تحقيقات وتقارير

سلام جنوب السودان.. انتكاسة العتبة الأخيرة

تشاؤم وإحباط لوَّنَ ختام الجولة الثالثة المُمدَّدة لمُفاوضات فرقاء الجنوب، برفض أبرز الفصائل الجنوبية التوقيع بالأحرف الأولى على المسودة النهائية لإحياء اتفاقية فض النزاع بين الفرقاء الجنوبيين.. الخرطوم لم تجلب مناديلَ لتجفيف دموع المُحبطين، ولكنها أعلنت عن ثقتها في أن من امتنع اليوم سيُوافق غداً. المشهد لم يكن بائساً إلى حدٍّ كبير، فمن اليأس يُولَدُ الأمل، وهو ما تُرجِمَ بتوقيع كبير المفاوضين في حكومة جوبا مستشار الرئيس للشؤون الأمنية توت قلواك عن وفد الحكومة، وعن المعتقلين السياسيين السابقين دينق ألور، وعن الأحزاب السياسية جوزيف أوكيلو، بجانب ممثل لمنظمات المجتمع المدني، فيما انسحب مُمثِّلا الحركة الشعبية التي يرأسها رياك مشار، ومجموعة التحالف، ولم يُوَقِّعا.

لماذا لم يوقع رياك مشار؟

كثيرون أبدوا دهشتهم لموقف حركة مشار، لجهة أن إرهاصات ما قبل يوم أمس، تُشير إلى أن المواقف إيجابية وتمضي نحو الأحسن، قبل أن يصدر بيانٌ للحركة يكشف احتجاج مشار رسمياً على تفويض لجنة مراجعة الدستور بوضع مقترح الدستور الدائم، مطالباً بمؤتمر دستوري.

تسريبات لـ(السوداني) أمس، كشفت عن أن مواقف المعارضة الجنوبية المسلحة برئاسة د.رياك مشار أخذت في التشدد على خلفية إعلان جوبا والخرطوم بدء ضخ النفط الجنوب سوداني عبر الأراضي السودانية، لجهة مراهنة الحكومتين السودانية والجنوب سودانية على عائدات النفط وعبور فك الضائقة الاقتصادية التي يعيشها البَلَدَان، وهو الأمر الذي يعني تلقائياً زيادة أسهم حركة مشار بحكم سيطرتها على معظم مناطق إنتاج النفط في جنوب السودان، وبالتالي تزايد قوة الموقف التفاوضي لحركة مشار في مواجهة حكومة جوبا.
وطبقاً لما رصدته (السوداني)، فإن مقدمات رفض مشار التوقيع سبقت يوم التوقيع بسويعات، إذ شهد مساء أمس الأول اجتماعاً مُغلقاً بين رياك مشار وقادة التحالف د.لام أكول وقبريال شامسون بهدف إقناع مشار بتوحيد المواقف التفاوضية بين المجموعتين بعد أن حدث تقاربٌ على خلفية رفض الطرفين سحب المادة الرابعة الخاصة بالولايات من مسودة الاتفاقية، وهو الأمر الذي أكَّده لاحقاً لام أكول لـ(السوداني) بقوله: “نحن مُتمسِّكون بموقفنا حيال المادة 4 الخاصة بالولايات، ووجودها ضمن الاتفاقية، ودون ذلك لن نُوقِّع”.
بيد أن النقطة الوحيدة التي جمعت الفصيلين في رفض التوقيع تناسلت لتكون خمس نقاط، أعلنت حركة مشار استناداً عليها رفض التوقيع على الاتفاقية أمس. وابتدرت الحركة رفضها بأن مسودة الاتفاقية لم تحدد حدود الولايات الجنوبية بالإضافة إلى التحفظ حول حسمها عبر مجلس وزراء الإيقاد بحكم أن الحركة ليس لديها تمثيلٌ في المجلس بينما تمثل فيه الحكومة ما يتيح لها تمرير ما تريده، لذا ظلَّ مطلب حركة مشار إبعاد وفد الحكومة من أي مسألة مُتعلقة بجنوب السودان، حتى تتوفر عدالة في الفرص.
كذلك سجَّلَتْ حركة مشار اعتراضاً على آلية اتخاذ القرار في الجهازَين التشريعي والتنفيذي، بالإضافة إلى إمكانية تعديل الاتفاقية بالأغلبية البسيطة، وهو الأمر الذي ترى فيه حركة مشار إمكانية أن يوفر أغلبية ميكانيكية لمجموعة من المجموعات. كذلك فجرت الحركة اعتراضاً مفاجئاً للوساطة بإعلانها التشكيك في أحد الضامنين للاتفاق، وهما السودان وأوغندا، مُعلنةً دخول قوات يوغندية في مناطق سيطرة الحركة الأمر الذي يقدح في وجود أوغندا كضامن.
وتطرَّقَتْ المعارضة الجنوبية المُسلَّحة في تبرير عدم التوقيع بعدم حسم مسألة المؤتمر الدستوري، بالإضافة إلى اعتراضها المُسبق والمُعلَن على تفويض لجنة المراجعة الدستورية في وضع مسودة الدستور الدائم باعتباره حقَّاً أصيلاً لشعب جنوب السودان عبر مؤتمر دستوري. خامس النقاط وآخرها والتي دفعت مشار لاتخاذ موقفه بعدم التوقيع تمثلت في غياب ذكر لقوات حفظ السلام الإقليمية في جنوب السودان ضمن فصل الترتيبات الأمنية.

