تحقيقات وتقارير

هل يصادق عليه البرلمان .. النقد الأجنبي .. (بندول) القانون لصداع السوق الموازي


فى نوفمبر من العام الماضى أقر مجلس الوزراء تعديلات على مشروع قانون النقد الأجنبي قضت برفع العقوبة في التعامل غير المشروع بالنقد الأجنبي من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات مع الإبقاء على العقوبات الإضافية الأخرى المتعلقة بالغرامة ومصادرة النقد الأجنبي موضوع الجريمة.

وجاءت الإجراءات بعد تراجع سعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية وبلوغه مستوًى قياسيًا أمام الدولار الأمر الذي حدا بالرئيس عمر البشير للدعوة لاجتماع مع وزراء القطاع الاقتصادي لفرض إجراءات وعقوبات تصل لحد الإعدام للمتعاملين بالنقد الأجنبي ومهربي الذهب.

وقدم محافظ بنك السودان حازم عبد القادر مشروع قانون لمجلس الوزراء لتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي أجازه على الفور من حيث المبدأ، وأكد المجلس توجيهه بتشديد العقوبة، وأحال مشروع القانون لوزارة العدل لضبط الصياغة القانونية.

وكان المجلس الوطنى قد أجاز قبل سنوات التقرير المشترك للجان الشؤون المالية والاقتصادية والتشريع والعدل حول مشروع قانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي بعد أن أجرى عليه بعض التعديلات في السمات العامة بهدف المزيد من تنظيم العمل والرقابة والإشراف. وقالت اللجنة إن سياسة الانفتاح الاقتصادي وزيادة التحويلات على النقد الأجنبي في السودان أغرت مجموعات غير مرخص لها بالعمل في مجالات النقد بإنشاء سوق موازٍ للتعامل بالنقد الأجنبي في أماكن غير معتمدة.

إلا أن البرلمان دعا بنك السودان المركزي لممارسة مزيد من عمليات الإشراف والرقابة على المصارف خاصة في مجالات النقد الأجنبي.

وطالب الجهات المختصة بالعمل على مكافحة ظاهرة السوق الموازي للنقد الأجنبي خاصة وأنه يتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة للبلاد من خلال عمليات تهريب العملة إلى خارج السودان.

حملات

فى إطار الحملة الرئاسية التى أعلنتها الحكومة فى مواجهة من أسمتهم بالمفسدين إذ ثبت تورط البعض فى التلاعب بملايين الدولارات من حصيلة النقد الأجنبي والمضاربة بالعملة بالسوق الموازى، كلفت الحكومة مسؤولين بوزارة العدل وبنك السودان المركزى بإعداد قانون جديد للنقد الأجنبي.

وكانت الحملة التى قادتها الحكومة أدت إلى القبض على كثيرين منهم رجال أعمال ومتنفذون سابقون ومديرو مؤسسات مصرفية إضافة إلى عمليات إحلال وإبدال لحقت ببعض المواقع المصرفية العليا طالت بعضها بنك السودان المركزى نفسه. إضافة إلى ذلك كثفت الحكومة نشاطها الرقابى على بعض الشركات وحظرت عدد 19 شركة من الاستيراد والتصدير نتيجة للاشتباه في أعمالها فيما يتعلق بالنقد الأجنبي وحصائل الصادرات وكيفية الحصول على الدولار.

تعديلات

يتوقع أن يناقش البرلمان مشروع قانون التعامل بالنقد الأجنبي للعام 2018م أودع منضدته خلفًا للقانون السابق 1981م والذى مر بعدة تعديلات ألغت بعض الأوامر أبرزها العام 1990 مرورًا بـ2001 و2004 و2011م.

وأبرز هذه التعديلات فى القانون الجديد هو أنه حظر التعامل بالنقد إلا من قبل الأشخاص المرخص لهم والمصارف والجهات المتعددة ومنع التعامل بالنقد السوداني خارج السودان إلا بالقدر الذى تسمح به اللوائح والأوامر والمنشورات التى يصدرها البنك المركزى. واعتبر الاتجار بالنقد جريمة تشمل البائع الجائل وغير الجائل والتابع والوسيط ويعاقب مرتكبها بالسجن مدة لاتتجاوز 10 سنوات أو بالغرامة أو العقوبتين معًا.

