رأي ومقالات

آبار الذهب .. «النعش» الذهبي ..!!


(من لم يمت بالسيف مات بغيره)! ربما تتجسد تلك الكلمات في الكم الهائل من الضحايا الذين يفقدون أرواحهم بحثاً عن الكنز اللامع (الذهب)، وتُشير إحصائية غير رسمية، إلى أن مناجم الذهب بالسودان قد انهارت فوق رؤوس ما يقارب الـ(150) شخصاً بالولايات التي يوجد بها تعدين أهلي حتى الآن. ولأن تعدين الذهب بالبلاد يعتبر أحد الموارد الرئيسة للعملة الصعبة في البلاد، فإن أغلبه يتم بوسائل تقليدية، وكثيراً ما يكون ذلك دون إجراءات سلامة كافية, وربما تلك الاحصائية قد تزداد وإن المخاطر مازالت محدقة بأماكن التعدين الأهلي وإمكانية فقدان الأرواح متوقعة لعدة أسباب، منها جهل المعدنين التقليديين بأسباب الأمان واستخدامهم لمواد قد تتسبب بالموت حتى وإن لم ينهار المنجم، ولكن سوف ينهار الإنسان بحثاً عن الثروة. ورغم أن الحكومة الآن قامت بتقنين التعدين التقليدي ووضعت اشتراطات من بينها عدم الوصول إلى أعماق بعيدة لضمان سلامة المنقبين، إلا أن تلك الاشتراطات تظل بلا رقابة في ظل توسع عمل التعدين التقليدي وبعد المسافات ما يجعل أمر الرقابة عصياً على الحكومة.

تتعدد الأسباب
ولأن الموت واحد، ولكن تتعدد الأسباب، فإن آخر ضحايا الموت في باطن الأرض كان في ولاية نهر النيل حيث قالت الشركة السودانية للموارد المعدنية في بيان سابق، إن ثلاثة من عمال المناجم قتلوا وحوصر عشرة آخرون تحت الأرض عندما انهار منجماً للذهب كانوا يعملون به في شمال البلاد. وأضافت الشركة أن ثلاثة آخرين أصيبوا في الحادث الذي وقع في قبقبة، وهي منطقة رئيسة لتعدين الذهب في ولاية نهر النيل. وأكدت الشركة السودانية للتعدين على اهتمامها بجميع العاملين بقطاع التعدين ووجهت كافة المعدنين بمناطق التعدين بالبلاد لاتباع إجراءات السلامة حفاظاً على سلامتهم وأرواحهم. وقالت إن فرق الإنقاذ واصلت مع العمال المحاصرين الذين كانوا يعملون من تلقاء أنفسهم. وقال البيان: هناك عشرة عالقين داخل المنجم حتى كتابة هذا البيان وهم على قيد الحياة. وأضاف إن فرق إنقاذ تابعة للشركة وولاية نهر النيل تعمل على إنقاذهم، وذكر أن المصابين الثلاثة بحالة طيبة.

فرق الإنقاذ
وأرجع معتمد أبوحمد بولاية نهر النيل عبد العال خرساني تكرار حوادث انهيار مناجم الذهب في مواقع التعدين، إلى ضعف التقديرات الفنية والجيولوجية لدى بعض عمال المناجم في فتح مسارات المناجم، وكيفية تأمينها من المخاطر المحتملة. وقال خرساني، إن فرق الإنقاذ تمكنت من الوصول إلى كل المحاصرين داخل منجم التعدين بمنطقة “وادي قبقبة”، الذي انهار عليهم وتم إخراجهم. وأضاف أن محاولات الإنقاذ استمرت لنحو 20 ساعة.

