فنانو السودان يواكبون الثورة: “الشعب طلع بشعار سلمية”
في الصباح، يعاين “قدورة” مرضاه في مركز صحي على مشارف العاصمة السودانية، لكنه يتفرغ مساء لموسيقى الراب، ليعبر عن آمال وآلام “الثورة”. يقول الطبيب عبد القادر (30 عاماً)، المعروف في أوساط الفنانين بـ “قدورة”، إن “الثورة كسرت حاجز الخوف. باتت الأغاني أكثر جرأة”. ويشرح قدورة أنه كان يضطر “للجوء إلى الصور المستعارة” عندما كان يستحيل عليه أداء أغاني الراب بحرية، خلال حكم البشير الاستبدادي الذي استمر ثلاثين عاماً.
بدأ قدورة تجربته الموسيقية قبل خمسة عشر عاماً، وكانت ظروف حياته المنهل الذي استعان به للتعبير عن مواقفه السياسة أو التطرق لقضايا سياسية حساسة في أغانيه. ويقول “من الصعب فصل السياسة عن حياتك. مهما فعلت لتتجنبها، فستعود إليك وستجد نفسك تتحدث عنها رغماً عنك”.
ويتحدث في آخر أغنية له، وعنوانها “الدم”، عن مجزرة فض الاعتصام في 3 يونيو/ حزيران، في الخرطوم أمام مقر الجيش. بدأ الاعتصام قبل شهرين تقريباً من ذلك للمطالبة بإقالة البشير، ثم استمر لمطالبة المجلس العسكري الانتقالي بنقل السلطة إلى المدنيين. واتهم قادة الاحتجاج “قوات الدعم السريع” بالمسؤولية عن القمع العنيف للاعتصام.
وتقول كلمات أغنيته “الشعب طلع بشعار سلمية كايسين (باحثين) عن حرية، قابلتوه بمليشيات بربرية، الدم دا هيفضل وشم في جبهتك للأبد”.
منبر للإبداع
في أجواء شديدة الحرارة يخيم عليها الحزن حيث تنتشر “قوات الدعم السريع” في كل شارع وزاوية في الخرطوم، يتذكر الفنانون بألم الأجواء الاحتفالية التي سادت خلال فترة الاعتصام. ويقول المبرمج في إذاعة “راديو كابيتال” التي تبث باللغة الإنكليزية أحمد حكمت: “كانت هناك أنواع مختلفة من الموسيقى”، متحدثاً عن الأغاني التقليدية وعن نظم القصائد الارتجالية. ويتابع أن ساحة الاعتصام “كانت منبراً للإبداع”.
بدأ فنانون بنظم أغانٍ ثورية منذ انطلاق حركة الاحتجاج في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وفي الفيلا الصغيرة التي تمثل مقراً للإذاعة، يشير حكمت إلى مجموعة رائعة من الأسطوانات، بينها ألبومات بوب مارلي ومايكل جاكسون. لكن ما من منصة لنشر أناشيد “الثورة” أفضل من الإنترنت، أداة التواصل الرئيسية.
يقول أحمد حكمت، وهو يرتدي جلباباً تقليدياً مخططاً بالأزرق والأبيض وسيجارته في يده: “كنا نكافح ضد النظام القديم من خلال الإنترنت. الآن، نحن محرومون من وسيلة التواصل الرئيسية بالنسبة لنا”. منذ فض الاعتصام، باتت خدمة الإنترنت مقطوعة عن الهواتف الجوالة.
“السلام والعدالة”
بعد القمع، حلت الصدمة محل الحماسة والفرح، إذ قُتل ما لا يقل عن 128 شخصاً خلال تفريق الاعتصام وأعمال العنف في الأيام التي أعقبته، وفقًا للجنة الأطباء المركزية المقربة من قادة الاحتجاج. فيما تؤكد السلطات أن عدد القتلى بلغ 61.
يتحدث المغني مامان عن الاعتصام بعبارات حالمة. ويقول الشاب البالغ من العمر 28 عامًا بقامته النحيلة ومشيته المتمايلة وجدائله القصيرة: “كنت أذهب إلى الاعتصام، وأعود إلى الاستوديو مفعماً بالطاقة”. ويضيف، وهو والد طفلة عمرها ستة أشهر: “لقد عبر الاعتصام بالنسبة لنا عما نريده بالضبط لحياتنا في المستقبل”.
المغني مامان (ياسويوشي تشيبا)
وعلى أنغام غيتار كهربائي، يغني بصوت خشن يجود بنغمات خارجة من الحلق يتميز بها مغنو الفولكلور السوداني باللهجة المحلية قصيدة “أنغورا” التي تشكل مزيجاً من الكلمات العربية والإنكليزية: “واقف بكورك ساعة، داير سلام عدالة، تي شيرت دم لي ماما، خبرو بنيتي عن باباها”.
ولا يزال الفنان يشعر بالصدمة لمقتل صديقه محمد مطر خلال تفريق الاعتصام، قائلاً “ذكراه لا تغيب عن ذهني. أفكر به طيلة الوقت”. ويردف “تستعرض صور الشهداء على هاتفك وفجأة ترى صورة صديقك. تقول لنفسك، مهلاً، لا، ليس هو. ثم تتحقق مرة ثانية وثالثة، فتتبين أنه هو”.
يذكر أن مقتل مطر كان وراء إطلاق حملة مع وسم “أزرق من أجل السودان” #BlueForSudan التي تجاوب معها مستخدمو الإنترنت باستبدال صورهم على مواقع التواصل بدائرة زرقاء.
(فرانس برس)