«أنا منبوذة».. حكايات المتعايشات مع الإيدز
يواجه مرضى الإيدز ضغطًا نفسيًا لا حد له.. فما بين التعايش مع الفيروس والتوجس من التعامل مع الأهل والجيران، يقع المريض فريسة بين أنياب مجتمع قاسٍ.
صفحة مكتظة بحكايات من الاضطهاد والتمييز، ترصدها «المصرى اليوم»، عن سلوكيات التعامل مع مرضى الإيدز، لتبرز روايات وأسرار من واقع المجتمع مع المرض اللعين.
فيروس HIV، أو ما يعرف بالعوز المناعى، وفقًا لوزارة الصحة، بلغ عدد المصابين التراكمى به من عام 1986 حتى نوفمبر من العام الحالى 10 آلاف و550 مصابًا، بنسبة 0.01% من المصابين بالفيروس عالميا، طبقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة.
الصدفة وحدها ساقت «بسمة» – اسم مستعار – عند إجراء بعض التحاليل الطبية عام 2003، لمعرفة حقيقة مرضها: «الدكتورة أخبرتنى بأن نتيجة التحاليل إيجابية، وبأننى مصابة بالإيدز، وقتها حسيت بأن العالم توقف فى تلك اللحظة ومحدّش من أهلى عرف حقيقة مرضى لمدة كبيرة».
عانت «بسمة» خلال فترة طويلة من نظرات أسرتها، وخوفهم من انتقال المرض إليهم، خاصة أنهم يجهلون طرق انتقاله – فتضيف: «كانوا بيخافوا ولادهم يسلّموا علىَّ أو آخدهم فى حضنى.. وده كان مأثر علىَّ أكتر من المرض نفسه»، ولم تتوقف معاناتها عند هذا الحد، بل وصل الحال إلى رفض الأطباء التعامل معها: «كان عندى مشكلة فى الأحبال الصوتية ومحتاجة جراحة، لكن الدكتور طردنى من غرفة العمليات والمحاليل فى إيدى وطلب فلوس أكتر لتعقيم الأجهزة بعد الجراحة».
إصابة «بسمة» بالإيدز اضطرتها إلى تغيير مكان سكنها كل فترة، خاصة بعد معرفة الجيران بحقيقة مرضها، باكية: «للأسف ده المرض الوحيد اللى مرتبط بالسلوكيات عند الناس.. أنا عزّلت 3 مرات بسبب نظرات الجيران وكلامهم، وحاليًا فى المكان الجديد الحمد الله محدش له علم بمرضى».
أمّا «شيماء» – اسم مستعار – فاكتشفت أن عدوى الإيدز انتقلت إليها من زوجها بعد الانفصال عنه بشهر واحد، تحكى يائسة: «جوزى كان مخبى عليّا إنه مريض بفيروس نقص المناعة، وبعد انتقال المرضى ليّا دخلت فى حالة اكتئاب».
حتى تلك اللحظة لم تخبر «شيماء» أحدا من أصدقائها وجيرانها بأنها متعايشة مع الإيدز: «أخاف أقول للناس إنى مريضة بالإيدز حتى لا يتم اضطهادى، كما أننى أتعرض لمعاملة قاسية من الأطباء داخل المستشفيات».
تضيف: «أنا حامل فى ابنى بعد 6 سنوات جواز، لكن الدكتور رفض يتابع حالتى.. قالى مش بتعامل مع مرضى عندهم إيدز، هل ليس لنا حق فى العلاج كأى مريض؟».
لم يعد أمام «شيماء» حلًا سوى الكذب على الأطباء حتى تستطيع أن تلد مولودها الأول: «مش هفضح نفسى لأن إحنا بنعتبر المرض ده فضيحة، ويا رب ابنى يطلع سليم ومياخدش المرض».
«المحلول كان متعلق فى إيدى وكنت محتاجة عملية فى عينى وأول ما الدكتور عِرف إن عندى إيدز رفض إجراء العملية»، هكذا تروى «مها»، مستدركة: «مرة تانية كنت محتاجة أخيّط جرح فى إيدى وأول ما الدكتور عرف سابنى فى دمى وقالى معلش باعتذر ليكى».