انتشار الحوادث
لأن آبار الذهب تنتشر في مختلف أرجاء السودان، فإن أحداثها تكاد تغطي خارطة البلاد الجغرافية، وبالتالي سبقت تلك الحوادث مقتل أكثر من ستين شخصاً في انهيار منجم للذهب في شمال دارفور في عام (2017). وقال مسؤول جبل عامر في الولاية هارون الحسن إن (عدد الذين قتلوا بعد انهيار المنجم بلغ أكثر من ستين) شخصاً. وأوضح أن عمليات الإنقاذ مستمرة بعد ثلاثة أيام على وقوع الحادث. وأضاف (لا يمكنني إعطاء رقم دقيق، لأنه ما زال هناك أشخاص داخل النفق)، الذي يقع على عمق 40 متراً. وأشار إلى أن فرق الإنقاذ تستخدم أدوات تقليدية للوصول إلى الضحايا، دون أن يوضح إن كان بعضهم لا يزالون على قيد الحياة.

مخاوف مشروعة
وأبدى هارون مخاوف مشروعة في ذلك الوقت من أن استخدام الآلات قد يؤدي إلى “انهيار التربة”، وأن الناس يستخدمون أدوات تقليدية، و”لذلك تجري العمليات ببطء”. وقال متحدث باسم الشرطة إن أكثر من 60 عاملاً لقوا حتفهم بإقليم دارفور هذا الأسبوع عندما انهار منجم ذهب كانوا يعملون به.

تحذير رسمي
وكان معتمد محلية السريف بشمال دارفور محمد إسماعيل آدم قد حذر من خطورة التعدين الأهلي والحفر العشوائي بعد انهيار آبار جبل عامر، وقال إنّ عدد الضحايا لم يُعرف حتى الآن وتمّ انتشال 8 جثث من تحت أنقاض المنجم المنهار. وأكد أنّ الجهود ما زالت مبذولة لإنقاذ الأحياء إن وُجدوا أو انتشال بقية الضحايا.

دخلوا ولم يخرجوا
وفي ولاية شمال كردفان أكدت المصادر أن المنطقة شهدت مصرع ثلاثة أشخاص في منطقة (قرون عجيمي) التابعة لإدارية أم بادر بولاية شمال كردفان في عام 2011 أثناء تنقيبهم عن الذهب. وقال شاهد عيان من أبناء المنطقة يُدعى البشير محمد إنه دخل ثلاثة عمال إلى إحدى الآبار بغرض التنقيب عن الذهب رغم تحذيرات أصحاب البئر إلا أنهم لم يعودوا.

آبار الشمالية
ولعل الولاية الشمالية ونهر النيل لهما نصيب الأسد من تلك الحوادث ومن تلك الحوادث ما وقع من انهيار لآبار التنقيب العشوائي بغرب السكوت في منطقة أبو راقة وأدت لمصرع الكثيرين غير معروف ولا عدد من بداخل الآبار الى جانب عدد الجرحى ولم تتوقف الحوادث في الشمالية. وفي أغسطس 2013 لقي 24 شخصاً مصرعهم جراء انهيار بئر للتنقيب عن الذهب بمنطقة “البوم” بالولاية، وذلك وفقاً لتقارير صحافية قالت (إن 24 شخصاً لقوا مصرعهم بمنطقة البوم، إحدى مواقع التعدين العشوائي للذهب بمحلية “دلقو” بالولاية الشمالية، جراء انهيار بئر للتنقب عن الذهب).

آبار القضارف
وفي القضارف عام 2012 توفي اثنين في حوادث تعدين بسبب انهيار بئر بمنطقة التنقيب العشوائي عن الذهب، وقال شاهد عيان إن البئر انهارت على العاملين بصورة مفاجئة أثناء تواجدهما بداخلها وكان معهما عامل آخر، غير أنه أصيب بجراح نقل على إثرها إلى المستشفى، فيما توفي الاثنان الآخران في الحال.

