الهبوط الناعم في السودان الذي أطاح بالبشير
لعل أدق وصف للتحول الذي حدث في السودان حتى الآن هو الهبوط الناعم.
فقد جاء التغيير من قيادة الجيش والأمن استجابة للاحتجاجات التي اندلعت منذ ديسمبر / كانون الأول وبلغت ذروتها في السادس من أبريل/نيسان، عندما احتشد المتظاهرون أمام القيادة العامة للجيش مطالبينه بالوقوف إلى جانبهم والتدخل لإزاحة عمر البشير عن سدة السلطة على غرار ما فعل وزير دفاع جعفر نميري، الفريق عبد الرحمن سوار الدهب.
وبالفعل استجاب عوض بن عوف، وزير دفاع البشير، وأطاح به في الحادي عشر من أبريل/ نيسان وشكل مجلسا عسكريا انتقاليا دون مقاومة أو اشتباكات أو إراقة دماء.
ولكن المعتصمين أمام مبنى القيادة رفضوا تولي بن عوف رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، وبالفعل استقال الرجل من منصبه وأقال نائبه أيضا ليكلف الفريق أول عبدالفتاح البرهان برئاسة المجلس العسكري الانتقالي.
وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذها البرهان حتى الآن، وأهمها الإفراج عن المعتقلين واعتقال عدد من رموز النظام السابق، إلا أن الضغوط لا تزال مستمرة عليه من المعتصمين الذين رفضوا فض الاعتصام ما لم تتم الاستجابة التامة لقائمة المطالب التي قدموها للمجلس العسكري الانتقالي والتي من بينها تسليم السلطة إلى حكومة مدنية يكون القرار في يدها ولا تحكم وفق توجيهات المجلس العسكري الانتقالي.
بيد أن تشكيل الحكومة المدنية وتفكيك الدولة العميقة التي ظلت تحكم ثلاثين سنة أمران ليسا بالهينين، فقد بدأ الخلاف يدب في صفوف المعارضة التي وحدها هدفها المشترك في الإطاحة بالنظام.
إذ تتألف المعارضة من ثلاثة كيانات، أولها تجمع المهنيين وهو عبارة عن عدد من نقابات الظل من أطباء ومهندسين ومحامين وغيرهم،
وثانيها، كيان نداء السودان المكون من حزبي الأمة وحزب المؤتمر السوداني والجبهة الثورية التي تضم الحركات المسلحة كالحركة الشعبية وحركة تحرير السودان والعدل والمساواة.
ويتشكل الكيان الثالث من تحالف قوى الإجماع الوطني الذي يضم الحزب الشيوعي وحزب البعث.
أما ما يعرف بالدولة العميقة في السودان فقد هيمن عليها طوال سنيها الثلاثين حزب المؤتمر الوطني، على الرغم من انشقاقه إلى مجموعتين بعد تشكيل حسن الترابي لحزب المؤتمر الشعبي عام ١٩٩٩ في أعقاب ما بات يُعرف بالمفاصلة التي أدت إلى هذا الانقسام، وثمة مجموعة ثالثة أقل حجما هي الإصلاح الآن التي أسسها غازي صلاح الدين.
ولعل أكبر التحديات أمام المعارضة، هو التوافق على تشكيل حكومة مدنية تتولى تسيير الفترة الانتقالية، وانتخاب برلمان وإعادة هيكلة المحكمة الدستورية ومجلس الأحزاب، فضلا عن المحاسبة القانونية لحزب المؤتمر الوطني.
وتمثل هذه القضايا أهم الأهداف الواضحة التي يعتقد المحتجون أنها تشكل أولوية قصوى. أما بقية الأهداف فقد تحتاج إلى وقت كما يقول معارضون.
في المقابل يتعرض المجلس العسكري الانتقالي لضغوط من بينها استمرار الاعتصام أمام مبنى قيادة الجيش، والذي باءت مساعي فضه حتى الآن بالفشل.
وتضاف إلى ذلك الدعوة إلى تسريع عملية تفكيك النظام ومؤسساته وإكمال مهمة اعتقال رموزه، فضلا عن القضية الأهم للمعارضة المتمثلة في الالتزام بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية وتسريع تنفيذ ذلك.
ويُجمع مراقبون على أن ما تم من تحول حتى الآن عبر هبوط ناعم، يتطلب أن يثق الجانبان ( القوات المسلحة والمعارضة) في بعضهما البعض، وتعزيز بناء هذه الثقة في ظل الضغوط القائمة ومن جهات مختلفة داخلية وخارجية إقليمية ودولية، الأمر الذي قد يقتضي تقديم تنازلات من الجانبين حتى يبلغ التحول غاياته ومداه.
BBC