عالمية

“قودي والزمي الصمت” رسالة ابن سلمان المتناقضة للنساء

تناول تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية التناقض الحاصل في سياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تجاه قضية المرأة، ففي الوقت الذي سمح فيه للمرأة بقيادة السيارة التي كانت ممنوعة منها طيلة عقود، فقد شن حملة ضد ناشطات شاركن بأنشطة للمطالبة بحقوق النساء في المملكة.

وقالت المجلة في التقرير الذي ترجمته “عربي21” إنه من المرجح أن تشهد ست ناشطات سعوديات، من اللاتي شاركن في مسيرة الكفاح من أجل حق النساء في القيادة، على تتويج نضالهن وهن داخل السجن. فقد تم يوم الثلاثاء 15 أيار/ مايو، أي قبل شهر واحد من تاريخ دخول المرسوم الملكي المتعلق بالسماح للسعوديات بالقيادة حيز التنفيذ، إيقافهن بتهمة “تقويض الوحدة الوطنية” و”المس باستقرار البلاد”.

تُشكل عملية الاعتقال مفارقة، تكشف حدود عملية الإصلاح التي أطلقها ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، نجل العاهل سلمان. وتقدم الصحافة الحكومية رجل المملكة القوي في صورة حاكم حداثي، يبذل قُصارى جهوده من أجل إنعاش البلاد على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ومن جهته، أفاد الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، الذي يعيش في منفاه في الولايات المتحدة الأمريكية، بأن “عملية الاعتقال هذه تعكس غطرسة السلطة، فابن سلمان لم يكن في حاجة للقيام بخطوة مماثلة أبدا”.

تعكس المتمردات الست، اللاتي تم التسويق لهن عبر شبكات التواصل الاجتماعي على أنهن “خائنات” يعملن لحساب “سفارات أجنبية”، عراقة حركة الدفاع عن مطالب النساء في المملكة العربية السعودية. ونجد من بينهن، رائدات في الحركة النسوية السعودية، شاركن في عملية القيادة “الهمجية” سنة 1990، التي تعتبر الأولى من نوعها في المملكة. وللتذكير، نُظمت هذه العملية بالتزامن مع انتشار قوات الجيش الأمريكي في المملكة تمهيدا لحرب الخليج الأولى.

تنتمي أربع ناشطات تتراوح أعمارهن بين 60 و70 سنة، وهن عائشة المانع ومديحة العجروش وحصة آل الشيخ وعزيزة اليوسف، إلى طبقة اجتماعية ثرية، كما أنهن حاصلات على شهادات عليا. وذكرت منال الشريف، وهي سعودية مقيمة في المنفى في أستراليا، في تغريدة على تويتر أن هؤلاء المعتقلات “يُمثلن قدوة للعديد من السعوديات”. وأضافت الشريف في تغريدتها: “لقد نجت عائشة المانع من نوبة قلبية تعرضت لها سنة 2017، وسخرت هذه السيدة كل ثروتها لتعليم النساء. لهذا، يبدو اتهامها بالخيانة طرفة حقيقية. أنا أشعر حقا بالخجل مما يحصل في السعودية”.

إلى جانب رائدات القضية، تظهر أيضا سيدتان شابتان ستكونان من بين قائدات هذه الحركة النسوية مستقبلا، وهما إيمان آل نفجان، البالغة من العمر 28 سنة، ولجين الهذلول، التي لم تتجاوز سن الثلاثين. وعلى غرار بقية الناشطات، تم سجنهما في مناسبات عديدة، طيلة السنوات الأخيرة بعد انتهاكهن قانون حظر القيادة على النساء. وتم أيضا اعتقال ثلاثة رجال من المتعاطفين مع هذه الحركة، وهم: محامي لجين الهذلول إبراهيم المضيمعي (81 سنة)؛ ومحمد رابية، منظم صالون أدبي مؤيد للقومية العربية، وهي الأيديولوجيا التي لا تلقى صدى كبيرا في السعودية، خاصة في هذه الفترة التي تشهد فيها الرياض تقاربا سريا مع إسرائيل؛ فضلا عن الإعلامي عبد العزيز آل المسيهل.

لم يتم الجزم بعد بشأن السبب الكامن وراء هجوم السلطات. ولكن الفرضية الأكثر رواجا تُفيد بأن حملة الاعتقال تهدف إلى التأكد من عدم إدلاء تلك النساء “سليطات اللسان”، بأي تصريح للصحفيين الأجانب، الذين سيحلون بالبلاد في 24 من حزيران/ يونيو القادم ليشهدوا تكريس حق المرأة السعودية في القيادة. وصرحت إحدى النساء المنتميات للحركة النسوية، التي أدلت باسم مستعار، بأن “محمد بن سلمان لا يريد ترك المجال لأي شخص آخر باستثنائه، للتدخل في هذه العملية”، بعبارة أخرى: “قودي والزمي الصمت”.

