ترامادول في نيجيريا: وقود الموت واليأس وممول بوكو حرام
بعد أن أظهر التحقيق الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية في أبريل/نيسان من هذا العام، مدى إدمان النيجيريين على “الكودايين”، حظرت الحكومة إنتاج شراب السعال الذي يحتوي على هذه المادة في نيجيريا.لكن ليس فقط الكودايين هو الوباء الأفيوني الوحيد المنتشر في غرب إفريقيا، إنما هناك مسكن آلام يدعى “ترامادول” الذي يعزى له الإدمان على نطاق واسع. وكما توصل ستيفاني هيغارتي من بي بي سي، فقد يكون الترامادول مغذياً للتمرد في شمال شرقي أفريقيا أيضاً.
عندما يأخذ مصطفى كولو، البالغ من العمر 23 عاما، تلك الحبوب الحمراء الفاقعة، يشعر وكأنه يستطيع دفع شجرة. وكأنه لا يتحكم بجسده، وأنها تلغي الأفكار السلبية. ويقول “عندما آخذ هذه الحبوب، أنسى كل شيء”.
إنها الساعة العاشرة ، وكولو وصديقه مودود محمد مع رئيسهم، قائد وحدة الحراس التي أنشئت لحماية مدينة مايدوغوري من عناصر بوكو حرام.
ومن الواضح أنالشبان المجندين الشباب غير مرتاحين هنا.
الناس فقدوا كل شيء
سألته: كم حبة أخذت اليوم؟أجاب:لا شيء.
بدت عيون كولو محمرة كلون الدم، تلمع قليلاً عندما يتحدث، أما صديقه محمد، فيبدو مشتتاً وبلا طاقة، ورأسه يتأرجح بين عظمتي كتفيه.
يتدخل القائد ويقول : ” من الواضح أنهما يكذبان”. ,ويحثهما على قول الحقيقة.
يقول كولو: “اعتدت أن أتناول من ثلاث إلى أربع حبات في البداية، لكنني الآن قلصتها إلى حبة ونصف فقط”، وقال إنه لا يرغب في الذهاب أبعد من ذلك.
في هذه البلدة المضطربة، الآلاف من الناس مدمنون على ترامادول، المقاتلون المتطوعون للدفاع عن مدينتهم، وأولئك الذين شردتهم الحرب وحتى الجنود أنفسهم.
ومن المفترض أن يستخدم مسكن الألم الأفيوني الرخيص لعلاج الألم المعتدل والحاد. ولكنه كمعظم الأدوية المخدرة، يسبب الإدمان بالرغم من طرح موضوع الإدمان للنقاش.
وتقول منظمة الصحة العالمية، إن احتمال الادمان على ترامادول أضعف قياساً بالمورفين. لكن وباء الإدمان الذي ينتشر في غرب إفريقيا يمكن أن يفنّد ذلك. ويقول ماركوس أيوبا، رئيس الوحدة التابعة لوكالة مكافحة المخدرات في نيجيريا بأسف ” المشكلة كبيرة جداً، إنها فعلاً كبيرة”.
ويضيف أيوبا ” بتقديري هناك واحد من كل ثلاثة شبان ممن يتعاطون المخدرات” ويعتقد أن ذلك عائد إلى عقد من الحرب في البلاد.
ويتابع أيوبا: “لقد فقد الناس كل شيء”. “كانوا شباباً بسطاء من المزارعين، لقد فقدوا مزارعهم ومنازلهم ، وقُتل أطفالهم أمام أعينهم”. وأن الناس تبرر تعاطيها تلك الأدوية برغبتها في الانفصال عن العالم.
ولكن ليست أزمة الحرب هي من جلبت ترامادول إلى نيجيريا، فقد بدأ كولو بأخذها منذ عام 2007 ،أي قبل عامين من بدء التمرد. كان في البداية يأخذها لأنها تساعده على العمل، وتخفف من الألم الجسدي، وفي نفس الوقت على إبقائه مستيقظًا.
يقول كولو:” إنه حقاً يساعدني”. لكنه لم يعد قادراً الحصول على عمل بسبب إدمانها، وبدلا من ذلك تطوع مع قوات الأمن الأهلية في محاربة مسلحي بوكوحرام.
ويقول: “عندما أذهب إلى الحقول والأدغال ، حتى الطريقة التي أمشي أو أركض بها مختلفة، فهي تعطيني القوة”. ويتابع: ” يبدو أن عدونا هو الآخر تعلم استخدام هذه الحيلة”.
جيش من المدمنين
يجلس هناك مقاتل سابق، مرتدياً قميصاً ليلكي اللون، وهو في العشرينات من عمره. إنه محتجز هنا لدى الجيش النيجيري بعد أن هرب من جماعة بوكو حرام في يناير/كانون الثاني الماضي. عاش هذا الشاب لمدة أربع سنوات في مخيم الغابات، لم يكن هناك ما يكفي من الطعام والماء، ولكن كانت توجد حبوب الترامادول.
ويقول: كانت تُعطى لنا هذه الحبوب فقط عندما كنا نقوم بعملية عسكرية، وليس في حالات أخرى. ويتابع: قيل إذا أخذتم هذه الحبوب فسوف لن تشعروا بالخوف وتكونون أقوياء وشجعاناً.
كان هذا العقار متوفراً بكثرة، ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية، وبسبب إغلاق الجيش النيجيري مخيماته، أصبحت وفرتها نادرة.
