غول المُخدّرات.. البحث عن كوابح
استشاري علاج الإدمان: ارتفاع في الإحصاءات والشباب فئة مُستهدَفة من ضعاف النفوس
طبيب نفسي: الأعراض الانسحابية والمضاعفات الجسدية من أهم الأعراض
د. بلدو: دخول حواء عالم الإدمان من باب الجمال مصيبة كبيرة
مولانا كمال رزق: ما يحدُث قتلٌ عمد لا بد أن تقابله عقوبة الإعدام
إدارة المكافحة: القوانين رادِعة وصارِمة تصل للإعدام
عميد نجم الدين: الحدود الطويلة المفتوحة من أكبر التحدِّيات التي تواجهنا
تحقيق: روضة الحلاوي
انتشار ظاهرة المخدرات بالبلاد، أصبحت هاجساً يؤرق المجتمع بأسره سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، الشيء الذي ينذر بتهديد كبير لفئة الشباب بصورة خاصة والمجتمع ككل بصورة عامة ..
وخلال فترة العهد البائد، تم الإعلان عن ضبط حاويات بالميناء الرئيسي مليئة بحبوب (الخرشة) والتي قيل إنها قادمة من لبنان، وأيضاً تم ضبط حاوية أخرى بميناء الحاويات بسوبا.
وبحسب آخر إحصائية رسمية لمكافحة المخدرات والتي تم الإعلان عنها في منبر “سونا” أن نسبة ضبطيات حبوب “الترمادول” ارتفعت إلى (24) ألف حبة من (1500) حبة، وأن نسبة دخول الهيروين للسودان بلغت أكثر من ألف كيلوجرام، هذا بجانب (331) طناً مهربة عابرة للحدود، وأن الحشيش يمثل 84% من بلاغات المخدرات.
وكشف مدير دائرة العمليات بالدعم السريع، اللواء عثمان حامد عن ضبط (750) قنطار بنقو و(20) ألف حبة مخدرة من مختلف الأنواع خلال المداهمة التي تمت لمنطقة “كلومبيا”.
هذه الأرقام جعلت المواطن العادي في حالة من الخوف والإشفاق والهلع، وأصبح يتساءل عمن وراء كل هذا التدمير، لا سيما أن هناك أكثر من (250) ألف شخص ضحايا تعاطي هذه السموم سنوياً الشيء الذي جعلنا نبحث خلال هذا التحقيق في أوكار هذه الجريمة وكيفية طرق دخولها وتسويقها، وكذلك طرق مكافحتها من قبل السلطات المختصة..
حجر النار
بداية، وفي هذه المساحة، سجل لنا أحد المدمنين الشباب اعترافاً حكى فيه عن تجربته القاسية والحزينة كما أسماها قائلاً: أنا طالب جامعي، بدات قصتي مع المخدرات في العام الأول من دراستي الجامعية، فقد التحقت بجامعة عريقة بكلية مرموقة يتمنى كل الطلاب الدراسة فيها، تعرفت على مجموعة من زملائي الذين حدثوني عن برنامجهم الأسبوعي الذي يُروّحون فيه عن أنفسهم وبدافع الفضول قررت أن أنضم لهذا البرنامج بأحد أماكن بيع الشيشة والقهوة التي تديرها أجنبيات والتي تعرف بـ (الجنبات)، وعند وصولي أخبرتنى صاحبة المحل أن هناك نوعين من حجار الشيشة أحدهما العادي والآخر يسمى حجر النار، الشيء الذي أدهشني فانفجر زملائي ضحكاً عليّ ووصفونى بأني (ما مفتّح)، وهذا ما زاد إصرارى على استخدام الحجر. يقول (…) بعدها شعرت بتسارع في ضربات قلبي والغثيان والإعياء الشديد والرغبة في التقيؤ فما كان من زملائي إلا أن قالوا لي هذا أمر طبيعي، وعادي لأنها المرة الأولى وعلاجها يتم بتعاطي حجر آخر، وتكررت الجلسات لأكتشف بعدها أن ما تعاطيته هو الحشيش المخلوط بالشاش، والذي يسمى (البريمو)، بعدها أصبحت أرتاد المكان بصورة يومية مع صرف أموال طائلة وتدهور في مستواي الأكاديمي قبل أن أصاب بحالة إغماء داخل الجامعة، وتم نقلي للمستشفى ليكتشف الطبيب أن جميع فحوصاتي سليمة وأن إشكالي تعاطي السموم ليتم تحويلي بعد ذلك لمركز الأمل لعلاج الإدمان، وأكملت علاجي، وتعافيت، ولكن بعد أن خسرت أسرتي ومستقبلي الأكاديمي فأصبحت بعدها عاملاً في أحد المحلات التجارية، بعد أن تم فصلي من الجامعة وتدوين بلاغات جنائية ضدي.