ما هي تحفظات تحالف المعارضة؟

تحالف المعارضة الجنوبية الذي يضم (9) فصائل جنوبية برئاسة قبريال شامسون ود.لام أكول ظل مُتمسِّكاً بموقفه الرافض لسحب مادة الولايات المعروفة بالمادة (4). وأكد لام أكول في تصريحات أمس، مُوافقتهم على كُلِّ ما ورد في مسودة الاتفاقية، وأن رفضهم التوقيع ينبني على سحب المادة 4 الخاصة بالولايات من الاتفاقية دون وضعها باعتبارها من المُختلَف حولها بين أقواس كما يجري عرف الاتفاقيات، مشيراً إلى إمكانية توقيعهم لاحقاً بعد حسم الأمر في قمة رؤساء الإيقاد.
مفارقةٌ أُخرى شهدتها مجموعة التحالف على خلفية انقسام سابق في جبهة الخلاص برئاسة الجنرال توماس شيرليو منذ ما قبل 5 أغسطس، لجهة وجود مجموعة أخرى أعلنت فصلها لشيرليو وتمسكه بالتوقيع على اتفاق نظام الحكم والسلطة بقاعة الصداقة آنذاك، إلا أن موافقة التحالف حينها على التوقيع قطع الطريق على تلك المجموعة التي يتزعمها الجنرال خالد بطرس ويشغل منصب أمينها العام د.قاسم برنابا. أمس أيضاً تكرَّر المشهد حيث تمسك توماس شيرليو بموقف مجموعة التحالف ولم يُوقِّع، واستبق يوم التوقيع بإرسال رسالة للوساطة كشف فيها التزامه بموقف التحالف حال وقع ككتلة واحدة. فيما سارعت مجموعة بطرس للإعلان عن استعدادها للتوقيع وهو الأمر الذي رفضته الوساطة باعتبار أن تشجيع الانقلاب في المجموعات الجنوبية من شأنه أن يترك انطباعاً لدى الفصائل الأساسية بتواطؤ الخرطوم مع ما تقوم به جوبا في محاولة شق المجموعات، لذا ظل المبدأ عدم قبول توقيع أي فصيل انقسم من مجموعة أثناء جولة الخرطوم. بذات السيناريو شهدت مجموعة كاستلو قرنق انقلاباً قاده الجنرال أقانج عبد الباقي فصل خلاله رئيس الحركة الوطنية والجيش الوطني بجنوب السودان كاستلو قرنق ونائبه حسين عبد الباقي – الأخ غير الشقيق أقانج – قبل يومين من توقيع مسودة الاتفاق لتنجح محاولات رأب الصدع في إعادة توحيد الحركة الوطنية.

