تركيا وإيران وقطر.. دعم ومصالح متقاطعة مع الإخوان
ما لبثت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن أعلنت عزمها تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، حتى خرجت الردود التركية والإيرانية، التي جاءت من قلب العاصمة القطرية، تندب وتعترض، في تأكيد ضمني على أن القرار يمس أمنها القومي، ويعكس دعمها للجماعات الإرهابية.
وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض قد أعلنت، الثلاثاء، أن إدارة ترامب تعمل على تصنيف جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، مما قد يمهد إلى فرض عقوبات على الجماعة، وخنق مصادر تمويلها، ووضع قادتها على قوائم المطلوبين.
وما أن صدرت تلك التصريحات الأميركية، حتى جاء الرد التركي على لسان الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر جليك، الذي ادعى أن القرار “سيشكل ضربة كبيرة لمطالب التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط”، متذرعا بفزاعة “معاداة الإسلام” التي قد تتنامى في الغرب، على حد قوله.
والأربعاء، خرج وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، من الدوحة، لينتقد الخطوة الأميركية، على الرغم من العداء الذي لطالما أظهرته إيران في السابق لجماعة الإخوان، مما يعكس تقاطع المصالح بين الطرفين، ودعم إيران الخفي، الذي أصبح علنيا، للإرهاب.
“القرار الأميركي ومشروع أردوغان الضائع”
وعن السبب وراء الدعم التركي المستميت للإخوان، اعتبر الخبير في الشؤون التركية، بشير عبد الفتاح، في حديث هاتفي مع موقع “سكاي نيوز عربية”، أن “المشروع الأردوغاني” (في إشارة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان) هو الدافع الأول.
وقال: “إذا أقرت الولايات المتحدة القرار وأعنت تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، فإن هذا سيوجه ضربة قاضية للمشروع الأردوغاني، إذ عمل أردوغان جاهدا للترويج للإخوان، وإقناع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بدعمها، مدعيا قدرتها على مواجهة المتطرفين”.
وأضاف: “مع مرور الوقت، تبين لإدارة أوباما أنه لا يوجد أي فرق بين الإخوان والجماعات المتشددة التي من المفترض أن تواجهها، مثل داعش والقاعدة، كون تلك الجماعات تتبنى الفكر الإخواني، وتلجأ للعنف لتحقيق مساعيها، تماما كما تفعل الإخوان”.
وأشار الخبير في الشؤون التركية، إلى أن إدارة ترامب “تتعامل بشكل أكثر حزما مع الجماعات الإرهابية وكل من يدعمها، وترفض استغلال الدين في الأغراض السياسية، واللجوء للعنف لتحقيق ذلك”، مضيفا: “هناك أدلة على أن أردوغان دعم داعش وتعاون مع تنظيمات إرهابية اقتصاديا وعسكريا، إلى جانب الإخوان، وبالتالي فإن النموذج الذي سعى للترويج له وحاول تحقيقه سينهار تماما مع تصنيف ترامب للإخوان جماعة إرهابية”.
وفيما يتعلق بالخطوات التركية المرتقبة للتعامل مع القرار الأميركي، رأى عبد الفتاح أن أردوغان سيلجأ إلى “فزاعة التطرف” للضغط على الدوائر الأميركية التي قد تكون معارضة لقرار التصنيف، وإثارة خوفها من هذه الخطوة، التي هي في الواقع “أساسية” في الحرب ضد الإرهاب.
إيران والإخوان.. لقاء المصالح
وعلى مدار السنوات الماضية، هاجمت إيران بشراسة جماعة الإخوان، وزادت الخلافات بينهما اشتعالا بعد الأزمة السورية، إلا أن “تقاطع المصالح” جمعهما بين الفينة والأخرى، لتتجلى أخيرا مظاهر دعم الإرهاب بينهما، برد وزير الخارجية الإيراني على القرار الأميركي.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي علي الأمين، لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التقارب بين بين الجانبين، موضحا: “كان من المتوقع أن تصدر إيران مثل هذا التصريح لأنها خاضعة أصلا لقرار أميركي مماثل، وبالتالي فإن المرحلة المقبلة ستشهد تقاربا بينها وبين الإخوان، على المستوى الفكري والأيديولوجي على الأقل”.
وتابع: “هناك تقاطعات بينهما بسبب مشاريع الإسلام السياسي، الذي يوجد نوعا من التضامن، حتى وإن كانت السنوات الأخيرة قد شهدت خلافات بسبب الأزمة السورية”.
ومن أبرز مجالات هذا التحالف، هو دعم الإرهاب، الذي تبرع فيه إيران، والإخوان كذلك، وهو أمر أثبتته تقارير ومعلومات ظهرت على مدار الأعوام الماضية.
وقال الأمين: “لدى إيران تاريخ حافل في مجال دعم الإرهاب، وكل المعلومات التي جرى نشرها تؤكد أن طهران استثمرت في المنظمات الإرهابية ودعمتها، لتستغلها في مواجهة خصومها”.
