهرين في مطلع العام الجاري، سمحت الصحفية المتخصصة في التكنولوجيا “كشمير هيل” لأجهزة منزلية بسيطة بالتجسس عليها.
كانت الصحفية قد حولت شقتها الصغيرة ذات الغرفة الواحدة إلى “منزل ذكي”، وبدأت في قياس مقدار المعلومات التي تجمعها الشركات المصنعة لهذه الأجهزة.
بدأت الخيانة من فرشاة الأسنان الذكية التي فضحتها عندما أهملت تنظيف أسنانها، كما أن جهاز التلفزيون كشف أنها قضت يوما كاملا منغمسة في مشاهدة البرامج، أما جهاز الاتصال الصوتي الذكي (أو السماعة الذكية) فكان يتصل يوميا بشركة أمازون، أكبر مؤسسة في العالم للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت.
وتصف الفترة التي عاشتها بهذه الطريقة بأنها كانت تشبه “العيش في حالة مراقبة تجارية، لم تصمت خلالها الأجهزة الإلكترونية ساعة واحدة”.
الأجهزة المنزلية الذكية “سلاح فتاك” بيد قراصنة الإنترنت
وتحدثت كشمير، المحررة الصحفية في موقع “غيزمودو” المتخصص في أخبار التكنولوجيا، عن تجربتها في واحدة من المناقشات التي ترعاها مؤسسة “تيد” TED.
وأعدّت زميلتها، سورايا ماتو، جهاز توجيه إنترنت ( router) خصيصا لمراقبة الأجهزة التي تتنصت على حياتها. وتوصل الاثنان إلى أن الأجهزة كانت تكشف الكثير من المعلومات عن حياتها.
وتقول كشمير “(جهاز الاتصال الصوتي الذكي) أمازون إيكو كان يتصل بخوادم شركة أمازون كل ثلاث دقائق، بينما كان التليفزيون يرسل معلومات عن كل البرامج التي كنا نشاهدها عبر خدمة هولو التليفزيونية، والتي بدورها تقدم المعلومات لسماسرة البيانات”.
ومع هذا فإن مصدر القلق الأكبر لم يكن حجم المعلومات التي تم نقلها، وإنما حجم المعلومات التي لا يمكن لصاحبة المنزل تعقبها.
“سمارت هوم”: نظام جديد لسامسونغ يتحكم في أجهزة المنزل عبر ساعة ذكية
وتقول كشمير “بالنسبة للبيانات الأخرى، لا أعرف أين تم تداولها في النهاية”.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، شغلت قضية غياب الشفافية عن مصير الكم الهائل من معلومات وبيانات المستخدمين التي تحصل عليها الأجهزة الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي اهتمام العالم وحظيت بتركيز كبير.
ومازال موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي يخضع لتدقيق شديد بعد الكشف عن حصول شركة التسويق “كامبردج أناليتيكا” على معلومات عن ما يصل إلى 87 مليون مستخدم، بدون معرفتهم.
فضيحة اختراق بيانات فيسبوك طالت 87 مليون مستخدم
لكن في الوقت الذي يستعد بعض المستخدمين للتغاضي عن الوصول السهل لبياناتهم من خلال الخدمات المجانية مثل غوغل وفيسبوك، فإن كشمير تشعر بأن هذا أمر خاطئ، وذلك من خلال تجربتها مع الأجهزة الذكية.
وقالت “منزلي الذكي لم يكن مريحا. الأجهزة لم تكن مجدية، فجهاز إعداد القهوة الذكي كان سيئا جدا، وجهاز أليكسا الصوتي لم يفهمنا. ما استخلصته (من التجربة) هو أن مقايضة الخصوصية لا تستحق هذا”.
قد يكون الضوء مسلطا على شركة فيسبوك في الوقت الحالي، ولكنها لم تكن أولى الشركات التي يتم رصدها تسيء التعامل مع بيانات المستخدمين.
في عام 2017، دفعت شركة فيزيو، المصنعة لأجهزة التليفزيون الذكي، 2.2 مليون دولار لتسوية قضية رفعتها الوكالة الفيدرالية للتجارة في الولايات المتحدة، بعد اتهام الشركة بتثبيت برنامج لجمع معلومات عن ما يتم مشاهدته في 11 مليون جهاز، بدون معرفة أو موافقة المستخدمين.
وبالإضافة إلى هذا، جمعت الشركة بيانات الإنترنت الخاصة بمستخدمي أجهزتها، وكذلك نقاط الوصول القريبة إلى الإنترنت اللاسلكي (واي فاي) والرمز البريدي. وتداولت فيزيو هذه المعلومات مع شركات أخرى لاستهداف المستخدمين بإعلانات مصممة خصيصا.
إنتاج أول مساعد منزلي ذكي بالأوامر الصوتية في الصين
وفي أغسطس/ آب 2016، كان هناك مثالا بارزا عن سوء استخدام البيانات، عندما كشف قراصنة في مؤتمر “ديف كون” للأمن عن أن جهاز وي-فايب للاستخدام الشخصي، الذي تنتجه شركة ستاندرد انوفاشن، كان ينقل بيانات المستخدمين للشركة وهو قيد الاستعمال.
وتقول الصحفية كشمير عن هذا “من المثير أن القضية تتمحور حاليا حول فيسبوك، لكنها أكبر وأوسع من هذا بكثير”.
وتضيف “نستخدم منصات عبر هواتفنا الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي التي تقدم لنا تطبيقات من طرف ثالث ولم نتمكن حتى الآن من معرفة شروط هذا أو حدود مسؤولية الشركات عن هذه التطبيقات وعملها لإبقاء بياناتنا آمنة”.
ومن المرتقب أن يتغير كل هذا قريبا في أوروبا مع إقرار البرلمان الأوروبي قانون تنظيم حماية المعلومات العامة، الذي يعد المستخدمين بسيطرة أكبر على بياناتهم.
أما الموقف في الولايات المتحدة فهو مختلف تماما حاليا، إذ أن المواطنين لا يملكون حق الاطلاع على المعلومات التي تحصل عليها الشركات عنهم.
لكن ولاية كاليفورنيا، مقر غالبية شركات التكنولوجيا الكبرى، تدرس حاليا قانونا سيتيح للمستخدمين الاطلاع على بياناتهم ويمكنهم من طلب عدم بيعها.
وبالنسبة للصحفية كشمير فإن التغييرات في أوروبا لن تحدث قريبا بالصورة الكافية.
لكن حتى يحدث هذا، فهي ليست مستعدة للتخلي تماما عن تجربة العيش في منزل ذكي.
وتقول “سنحتفظ بجهاز إيكو والتليفزيون الذكي. لا أحبهما على الوجه الأكمل، لكنهما سيبقيان في منزلنا”.
وتضيف “أملي هو أن نصنع منتجات في المستقبل… أجهزة ذكية مزودة بضمانات لحماية الخصوصية”.
بي بي سي عربية .