وماذا قال البيان الذي فجر الأوضاع؟

المعارضة الجنوبية المسلحة ومجموعة تحالف المعارضة، أصرَّتَا على توضيح موقفهما من العملية السلمية في جنوب السودان، فأصدرتا بياناً أكدّتا فيه أن رفضها التوقيع أمس بالأحرف الأولى على وثيقة الاتفاق النهائي للسلام يعود إلى عدم تطرق الاتفاقية إلى القضايا الخلافية.
وأوضح البيان المشترك أن المسودة لم تتطرق بالحل لقضايا مرتبطة بصناعة القرار في الحكومة، بجانب قضية إعداد الدستور، والترتيبات الأمنية، ومسألة عدد الولايات وحدودها، وأضاف: “مسودة الاتفاق الحالية لم تُحدِّدْ آلية اتخاذ القرارات داخل الحكومة والمجلس التشريعي، بعد أن طرأت زيادة في عدد أعضاء مؤسسة الرئاسة”. وشرح البيان وجهة نظر المجموعتين حيال آلية اتخاذ القرار بالقول: “عندما كان مجلس الوزراء يضم 33 وزيراً، كان النصاب القانوني هو 23 وزيراً”، واستدرك: “لكن الحكومة ما تزال تُطالب بالإبقاء على النصاب ذاته، رغم أن أعضاء المجلس وصل 41 وزيراً، وسيكون نصيب الحكومة 23 وزيراً، بموجب اتفاق تقاسم السلطة، أي أن وزراء الحكومة وحدهم سيشكلون النصاب القانوني لتمرير القرارات في الحكومة الانتقالية المقبلة”. ونوه البيان المشترك إلى اتفاق الترتيبات الأمنية المُوقَّع في 9 يوليو الماضي حدد دولتي السودان وأوغندا كضامنين للاتفاق، لكن الوثيقة الحالية فشلت في توضيح الكيفية التي سيقوم بها السودان وأوغندا بالمساهمة في حفظ السلام. كذلك أكد البيان أن قمة رؤساء إيقاد التي انعقدت بالخرطوم في 5 أغسطس الجاري، أقرت بإعادة فتح التفاوض حول مادة خاصة بعدد الولايات، وأضاف: “بدأ النقاش حول تلك المواد في 13 أغسطس لكن تحت رفض الحكومة وتهديدها بعدم التوقيع على اتفاقية تتضمن البند الرابع قامت الوساطة بسحبه من مسودة الاتفاق التي تم توقيعها اليوم”. واعتبر البيان أن ما قامت به الوساطة السودانية سينعكس سلباً على نزاهة الوساطة وحياديتها، وسيثير المزيد من الشكوك بشأن عملية السلام برمتها؛ مناشداً الوساطة بأن تُتيح الفرصة للأطراف لمعالجة هذه النقاط الخلافية أولاً قبل التوقيع عليها.
وشدَّدَ البيان على تمسُّك المعارضة المسلحة وتحالف المعارضة بتحقيق السلام العادل والمستدام. وأعلن الفصيلان أنهما سيظلان في مكان التفاوض، ولن يغادراه إلى حين التوصل إلى سلام حقيقي.

الدرديري محمد أحمد.. آخر الكلمات بعد فض التفاوض
كبير الوسطاء وزير الخارجية د.الدرديري محمد أحمد أعلن بدوره في تصريحات صحفية أمس، أن مجموعات المعارضة الرئيسية بجنوب السودان بما في ذلك الحركة الشعبية بالمعارضة برئاسة رياك مشار والتحالف رفضت التوقيع على وثيقة السلام، مؤكداً أنه لن يكون هناك سلام في جنوب السودان دون المجموعات التي لم تُوقِّع اليوم؛ مشيراً إلى أن رفض المعارضة التوقيع يعني أنه تم اليوم اختتام جولة المفاوضات النهائية الخاصة بجنوب السودان والتوصل لتقديم المسودة الختامية لاتفاقية فض النزاع بالجنوب، وأضاف: “هذه آخر جولة تفاوض ولن يكون هناك تفاوض مرة أخرى”، قاطعاً بأن الوساطة سترفع النص إلى إيقاد لمناقشة المسألة، وأن السودان بختام هذه الجولة من المفاوضات يكون قد أنجز هذا الاتفاق الذي ظل شعب جنوب السودان ينتظره على أحر من الجمر، مبيناً أن هذا الاتفاق الذي تم التوقيع عليه من غالبية الفرقاء الجنوبيين، هو اتفاق تم إقراره وإجازته من قبل جميع الأطراف السياسية في شكل اتفاقيات منفردة في السلطة والحكم والترتيبات الأمنية، منوهاً إلى أن الاتفاق الذي تم اليوم ليس فيه ما يستدعي أي تفاوض حيث لم يعد هناك موضوع لتفاوض جديد، ونحن قد استنفدنا النظر في كافة الأجندة التي أُحيلت لنا، وستتم إحالة ما تم التوصل إليه من اتفاق إلى قمة الإيقاد للتوقيع عليه، ومن ثم تقديمه للأطراف للتوقيع النهائى عليه. وأعرب الدرديري عن تفاؤله بأن من لم يلحق اليوم بالاتفاقية فسيلحق بها غداً، وأضاف: “أنا على قناعة بأن مجموعة التحالف والحركة الشعبية في المعارضة برئاسة رياك مشار، سيلتحقان بها قريباً.

صحيفة السوداني.

تعليق واحد

  1. وبما انه اقتصادنا وقادتنا وحاجاتنا كلها قاعدة في السهلة، بكرة من الصباح تلقى الجنيه لبس الطرحة تاني.