وتناولت العديد من التقارير طبيعة العلاقة بين إيران وداعش، التي أثارت الكثير من علامات الاستفهام، كونها اتسمت بالعداء تارة، وبالتحالف تارة أخرى.
ولتوضيح طبيعة هذه العلاقة، قال الأمين إنها بدأت على شكل عداء قوي بين الجانبين، بدا جليا في مهاجمة عناصر داعش للجهات الحليفة لإيران، في الفترة الأولى التي ظهر فيها التنظيم، لكن مع دخول التنظيم إلى سوريا تحولت هذه الهجمات، لتركز على العناصر المسلحة التابعة للمعارضة السورية، مما يعني أنها تدعم قوات النظام السوري، المتحالف مع إيران.
وأضاف الأمين: “في الخطاب الأخير لزعيم داعش، أبو بكر البغدادي، نرى تقاطعا للمصالح مع إيران، إذ لم تكن هناك أي إشارة أو انتقاد في حديثه، لإيران، مما يؤكد وجود مصالح مشتركة بينهما، والتي من الممكن أن تصل بهما إلى حد التعاون المباشر، لمواجهة ما يعتبران أنه (عدو)”.
الدوحة.. وأوراق الضغط الخاسرة
بالرغم من أن قطر لم تصدر ردا رسميا على الإجراءات الأميركية لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، فإن خروج الرد الإيراني من قلب الدوحة، كان كفيلا بتوجيه رسالة، مفادها بأن الدوحة لا تزال تراهن على الجماعة الإرهابية، لتتمسك بما تعتقد أنها “أوراق ضغط” على بعض دول المنطقة.. لتخسر بذلك الرهان.
وفي هذا الصدد، قال الخبير في شؤون الجماعات المسلحة والإرهابية، علي بكر، إن الدوحة تسعى منذ سنوات إلى أن تلعب دورا إقليميا أكبر من حجمها بكثير، سواء سياسيا أو تاريخيا أو اجتماعيا أو جغرافيا.
وأضاف: “مؤهلات قطر كدولة لا تسمح لها بذلك، لذا اختارت أن تتوغل في بعض دول المنطقة، عبر التحالف مع جماعات متطرفة أو إرهابية، على رأسها الإخوان، وهو ما بدا جليا عندما أملت في أن تبقى الجماعة في الحكم في مصر وتونس”.
وتابع: “سارت قطر على نفس النهج في السودان أيضا من خلال الرئيس السابق عمر البشير، وهو ما يفسر انقلاب الدوحة ووسائل إعلامها على المجلس العسكري الانتقالي بعد رحيل البشير”.
وأشار بكر إلى أن قرار تصنيف الإخوان، سيقضي على ما تبقى من فعالية هذه الجماعة المتطرفة، لأنه لن يسمح لأي دولة بالإبقاء على عناصر منها على أرضها، مما يعني أنه ليس في صالح قطر، “لأنها بذلك تفقد كل الأوراق، فهي في انقطاع عن دول الجوار العربي، وبدأت الكثير من المؤسسات بالفعل، في الإشارة إلى دورها في دعم التنظيمات المتطرفة”.
واستطرد قائلا: “نرى أن قطر بدأت تتخبط وتختنق مع خسارتها ورقة الإخوان، من خلال أفعالها المستميتة للتمسك بما تبقى من المتطرفين الموالين لها، وكسب ود متطرفين جدد، عبر دعمها جماعات متطرفة موالية للإخوان في دول مثل ليبيا”.
وشدد الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، على أن قطر تدعم هذه الجماعات بشكل مباشر، إلا أنها ستتحول إلى الدعم غير المباشر، في حال أقرت الولايات المتحدة قرار التصنيف.
وقال: “سيكون الدعم غير المباشر من خلال جمعيات خيرية على سبيل المثال، وهو دعم ضعيف لن يسمح للجماعات الإرهابية بالوقوف في وجه الجيش الوطني الليبي”.
مثلث الشر.. ومحاولاته المستميتة لدعم الإرهاب
وبهذا، تتضح الصورة أكثر فأكثر، فتركيا وإيران وقطر يمثلون “مثلث شر”، يعمل بلا كلل على دعم الجماعات الإرهابية لتحقيق مصالح خاصة، من خلال تحالفات تسعى لزعزعة استقرار المنطقة.
وقال الخبير في الشؤون التركية بشير عبد الفتاح: “هذا التحالف يبدو واضحا من خلال الدعم الذي قدمته قطر وتركيا للإخوان في مصر وليبيا من خلال الأسلحة، ودعم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، واستضافتهما قيادات من الإخوان ومنحهم دعما إعلاميا هائلا”.
وتابع: “قرار التصنيف سيدين هذه الدول الثلاث، ويؤثر على علاقاتها بأميركا وأوروبا والعالم، لأن فرضه يستدعي حصارا للقاعدة المالية للإخوان، التي تدعمها قطر وترعاها تركيا وتستفيد منها إيران في التحايل على العقوبات، وبالتالي فإن هذه الدول ستتلقى ضربة موجعة قريبا”.
سكاي نيوز