اقتصاد وأعمال

عانى مخاوف التظاهرات القطاع المصرفي.. تدابير احترازية وتأمينية مطلوبة


استعادت المصارف التجارية العاملة بالسودان بعض الثقة، وعاودت العمل بشكل معتاد بعد موجة من الاحتجاجات شملت العديد من مدن البلاد، أدت لتوقف بعض الفروع عن العمل لأسباب متباينة، ونتيجة لتزايد إتلاف مباني البنوك وتعرضها للسرقة والنهب، قرر عدد من المصارف التجارية بولاية القضارف إغلاق أبوابها على خلفية الاحتجاجات.

بشكل عام، ومنذ اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر الماضي، رفعت الحكومة مستوى التأمين بكافة المؤسسات الحكومية والمرافق الحيوية بما فيها البنوك، التي اتخذت بدورها المزيد من إجراءات التأمين التي شملت تكثيف طواقم الحراسة والمتابعة الدورية التي يعززها وجود قوات شرطية منتشرة في التقاطعات الرئيسية ومناطق التجمعات.

معاودة عمل

بنك الخرطوم عاود أول من أمس فتح فرعه بولاية القضارف، بعد أعمال شغب قام بها محتجون في 20 ديسمبر الماضي، ضمن احتجاجات مواطنين غاضبين من سوء الوضع المعيشي وعدم توفر السيولة بالبنوك، انطلقت بوسط المدينة والشارع الرئيسي بالسوق الكبير. وحينها أحرق المتظاهرون عدداً من السيارات المتوقفة أمام بنك الخرطوم بالولاية ثم أحرقوا البنك من الداخل والخارج، وأحرقوا بعد ذلك بحسب شهود عيان البنك السوداني الفرنسي واقتحموا بنك الجزيرة مرددين هتافات ساخطة على الوضع، قبل تعرض البنك إلى نهب كامل، حيث تمت سرقة الأموال الموجودة بالخزينة الرئيسية.

ويسود الشارع العام ومقار البنوك هدوء مشوب بقليل من الحذر على خلفية تواصل التظاهرات بمواقع مختلفة، وبعضها بشكل محدود، لكن الثابت أن التظاهر والاحتجاج السلمي لم يكن ليشكل خطراً وتهديداً للحياة العامة، وبالضرورة لا توجد تهديدات جدية وحقيقية تواجهها البنوك في هذا الحراك –على الأقل حتى الآن- ويبدو مشهد المصارف التجارية بوسط الخرطوم عادياً ويسير العمل كالمعتاد. وتضطر البنوك لقفل مقارها مبكراً وتكثيف طاقم الحراسة والتأمين خلال ساعات الدوام المختصرة عندما تكون هناك تظاهرة قريبة من موقع البنك.

مخاطر وتهديدات

بحسب موظف بأحد فروع بنك فيصل الإسلامي، فالبنك يواجه مخاطر وتهديدات جدية عند قيام تظاهرة احتجاجية في محيط السوق الرئيسي الذي يقع فيه البنك، وقال المصدر أن البنك واصل الأيام الماضية نشاطه مع تزايد مخاطر النهب والسرقة، بالرغم من وقوع مقر البنك قرب مبنى الشرطة، لكن ذلك لن يعصم من مخاطر النهب في حال انحرف التظاهر لداخل البنك.

وقال المصدر ـ الذي طلب حجب اسمه ـ إن إجراءات التأمين التي اتبعها البنك شملت زيادة طاقم الحراسة وتقليل ساعات العمل، مع بقاء مركبة شرطية في حالة تأهب واستعداد طوال ساعات اليوم، وزاد، تتولى المركبة تأمين البنك حتى حينما يكون مغلقاً.

معتادو النهب

للدقة، لم تكن المصارف التجارية هدفاً للمحتجين بقدر ما يأتي التهديد من معتادي النهب، حيث التزم حراك الشارع السوداني بشعار السلمية، وشكلت حادثة إتلاف ونهب فروع بنكي الخرطوم والجزيرة بولاية القضارف استثناء من هذا التعميم، ورغم استمرار وتفاقم أزمة شح السيولة بالمصارف لم يسجل الحراك تهديداً جدياً ومقصوداً لمقار البنوك.

يقول الخبير المصرفي، وعميد أكاديمية العلوم المصرفية والمالية، الدكتور خالد الفويل، إن حادثتي إتلاف ونهب البنوك لم تكن مدبرة ومقصودة في ذاتها بقدر ما كانت تعبيرًا لحظيًا عن غضب عارم للمحتجين، مشيراً لإسهام أزمة السيولة وشحها في زيادة السخط الشعبي على القطاع المصرفي، وزاد الفويل، أن ما تعانيه البنوك من مخاطر لم يكن يتعلق بتهديد جدي من المتظاهرين بقدر ما تشكل المخاطر الموجودة مسبقاً من عدم القدرة على وضع حل جذري لإحجام المودعين عن توريد أموالهم بالبنوك وبالتالي تقليل حجم الكتلة النقدية المتوفرة لتصريف طلبات العملاء واحتياجهم للكاش غير المتوفر بشكل كافٍ.

وبموازاة استمرار التطمينات الحكومية بقرب حل الأزمة، قال رئيس الجمهورية “عمر البشير” منتصف الأسبوع الماضي بمدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، إن مشكلة السيولة في طريقها للحل، مؤكداً مضي الدولة في توفير السيولة وإغراق البنوك بالنقود، وقال إن هناك مشكلة اقتصادية ويعملون على حلها، وشدد على أن الذي يريد الخير لبلاده لا يقوم بـ”التكسير والتخريب والنهب”، وأضاف: “السودان موحد ومتطور وآمن رغم المشاكل”، قاطعاً بأن الحكومة لن تتغير بالتظاهرات، وإنما عبر صناديق الانتخابات.

مخاطر الاحتجاجات

يؤكد الخبير المصرفي، الدكتور طه حسين، أن مخاطر الاحتجاجات على قطاع المصارف “ليست بالقدر الذي يستدعي القلق”، موضحاً أن مخاطر التأمين بشكل عام مقدور عليها، ورأى أنها لا تصل لحد القلق لجهة تولي بنك السودان المركزي تأمين المصارف والأموال الموجودة بخزانة البنك المعني، مردفاً: في إفادة لـ “الصيحة” علاوة على ذلك تتولى شركات التأمين مسؤوليتها ضد هذه المخاطر المحتملة، معيداً للأذهان ما حدث من إتلاف ونهب بنوك في العام 2005م عقب وفاة النائب الأول الأسبق لرئيس الجمهورية، الزعيم الجنوبي جون قرنق.

برأي طه، أن المخاطر الحقيقية التي تعاني منها البنوك أو للدقة ما واجهته البنوك من مخاطر مؤخراً تمثل في السياسات التي أدت لإحجام المودعين عن تغذية حساباتهم طرف المصارف؟؟ وعن أسباب هذا الإحجام ومدى تأثيره على نشاط البنوك، يقول طه، إن الأسباب راجعة بدرجة أساسية لسياسات تحجيم السيولة رغم كونها غير مقصودة في ذاتها، لكنها خطوة قام بنها البنك المركزي لحجب الكاش عمن يستخدمونه في المضاربة في أسعار العملات.

صحيفة الصيحة.