كما نص المشروع وفقًا لما تناقلته بعض الصحف الورقية الصادرة يوم أمس (الثلاثاء) بأنه يعد مرتكباً لجريمة تهريب النقد الأجنبي كل من يخرج النقد الأجنبي من السودان أو يشرع فى إخراجه بالمخالفة لأحكام اللوائح الصادرة بموجب أحكام هذا القانون ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 15 عامًا أو بالغرامة معًا .

وحظر الأشخاص من استيراد أو تصدير أو حيازة أو بيع أو شراء الذهب غير المشغول أو المعادن النفيسة أو الأحجار الكريمة إلا وفق أحكام اللوائح أو المنشورات التى يصدرها البنك المركزى. وأقر المشروع جريمة الاتجار غير المشروع بالذهب والمعادن النفيسية التى حدد لها عقوبة السجن مدة لاتتجاوز 10 سنوات أو الغرامة أو العقوبتين معًا.

كما نص على العقوبة بالسجن لمدة 15 عامًا أو الغرامة أو العقوبتين معًا لكل من يهرب الذهب أو الأحجار الكريمة وجوز للمحكمة المصادرة لصالح وزارة المالية على أن يشمل مصادرة المضبوطات موضوع الجريمة على أن يؤول النقد الأجنبي للبنك المركزى بجانب مصادرة أي مركبة أو وسيلة نقل أو وسيلة لحفظ الأموال متى ما ثبت أنهما مملوكات للجانى أو لم يثبت مالكها عدم علمه بارتكاب الجريمة. كما جوز للمحكمة مصادرة العقار الذى ارتكبت فيه الجريمة متى ما تبين لها أنه مملوك للجانى أو كان مالكه عالمًا بارتكاب الجريمة فيه ولم يبلغ بذلك السلطات المختصة.

وأعطى البنك المركزى سلطة إصدار اللوائح والمنشورات لتحديد التعامل بالنقد الأجنبي وحيازته واستيراده وتصديره بجانب استيراد وتصدير الضمانات المالية والكوبونات.

ومنح البنك المركزى صلاحية الاحتفاظ بالذهب كاحتياطي بخزائنه أو لدى جهات أخرى داخل السودان أو خارجه ويجوز له استخدام احتياطى الذهب كضمان للحصول على معاملات داخل السودان أو خارجه وأعطى المركزى حق شراء وتصدير واستيراد الذهب والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة والتعامل فيها مع الجهات المتعاملة بها داخل السودان وخارجه وأي جهات يوافق عليها المحافظ.

كما جوز للبنك المركزى تعيين وكلاء له لشراء وتصدير أو استيراد الذهب والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة والقيام بالعمليات المتعلقة بها بالداخل والخارج وفق اللوائح وألزم المشروع كل من يصدر سلعًا أو خدمات إلى خارج السودان باسترداد قيمتها بالنقد الأجنبي فى تاريخ استحقاقها الذى يحدده العقد وتحدد اللوائح كيفية استخدامها على أن تستثنى الحقوق الممنوحة بموجب أحكام قانون تشجيع الاستثمار القومى لسنة 2013م أو أي اتفاقية أخرى.

نظرة اقتصادية

يرى خبراء أن المسألة تتركز بصورة أساسية على انعدام احتياطي قانوني من النقد الأجنبي الذى لايتأتى إلا بتفعيل وتيرة الصادرات لتقليص ميزان العجز التجارى الكبير والذى ظل يستنزف قدرات الدولة كما يرى البعض بأن تشديد العقوبات لن يوقف الارتفاع الكبير فى النقد الأجنبي والذى اعتبره البعض سببًا مباشراً من مسببات الأزمات الاقتصادية التى تشهدها البلاد حالياً.

واعتبر المحلل الاقتصادى، د. هيثم فتحي ، أن التشدد فى الإجراءات القانونية ربما ينعكس سلباً ويأتي بنتائج عكسية ويقول إن أي جريمة اقتصادية يجب أن تعالج بطريقة مختلفة، ربما تكون أيضًا اقتصادية أكثر منها إجرائية.