ترى مها أن هناك تمييزا من الأطباء ضد مرضى الإيدز، متسائلة: «أليس من حقنا العلاج؟».
تؤكد سيمون سالم، ممثلة برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز، لـ«المصرى اليوم»، أنه وفقًا للمادة 18 من الدستور المصرى يصبح لكل مواطن الحق فى الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، كما تكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل، إلى جانب التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتضيف سالم أن الدولة تلتزم أيضًا بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطّى كل الأمراض، كما ينظّم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها، طبقًا لمعدلات دخولهم، ويجرّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، متعجبة: «العالم كلّه تفهم طبيعة الإيدز، عدا الدول العربية ومنها مصر، فمع الأسف ليس لدينا الوعى الكافى بالمرض، لكننا نحاول قدر الإمكان مساعدة السيدات فى بناء صداقات بينهن لإجراء نقاشات توعية، خاصة أن الأطفال ينتقل إليهم المرض بعد الولادة، والسيدات عن طريق أزواجهن بسبب العلاقات الجنسية غير المحمية أو الإبر الملوثة فى إدمان المخدرات، والمشكلة بالنسبة للمرأة أنها أكثر عُرضة للإصابة لأن جسمها مهيأ أكثر من الرجل». وتشير سالم إلى أنها لا تؤيد فكرة فتح مستشفيات خاصة لمرضى الإيدز، لأن ذلك يعرّضهم للوصم بشكل أكثر وضوحًا أمام المجتمع، موضحة أن الدول المتقدمة تتجه لدمجهم فى المجتمع، بعد التوعية بأن «الإيدز» مثل أى مرض.
وتتابع سالم: «نحن كمكتب إقليمى فى الأمم المتحدة هدفنا الأساسى مساعدة السيدات والتوجيه والتدريب لهن، كى يصبحن قادرات على مواجهة المشاكل، بجانب التوعية لمعرفة حقوقهن فى العلاج والدعم المادى، بالإضافة إلى الجمعيات الخاصة التى تساعدهن خلال الفترة الأولى للإصابة بالمرض، خاصة أن قضية الإيدز لها أبعاد دينية وثقافية واقتصادية ويجب على فئات المجتمع المدنى كافة أن تتحد لتفعيل القضية وتحقق أهدافها»، لافتة إلى المحاولات العديدة بالتعاون مع المجتمع المدنى لتوعية المجتمع وتغيير ثقافته لتقبل مرضى الإيدز، خاصة أنه ليس قاتلًا وله علاج متوفر داخل وزارة الصحة. وتؤكد سوس الشيخ، رئيس الجمعية المصرية لمكافحة مرض الإيدز، أنه خلال الفترات السابقة عانى المتعايشون مع الإيدز داخل المستشفيات، بسبب رفض الأطباء التعامل معهم، لكن الوضع تحسن إلى حدٍ ما.
تستكمل الشيخ: «ساعدنا فى تدريب مجموعة كبيرة من الأطباء فى بعض المحافظات، لإجراء العمليات الجراحية، بجانب طب الأسنان والتوليد، كما ساعدنا أيضًا فى إنشاء فرق طبية، وبالتأكيد هناك خدمات غير متاحة فى عموم مصر، فالوصمة المجتمعية وقلة الوعى بالفيروس سبب تلك المشاكل، لكن بالتوعية الجادة سنصبح كأى دول متقدمة تتعامل مع مرضى الإيدز».
أمّا الدكتور وليد كمال، مدير البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز بوزارة الصحة، فيوضح أن حق الصحة مكفول لجميع المرضى فى الدستور ولا يوجد أى قانون أو لائحة أو بنود تمنع علاج السيدات المصابات بالإيدز داخل المستشفيات، مستطردًا: «نتعامل مع جميع المرضى، وليس هناك فرق بين مرض وآخر، كما أن الإجراءات الاحتياطية البسيطة والروتينية كافية لمكافحة العدوى».
وطالب كمال، المريضات، بالتواصل مع مكتب الشكاوى أو خدمة المواطنين فى وزارة الصحة، حال رفض إجراء أى جراحة لهن داخل أى مستشفى، مشيرًا إلى اتخاذ كافة الإجراءات ضد الأطباء الذى يرفضون التعامل مع مرضى الإيدز.
المصري اليوم