حصاد الأرواح
حصاد الذهب لم يتوقف في وحصاد أرواح المواطنين الساعين الى تغيير أوضاعهم المعيشية والاجتماعية حيث تكررت بولاية القضارف حوادث التنقيب في عام2010 حيث لقي (4) أشخاص مصرعهم وأصيب (5) آخرون بجروح متفاوتة نقل (2) منهم لمستشفى القضارف بمنطقة سالمين بمحلية قلع النحل إثر انهيار «بئر» بمناطق التنقيب العشوائي للذهب. وجزمت مصادر لـ(آخر لحظة) أنَّ انهيار البئر جاء نتيجة لتدافع أعداد كبيرة من المواطنين للمنطقة بحثاً عن الذهب بجانب الأمطار.

ظروف غامضة
ولأن الذهب ينتشر جغرافياً على مستوى السودان، فإن حصاد القتلى في باطن الأرض وصل الى ولاية جنوب كردفان في محلية الليري في عام 2012 حيث دونت الشرطة بقسم الليري غرب بلاغاً بوفاة (4) أشخاص في ظروف غامضة وإصابة (5) آخرين بالأذى الجسيم على إثر انهيار بئر عليهم أثناء عملهم بمنجم للذهب بمنطقة الليري. وكشفت مصادر أن البئر انهارت على المنقبين بصورة مفاجئة أثناء عملهم بداخلها

مسميات خاصة
البحث عن الذهب أصبح له أشكال وأنواع من الباحثين عن الثروة وبدلاً عن الأفراد أصبح الذهاب الى مناطق التعدين عبر الأسر والقبائل ومناطق وآبار تسمى بأسماء القبائل مثلما في بورتسوان، ولكن في شمال كردفان فإن الآبار ابتلعت ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في عام 2013 وهم حسب المصادر(أبناء عمومة)، وذلك إثر انهيار بئر بمنطقة ام بل بمحلية النهود بولاية شمال كردفان أثناء تنقيبهم عن الذهب. وأكد مصدر بمحلية النهود بحسب المصدر أن الأشخاص الثلاثة قد لقوا حتفهم على الفور، مشيراً الى انتشال اثنين منهم بينما تم دفن الثالث بذات البئر بناء على الفتوى الشرعية.

استمرار المسلسل
وتكررت حوادث التعدين في ولاية شمال كردفان باعتبارها من الولايات التي شهدت حركة واسعة في التعدين الأهلي وفي عام 2010 حيث لقي شخصان مصرعهما وأصيب ثلاثة آخرين بإصابات بليغة بعد أن انهارت بئر لتنقيب الذهب على رؤوسهم وقبرتهم في باطنها بإحدى قرى محلية غبيش بولاية شمال كردفان. وقالت مصادر في المنطقة إن الرجال الخمسة كانوا ضمن آخرين يعملون داخل البئر بيد أنها انهارت على رؤوسهم مما أدى لوفاة اثنين منهم.

ضحايا البطانة
كذلك امتدت الحوادث حتى منطقة البطانة حيث لقي أربعة أشخاص مصرعهم في عام 2010 نتيجة لانهيار بئر لتنقيب الذهب بمنطقة ود بشارة بمحلية البطانة، وأفاد المكتب الصحفي للشرطة آنذاك أن الشرطة اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة وتسليم الجثامين لذويها عقب التشريح ودون بلاغ بقسم شرطة الصباغ بمحلية البطانة.

معسكرات
ثمة ملاحظة في ولاية جنوب كردفان حيث تنتشر معسكرات الخاصة بالتعدين التقليدي بشكل واضح إن دل ذلك من ناحية إيجابية، إنما دليل على توفر الأمن والاستقرار بالولاية ولكن في نفس الوقت تشكل حاجزاً من تكرار حوادث المعادن وبعد حادث منجم الليري وفي عام 2012 لقي (7) أشخاص مصرعهم وأصيب (5) آخرون بجروح خطيرة إثر انهيار (3) من آبار تستخدم في التنقيب عن الذهب بمنطقة (تقول) شرق مدينة تلودي بولاية جنوب كردفان وكشف معتمد مدينة تلودي في ذلك الوقت مقبول الفاضل هجام عن أن السلطات مازالت تحاول إنقاذ 19 آخرين من المنقبين عن الذهب الذين تهدمت بهم الآبار.