مبينًا أن كل القوانين السابقة لازالت كقوانين لم تمنع من التعامل بالنقد الأجنبي خارج الأطر الرسمية مشيراً إلى أن العقبة الأساسية هى كيفية توفير احتياطى من الدولار وبعد ذلك لن تكون هنالك تعاملات مشبوهة فى النقد الأجنبي أو يضطر البنك إلى السماح للمصدرين بالاحتفاظ بنسبة من الصادر .

وأكد أن البلاد فى حاجة إلى تفكير بمنظور اقتصادى وليس تجريمى من خلال تطوير الاقتصاد لأجل المنافسة وتوفير العملات الأجنبية، وقال” حتى إذا اعترفنا بأن هذا هو الحل سيبقى تفكيرنا دائمًا فى هذا الاتجاه التجريمى ونسيان الجانب الآخر وهو المهم –أي الاقتصادي- موضحاً حاجة البلاد إلى زيادة الصادرات وتقليل الواردات وخفض الانفاق بأوجهه المختلفة.

إزالة التعارض

يرى الخبير الاقتصادى آدم الزين أن الاقتصاد يجب أن يدار بعقلية اقتصادية ويرى أن الإجراءات القانونية تناست تمامًا أو غفلت عن الوضع الذى يعيشه السودان حاليًا ويشهد أزمات اقتصادية، وقال إنه من غير الممكن معالجة جانب دون آخر مشيراً إلى أن مشاكل السودان لا تتجزأ، وتساءل” كيف لنا أن نحل مشاكل تعتبر جزءًا من منظومة اقتصادية بأكملها”. وأضاف” لابد من تعديلات لبعض القوانين الأخرى حتى تواكب الوضع الراهن”. ومنبهًا إلى أن بعض القوانين ربما تتعارض مع ما يقوم به المركزى في قانون العام 2018م.

الخرطوم : عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. شيء بخير. لم يعد الوضع قابلا للانكار. واصبحت حقن التخدير بالتصريحات غير مهدئة لمواطن يذوب مرتبه تحت وطء الأسعار وترفض البنوك أن تسلمه شيئا مما ادخره وائتمنها إياه.

    ■ هذا المقال كتب ليشرح للانسان العادي ما حدث وكيف وصلنا الى هذا الحال. ما هي المشكلة وأين هو الحل بعيدا عن الحذلقة بالمصطلحات والرطانة الاجنبية لاخفاء الخواء والحيرة..

    ■ نبدا من البدايه .. مشكله الاقتصاد السوداني أن الاستيراد اكثر من التصدير . بحسب ارقام عام 2015 السودان يصدر ما قيمته ثلاثه مليارات دولار ويستورد ما قيمته تسعه مليارات دولار ما يعني اننا نستورد ثلاثه اضعاف ما نصدر. وهذا ما يسمى “اختلال الميزان التجاري”. اختلال الميزان التجاري يعني ان الدولارات الخارجة اكثر من الداخله لان الاستيراد هو دفع دولارات للخارج واستلام بضائع لادخالها الى البلد و التصدير هو بيع بضائع الى الخارج واستلام عائداتها دولارات وادخالها الى البلد وهذا يعني ان مخزون البلد من الدولار متناقص باستمرار و لا يوجد حل جذري لهذه المشكله الا بالانتاج و زياده التصدير.
    ■ و يعلم الجميع ان السودان بلد غني بموارده الزراعيه و المعدنيه و الحيوانيه و البشريه و العلميه فلماذا لا يوجد انتاج؟ .. و السبب ببساطه هو كثره الضرائب و الجبايات التي تتسبب في ارتفاع تكلفه الانتاج مما يؤدي الى عدم القدره على منافسه الاسعار العالميه. و اذا لم تستطع بيع البضاعه فلا يمكن الانتاج. و اذا لم يكن هناك انتاج فلا توجد وظائف و هو ما يسمى العطاله. ويمكن لاي مواطن سوداني ان يلاحظ ان هناك الكثير من السلع المستورده ارخص من الانتاج المحلي رغم انها قد دفعت ضرائب في بلادها اضافه الى تكلفه النقل و الشحن و الجمارك. و هو ما يعني ان الضرائب و الجبايات في بلادنا وصلت الى مراحل قياسيه لا يحسب فيها المسؤولون في وزاره الماليه وديوان الضرائب اثر هذه الجبايات على قيمه الانتاج و تعطيل الاعمال.