الوقوع في الفخ
بينما كانت الأسر تلتف حول الإذاعة والتلفزيون لسماع أوائل الشهادة السودانية للعام المنصرم، وتمت إذاعة اسم الطالبة (…) ضمن المائة الأوائل لم يفرح لها أحد، وذلك لأنها كانت بين الحياة والموت بأحد المراكز الطبية المتخصصة في علاج الإدمان.. بهذه العبارات كانت رواية الطالبة المدمنة (…) للصحيفة والتي حكت عن تجربتها بكل شجاعة وشفافية متمنية أن تكون عبرة وعظة للشباب والشابات على وجه الخصوص، حيث قالت: قاربت الامتحانات على البداية، وذهبت لمعسكر تركيز مع صديقتها بمنزل أسرة معروفة عريقة، وأصبت ذات ليلة بصداع حاد فقدمت لي إحدى زميلاتي كوب ماء ومعه حبة، وقالت لي (الحبة دي حا تريحك)، وبالفعل لم أشعر بأي شى بمجرد ابتلاعي لها بل شعرت بانتعاش وتركيز أكثر، ولكن تكرر الصداع في اليوم الثاني والثالث والرابع في نفس التوقيت، وأخذت نفس الحبة وفي اليوم السادس عاد الصداع طلبت منها الحبة ولكن جاء ردها (كل شيء بتمنه) لأكتشف أن ما تعاطيته لم يكن حبة بندول وإنما ترمادول والتي تعرف باسم الشاي باللبن، فأصبحت أشتري الشريط الواحد بما يقارب الـ(1000) جنيه لتوفير هذا المبلغ كنت أقوم بسرقة أشياء من منزلنا.
استمررت على هذا الحال حتى انقضاء فترة الامتحانات حينها قررت التوقف عن التعاطر (لمن وصلت إلى 10 حبات في اليوم، وجاء اليوم الذي دخلت فيه في حالة تشنجات شديدة وألم مبرح في كل جسدي، وكذلك صعوبة في التنفس وتحول لون بشرتي للأزرق، وتم نقلي للحوادث، وبعد الفحص اتضح أني مصابة بتآكل في الكبد وضمور في عضلة القلب، بالإضافة لاستسقاء في الدماغ، فتم إدخالي العناية المكثفة والتي مكثت فيها قرابة الشهر في غيبوبة تامة، وتعافيت بأعجوبة طبية، وبعدها وعلى حسب توصية طبيبي المعالج تم نقلي لمركز علاج الإدمان ورجعت لمواصلة دراستي بكلية الطب، وأتمنى أن أتخصص في مجال علاج الإدمان لأمنح الآخرين حياة جديدة.
إحصائية مخيفة
جلست “الصيحة” إلى البروفيسر على بلدو، مستشار الطب النفسي واستشاري علاج الإدمان والذي بدأ حديثه حول القضية بأن الإحصائيات للعام 2017/2018 تشير إلى ارتفاع كبير في حجم التعاطي والإتجار وأن أكثر فئة مستهدفة من قبل ضعاف النفوس هم الشباب، وأن السودان تحوّل من دولة معبر للمخدرات إلى دولة مقر وتجارة في الوقت الذي يتم فيه استهلاك أكثر من 65% من الحشيش “القنب الهندي” في السودان بحسب المنظمة الدولية للمخدرات على حد قوله.