آبار الجزيرة
حتى ولاية الجزيرة الأرض الزراعية لم تسلم من حوادث انهيار الآبار في عام 2013 حيث أدى انهيار بمنطقة حي العرب بولاية الجزيرة إلى وفاة ستة أشخاص وأصابة عشرة آخرين. من عمال في مجال التنقيب عن الذهب وأثناء عملهم داخل البئر البالغ عمقها 32 متراً انهارت عليهم جميعاً ما نتج عن ذلك الانهيار مصرع 6 أشخاص وإصابة 10 آخرين بإصابات وكسور متفاوتة .

آثار التنقيب
ولعل التنقيب عن الذهب له آثار اجتماعية واقتصادية كذلك أصبحت ظاهرة اجتماعية ونشاطاً اقتصادياً تنعكس عائداته على المجتمع المحلي بالولايات وعلى الاقتصاد الكلي للبلاد، ولكن هنالك سلبيات صاحبت عمليات التنقيب العشوائي عن هذا المعدن انعكست في المقام الأول على العاملين في هذا القطاع حيث توفي عدد كبير جراء انهيار الآبار عليهم، ولقي البعض حتفهم، وهنالك صعوبات تواجه المعدين التقليديين خاصة في فصل الخريف في المناطق الوسطى او الجنوبية او الشتاء بالنسبة للمناطق الشمالية. وأشارت تقارير الى عودة الكثيرين من الباحثين عن الذهب نسبة للصعوبات التي اعترضت أنشطتهم بسبب فصل الخريف وحلول شهر رمضان مما تأثرت نسبة عمليات وأنشطة التعدين العشوائي عن الذهب.

تجربة شخصية
من خلال تجربة حقيقية يروي الزميل الصحافي الكباشي أنه في عام 2008 في منطقة (قبقبة) بولاية نهر النيل وجد أن هنالك آبار محفورة بطريقة تقليدية وعند الوقوف عليها والنزول في البئر شعر بأن هنالك عالم آخر من المجهول في عمق كبير جداً تحيط به كثير من الأسرار والمخاطر. واعتبر الإشكالية في الآبار ما يسمى (الشكارات) وهي عبارة عن (كتوف) لتثبيت البئر حتى لا تقع البئر وقال إنها عملية خطرة في العمق الطويل بالإضافة لانعدام الأوكسجين وهنالك من يعمل بأوكسجين بداخل البئر وأكد أن معايير السلامة في تلك الآبار مفقودة تماماً في التعدين التقليدي بالإضافة لعدم وجود رقابة محلية او احتياطات أمان في مناطق التعدين هنالك، بالإضافة الى حرق اللساتك للمساعدة في التعدين واعتبر تلك خطوة مخاطر أدت الى مقتل الكثيرين من المعدنين.

الأمر المزعج
ويقول أحد المختصين في مجال التعدين -فضل عدم ذكر اسمه- لـ(الإنتباهة) من خلال الحوادث الكثيرة للمعدنين يمكن الاستشعار بأن التنقيب التقليدي او الأهلي يضع حياة المواطن في خطر وبات مصرع المنقبين عن الذهب بالشكل التقليدي أمراً مزعجاً استناداً لما وقع بولايات جنوب وشمال كردفان وفي نهر النيل والجزيرة والقضارف وغيرها في معظم ولايات السودان مما يستدعي مراجعة آليات التنقيب والبحث عن وسائل لتأمين المنقبين، لجهة أن النشاط بات يشكل خطراً على المواطن الباحث عن المال.

صلاح مختار
صحيفة الإنتباهة