ماهو الترامادول؟
إنه دواء يوصف طبياً وهو مسكن للآلام، يعالج الاكتئاب الخفيف والقذف المبكر، قانونياً لا يمكن الحصول عليها في نيجيريا إلا بوصفة طبية، لكنه عملياً يباع في الصيدليات بحرية وأكشاك السوق في جميع أنحاء البلاد. ومعظم حبوب الترامادول المباعة في نيجيريا مصنعة في الهند.
كان ترامادول يُوَفّر فقط للقادة ولمن يخوضون المعارك. ويعتقد المقاتل السابق أنهم كانوا جميعاً مدمنين.
ويقول أيوبا:” إن فكرة وجود جيش من المقاتلين الإسلاميين الذين تم تغذيتهم بالمواد المخدرة وإرسالهم لعمليات القتل، أمر مرعب وساهم في وحشية هذا الصراع. وليس من طبيعة أي أحد مصادرة حياة الآخرين، لكن المخدرات دائماً موجودة لإعطائك ذلك الحافز”. ويضيف على ذلك بأن ” هناك النساء اللواتي هربن من بوكو حرام، وجدن أنفسهن الآن مدمنات على المخدرات. كما أن شاباً في 16 من عمره أخبره أنه عندما كانت الفتيات يبكين، كنَّ يُعطين المخدرات أيضاً.
تهريب من قبل العصابات
أمر ضابط من وكالة مكافحة المخدرات في ميناء لاغوس الرجال بكسر حاويات مكدسة من عقار ترامادول وفتحها بمقابض حديدية، كانت تلك الحاويات عبارة عن علب من مسكنات الألم التي تباع بدون وصفة طبية. ولكن كانت هناك آلاف العلب المخبأة تحتها من حبوب ترامادول المهربة من العلامة التجارية “سوبر رولميكس” المكتوب عليها ” صنعت في الهند” و ” للتصدير الخارجي فقط” وذلك لأن جرعة – 225 ملغ – هي ضعف الجرعة المسموح بها في معظم البلدان.
وكتب على تلك العلب، تم تصنيعها لشركة سينتكس التكنولوجية، ولكن عند البحث السريع في الشركات البريطانية على الانترنت، تبين أنه تم حل الشركة عام 2012. وتضمنت هذه الشحنة وحدها ست حاويات وملايين الأقراص.
وتقول الأمم المتحدة إنه يجري تهريب ترامادول إلى إفريقيا من جنوب آسيا من قبل عصابات مجرمة دولية، وارتفعت المضبوطات السنوية في أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى من 300 كغم سنوياً إلى أكثر من ثلاثة أطنان منذ عام 2013 بحسب تقرير صدر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وبالرغم من سوء استخدام ترامادول بشكل واضح في بلدان مثل نيجيريا، إلا أنه من الصعب فهم لماذا صنفت الولايات المتحدة مستوى خطورة ترامادول بدرجتين أقل من الأوكسيكونتين أو المورفين أو الجرعات العالية من الكودايين. ويعتقد إيريك ستاين، الخبير في تعاطي المخدرات بأن يكون السبب قد يعزى إلى أن ترامادول إفيون ضعيف.
وفي النهاية، فإن توفر أفيون أقوى ليس أمراً ضرورياً بالنسبة لأولئك الذين يحاولون الانتشاء.
اذاً، لماذا هي منتشرة في نيجيريا؟
أولا لأنها رخيصة في نيجيريا، فثمنها حوالي 0.05 دولار لـ 200 ملغ، أما في الولايات المتحدة فثمن نفس الكمية يبلغ حوالي 2.50 دولار.
ثانيا، تساعد هذه الأدوية الناس على العمل. حيث يعتمد الكثيرون في أفريقيا على العمل اليدوي للحصول على قوتهم.
ويعتقد أيوبا أن للدين دورًا هاماً أيضاً. ففي غالبية المجتمعات المسلمة بما فيها شمال شرقي نيجيريا، تُحظر المشروبات الكحولية، ولكن التحريم أخف بالنسبة للعقاقير الطبية.
على الرغم من الأدلة الشفاهية، قاومت منظمة الصحة العالمية حتى الآن وضع الضوابط الدولية على تجارتها.
وهناك مخاوف من أن يُحرم منها الأشخاص الذين يحتاجون إليه بالفعل، إنه أحد المسكنات القليلة المتاحة على نطاق واسع لعلاج الألم لمرضى السرطان.
ويقول جيلس فورتي، سكرتير المجموعة المسؤولة عن مراجعة الترامادول في منظمة الصحة العالمية، إنه يمكن جلبه أيضاً بسهولة من اجل حالات الأزمات والحالات الطارئة.
ولكن طالما أن هذا الدواء متوفر بدون قيود، فإن أزمة الإدمان سوف تستمر.
والحال، فإنه ليس بوسع رئيس الوحدة التابعة لوكالة مكافحة المخدرات، سوى إدارة جزء قليل من الحالات التي تقدم إليه كل يوم.
وعلى الرغم من أن والدي مصطفى كولو، الحارس الشاب، يرغبون في إرساله إلى مركز العلاج من تعاطي المخدرات، إلا أنهم لايستطيعون تحمل تكاليف العلاج.
كانوا يحلمون بأن يروا احفادهم، لكنهم الآن خسروا كل شيء وخسروه هو أيضاً بسبب مايفعل كما يقول والده.
بي بي سي عربية