انفتاح اجتماعي وتضييق استبدادي

بعد بضع ساعات من إعلان المرسوم الملكي في شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2017، تلقت العديد من هؤلاء النساء “المزعجات” اتصالات هاتفية من السلطات، تجبرهن فيها على عدم التحدث لوسائل الإعلام. ومن المستبعد جدا أن يؤثر نشاطهن “المزعج” على قرار القادة السعوديين، حيث يتزامن الانفتاح الاجتماعي تحت وصاية الأمير محمد بن سلمان مع التضييق الاستبدادي. ويشير تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى أنه منذ سنة 2014، ارتفع عدد النساء المعتقلات بطريقة عشوائية، دون قضايا أو اتهامات واضحة.

خلال شهر آذار/ مارس، واجهت لجين الهذلول العديد من المشاكل بسبب الانغلاق السياسي. ففي الوقت الذي كان فيه محمد بن سلمان يستعد لرحلته إلى الولايات المتحدة التي دامت ثلاثة أسابيع، بهدف الترويج لمشروعه الإصلاحي “رؤية السعودية 2030″، تم إيقاف هذه الناشطة الشابة. وكان ذلك على مستوى الطريق السريع في مدينة أبو ظبي، الإمارة المجاورة للمملكة، حيث تُعد هذه الشابة رسالة الماجستير. عقب ذلك، أُرسلت لجين الهذلول إلى السعودية تحت حراسة مشددة، حيث أمضت العديد من الأيام خلف القضبان قبل أن يتم إطلاق سراحها مع منعها من السفر واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي.

قد يعود اعتقال الهذلول، الذي يبدو كاستعراض لقوة السلطات، إلى التغريدة التي نشرتها الناشطة السعودية، والتي دعت فيها ولي العهد السعودي إلى “إعادة فتح ملفات سجناء الرأي”. أما بالنسبة لاعتقال الناشطات يوم 15 أيار/ مايو، فربما يرتبط بنضال أغلبية المعتقلات من أجل إنشاء منزل للسعوديات من ضحايا العنف المنزلي. وبخصوص هذا الملف، أفاد مصدر رفض الكشف عن هويته بأن “هؤلاء الناشطات يسعين إلى إقامة مكان يحتضن النساء المعنفات. وكاد هذا المشروع أن يتوقف في شهر أيلول/ سبتمبر، عقب اعتقال نائب أحد الوزراء، كان من بين داعميه. لكن هؤلاء النسوة عدن إلى إحيائه من جديد، الأمر الذي أزعج السلطات”.

أما الاحتمال الثالث والأخير الذي يُفسر عملية الاعتقال هذه فيتمثل في العمل على إلغاء الوصاية، الذي أصبح بمثابة هدف جديد تسعى المرأة السعودية إلى بلوغه منذ فوزها في قضية قيادة السيارة. فقد استهدفت موجة الاعتقالات أنصار إلغاء هذا النظام، الذي يحصر النساء في وضعية القاصرات. وعادة ما يُجبر هذا القانون النساء على الحصول على موافقة أولياء أمورهن (الأب أو الزوج أو الأخ) لقضاء شؤون الحياة اليومية، على غرار الزواج والسفر وفتح حساب مصرفي وما إلى ذلك. وفي سنة 2016، حصدت عريضة أطلقتها عزيزة اليوسف على “تويتر” تحت هاشتاغ “أنا ولية نفسي” 14 ألف توقيع في غضون أيام قليلة.

من شأن إجراء إصلاحي مماثل أن يدمر أحد الأركان الرئيسية للنظام الوهابي (وهو تيار إسلامي متطرف تعتمده المملكة العربية السعودية دينا للدولة). ومما لا شك فيه، تتعدى مسألة إلغاء الوصاية كونها مجرد تحرير للمرأة وسلوكها.

وقد أظهر محمد بن سلمان أنه لا يخشى المواجهة مع المتشددين. فبالإضافة إلى سماحه للمرأة بقيادة السيارة، فقد منحها مؤخرًا الحق في حضور الحفلات الموسيقية ومباريات كرة القدم والذهاب إلى السينما. وتجدر الإشارة إلى أن كل هذه الأمور لم تكن واردة قبل سنوات قليلة. لذلك، لن تكون موافقته في المستقبل على إلغاء الوصاية أمرا مستحيلا. ولكن في حال تم ذلك، فسيكون على طريقته الخاصة وفي الوقت الذي يُريده.

وأورد ستيفان لاكروا، المحلل السياسي والمختص في شؤون المملكة العربية السعودية أنه “تم تذكير الليبراليين، الذين صدقوا لبضعة أشهر أن مبدأ الحرية بات مكرسا في مجالات عديدة في السعودية، بأن محمد بن سلمان هو القائد الوحيد للبلاد. ولا يملك المجتمع أي رأي أو موقف في ظل حكمه. بعبارة أدق، يجب أن يصدر التغيير عن قمة الهرم، أما بقية المبادرات الأخرى فليست محل ترحيب”.

عربي21