    ■ ان الخطة المعروفة لكل مغترب سوداني في المهجر هو ان يتزوج ويبني بيتا و يشتري سياره ويعود بمستحقات نهايه خدمته لينشئ بها استثمارا يعيش منه في بلاده. ولو تمكن من ذلك لوفر الوظائف للاخرين و لزاد الانتاج و التصدير. وانما يعيقه من ذلك انه لم يعد احد في بلادي يستطيع ان يحسب في دراسة الجدوى قيمة الضرائب والجبايات ولا عدد الجهات التي تأخذها. حتى اصبحت دراسه الجدوى الشائعه هي ان تنتظر الاخرين ليقيموا المشروع و تنظر هل سيربحون ام يخسرون. وشاع عند العامه ان السودانيين يقلدون كل مشروع ناجح. و الحقيقه انه لا توجد طريقه لدراسه الجدوى في بلادنا الا هذه.
    واصبح شائعا أن تغلق كل يوم المزيد من المصانع بسبب رهق الضرائب المتزايد ولا يؤلم ذلك أحدا من المسئولين. ولا نطمع أن يستقيل منهم أحد بسبب أن انتاج البلاد من الحديد والنحاس ومحالج القطن وغيرها من الصناعات قد توقفت تماما.
    و الخلاصة انه لا انتاج ولا تصدير ولا دولارات.

    ■ هنا ينتهي دور وزاره الماليه في افساد الاقتصاد وتدمير الانتاج وتضييع جهود العاملين ليبدأ دور البنك المركزي في التدمير.

    ■ يطبع البنك المركزي النقود لتغطية عجز ميزانية الحكومة ذات الانفاق المتزايد على الاجهزة النظامية لتغطية فشل السياسيين.

    والحقيقة أن طباعة العملة سرقة لكل الناس. وذلك ان الحكومة اذا طبعت مثلا عملة تساوي العملة الموجودة في السوق فان قيمة العملة تنقص الى النصف. ويكون كل مواطن قد خسر نصف مرتبه وادخاراته التي يظن أنه قد أحكم عليها باب خزنته. وهذا النصف المفقود قد أخذه من طبع النقود وهي الحكومة وانفقته. وطبعا هذه السرقة لها اسماء جميلة مثل “استراتيجية التمويل التضخمي” و “التوسع في عرض النقود” و “استراتيجية الادخار الاجباري” والمهم أن لا يفهم الناس أنهم يسرقون.
    نقص قيمة العملة الناتج من الطباعة هذا يسمى “التضخم”. حيث يشعر كل مواطن أن دخله يتآكل ومدخراته تذوب أمام ما يظنه ارتفاع الاسعار. والاسعار في مكانها لو حسبها بالعملة الاجنبية او بالذهب. وانما ذابت قيمة العملة التي بيده. وأكلت الحكومة الفرق.

    إن من الآثار المباشرة للتضخم إعاقة الانتاج. اذ أنه يجعل جهد كل الناس الذين نشاهدهم كل يوم يتدافعون الى العمل في الصباح ويعودون قريبا من المغرب مثل الطاحونة التي تطحن الهواء. أعني أنهم يعملون ويتعبون ولكن بلا طائل ولا انتاج ولا عائد مفيد. اذ ما الفائدة في الكد والعمل في الزراعة اذا كان التضخم سيأكل الربح قبل أن ينضج الحصاد. وما فائدة العمل في المصنع اذا كنت ستحسب قيمة الانتاج لتجدها اقل من رأس المال بسبب التضخم. وما فائدة تجارة يأكل التضخم أرباحها..
    نعم يا سادة.. التضخم يجعل جهد الجميع طحن هواء. وتعبير ( “التضخم” أكل الربح ) تعبير مجازي نعني به الحكومة. لانها هي التي طبعت النقود واكلت فرق القيمة الذي ضاع من العملة واشترت به ما تريد.
    إن المعروف أكاد