السودان يعود لدائرة اهتمام الإعلام
عاودت قنوات التلفزة العالمية والإقليمية اهتمامها بالشأن السوداني، بعد تجاهل استمر عدة أيام، خصوصاً في ما يتعلق باعتصام نحو مئات الآلاف أمام مقر قيادة الجيش السوداني في الخرطوم، ومثلهم في الشوارع والأحياء.
ومنحت كثير من القنوات مساحات زمنية واسعة، منذ يوم الإثنين الماضي، للأحداث المتلاحقة في محيط قيادة الجيش، بعد الاشتباكات الدامية بين قوات أمنية ووحدات من الجيش حاولت حماية المعتصمين من محاولة الأمن فض الاعتصام أكثر من مرة. وانتهت تلك الاشتباكات بسقوط قتلى ومصابين.
ولعلّ صور ومقاطع الفيديو الخاصّة بالناشطة السودانية آلاء صالح، والتي انتشرت منذ ليل الإثنين، ولا تزال مستمرّة في التداول حتى اللحظة، من أبرز المشاهد التي أعادت الاهتمام بقضيّة الاحتجاجات السودانيّة. والشابة التي أُطلق عليها تعبير “كنداكة” لتوصيفها، وهو اسم الملكات النوبيات في السودان، ويُستخدم خلال الاحتجاجات ضدّ نظام عمر البشير للدلالة على النساء المشاركات في التظاهرات، أصبحت تعبيراً عن مصطلح “صوت المرأة ثورة”.
وتركت الصور ومقاطع الفيديو للشابة تأثيراً كبيراً في نفوس الناشطين في السودان والناشطين العرب عموماً، ما استقطب اهتماماً إضافياً بالتظاهرات السودانيّة. وأدت التعليقات الكثيفة والتداول الكبير لمقاطع فيديو الشابة بينما تتلو أبياتاً من قصيدة للشاعر السوداني أزهري محمد علي، ويُردّد خلفها المحتجّون كلمة “ثورة”، إلى تغطية إعلاميّة للحراك، في أغلب وسائل الإعلام العربيّة والعالميّة.
لكنّ مراسلي القنوات في الخرطوم ما زالوا يواجهون مشكلة تصوير الحشود البشرية، حيث تمنع الأجهزة الأمنية دخول أجهزة التصوير والنقل الحي، في حين اعتمد المراسلون على التصوير عبر هواتفهم الذكية أو على المقاطع القصيرة التي يصورها المعتصمون أنفسهم.
ونجح تجمّع المهنيين السودانيين قبل أيام في تدشين قناة تلفزيونية خاصة به تعمل خارج السودان تحت اسم “سودان بكرة”، ظلت تبث باستمرار، خلال الأيام الماضية، مقاطع فيديو وبيانات قوى المعارضة وأغاني وطنية، وتقوم بدور كبير في التحشيد للاعتصام.
ولا تزال وسائل الإعلام المحلية ممنوعة من تغطية الأحداث، وتعتمد فقط على البيانات الرسمية الحكومية. بينما تفرض الأجهزة الأمنية رقابة قبْلية على الصحف وتأمرها بحجب مواد متعلقة بالاعتصام. وفي حالة رفضها ذلك فإنها تُمنع من الصدور.
أما التطور الأبرز، فهو حجب مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها المحتجون كثيراً في حشد بعضهم البعض، وتعتمد عليها أكثر المعارضة، وعلى رأسها تجمّع المهنيين السودانيين في إصدار البيانات والتوجيهات. ويأتي ذلك تزامناً مع تردّ كليّ في خدمات الإنترنت. وعلى عكس ما حدث في الأشهر الأولى للاحتجاجات السودانية، فإن الناشطين نجحوا في استخدام برامج كسر الحجب (في بي إن) للوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بينما واجه بعض الناشطين صعوبةً في الاتصال بتلك البرامج أيضاً.
ويقول عضو شبكة الصحافيين السودانيين، الصحافي أحمد خوجلي، إن التجاهل الذي حدث من وسائل الإعلام العالمية مرتبط بوجود أحداث في الفترة الأولى أكثر أهمية، مثل التطورات المتلاحقة في الجزائر ومظاهرات السترات الصفراء في فرنسا وكذلك الملف الليبي وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فيما يعود تجاهل القنوات الإقليمية للحدث السوداني بسبب أجندة الدول وظلال الأزمة الخليجية.
ويوضح خوجلي، لـ “العربي الجديد”، أن عودة القنوات التلفزيونية للاهتمام من جديد بالثورة السودانية سببه التطور الذي حدث فيها، والذي وصل إلى مرحلة الاشتباكات في محيط القيادة العامة للجيش السوداني، وبالتالي تحولت إلى حدث يستحق الاهتمام.
ويشير إلى أنّ الأمن السوداني يصر على تكبيل الدور الطبيعي للصحافة السودانية، من خلال فرضه الرقابة على صحف مؤثرة، بينما يتجاوز عن الصحف الحكومية والأقرب للحكومة والتي تنشر ما يريده النظام.
ويؤكّد أن حجب مواقع التواصل الاجتماعي سيكون له تأثير على تحركات الشارع، لكنّه لن يكون تأثيراً كبيراً، مبيناً أن السودانيين في الخارج سيكونون أكثر المتضررين إذ إنّهم لن يتمكنوا من متابعة الأحداث أولاً بأول. ويُشير إلى أنّ الدور الكبير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في توثيق جرائم النظام تجاه المحتجين في الشوارع والمعتصمين أمام مقر الجيش، مع سرعة نشرها.
العربي الجديد