ويمضي بالقول في تشريح الظاهرة ليضيف أن المخدرات تنقسم إلى مخدرات طبيعية كالبنقو والشاش والقات ومخدرات مصنعة أو مخلّقة مثل الكوكايين والمورفين مع تزايد الظاهرة وسط الشباب ما بين الفئة العمرية (14/42)، مع تزايد أعداد الذكور على الإناث وتتزايد الظاهرة في الأماكن الحضرية أكثر من الأرياف، كما تبين الدراسات وجود بعض حالات الإدمان وسط طلاب الأساس الذين هم في سن دون الـ (14) عاماً، الشيء الذي يوحي إليك أو يجعلك تشك بأن هناك أيادي خفية ولديها مصلحة في أن يكون شباب السودان مغيبين عن الوعي تمامًا.
أعراض الإدمان
وللتعرف على علامات الإدمان وأعراضه يقول استشاري علاج الإدمان أنه يمكن إجمالها في الشعور بالخرمة أو التعود والأعراض الانسحابية والمضاعفات الجسدية المختلفة التي تشمل القلب والرئة والكلى والجهاز العصبي، كما تؤدي لصعوبات اجتماعية في الأسرة والعمل والدراسة ومصاعب نفسية كالقلق والتوتر والعنف والغضب والاكتئاب والانتحار في بعض الحالات، ويمكن ملاحظة ذلك في بداياته بالتغير في السلوك والأكل والشرب وطبيعة النوم، مع وجود ظواهر سلوكية سالبة كالقتل والاغتصاب والسرقة والهروب من المنزل.
أنواع المخدرات
أما فيما يخص أكثر الأنواع تداولاً فهي البنقو الذي يعرف شعبيًا بالكمنجة والدوكو والشاش الأثيوبي، وهو أخطر من البنقو بـ(30) مرة، جنباً إلى جنب مع حبوب أبو صليب وأبو شلخة المعروفة بـ(الكبتاقون) والتي تم ضبط حاويات ضخمة منها، هذا بخلاف ما تم توزيعه، وأيضاً حبوب “الترمادول” والمعروفة بالفضي والوردي والشاي باللبن، كما ظهر أيضًا تعاطي شراب الكحة والذي يتم بيعه في محطات المواصلات والإستادات والأماكن العامة نظير مبلغ مادي زهيد.
نساء مدمنات
وأشار إلى دخول حواء السودانية عالم الإدمان من باب الجمال ابتداء من الشيشة والسجائر، ونسبة التدخين بينهن بلغت 30%، بالإضافة لاستخدام حبوب أبو نجمة والبمبي والبياض، مما أدى للإدمان، ولكل مضاعفاتها تؤدي للوفاة، فقد أصبح شعار حواء (أخير لي أن أموت وأنا بيضا خير من أعيش خدرا).
تقاعس:
وحمّل علي بلدو النظام السابق مسؤولية التقاعس في علاج المشكلة، وكذلك عدم التوسع في إنشاء مراكز علاج الإدمان متحججين بالتكلفة العالية والحد من الترويج والتجارة نتيجة لضعف المعينات والذي يؤثر على المكافحة بالطريقة المثلى، حيث لو تم تحويل كل قوات الشرطة لمكافحة المخدرات لما منعت ذلك على حسب حديثه.
أوكار ومسميات
وأشار بلدو للصيحة، إلى أن الترويج دائماً ما يتم في الأماكن القريبة من المدارس والجامعات والمعاهد العليا وأماكن الكثافة السكانية العالية وتعرف هذه الأماكن بأسماء مختلفة تعبر عن وجود المخدرات مثل “كلومبيا” و”كمبوديا” و”الخانة” و”الجقوب”، كما يعرف من يقوم بالترويج بـ”الراسطة” و”اللورد” و”الصيدلي” و”الدكتور” و”المعلم”.
التاءات الثلاث
ويواصل بروف علي حديثه للصحيفة، قائلاً: يبدأ الشخص في التعاطي أولاً ثم ما يلبث أن يكون مروجاً وينتهي به الأمر تاجراً، وهذه تعرف بالتاءات الثلاث (تعاطي..ترويج.. تجارة)، كما يتم استخدام وسائل مبتكرة في التعاطي، كاستغلال نوادي المشاهدة وأماكن الشيشة والشاي والقهوة في الكافيهات والكافتريات، بحيث يمكن أن يصبح الشخص مدمناً بإرادته أو بغير ذلك.
دلفري
كما كشف بلدو عن وسائل التوصيل المنزلي أو الدلفري واستعمال الهواتف النقالة في الترويج ومحاولة مزج المخدرات مع بعضها البعض بالإضافة للأنواع الجديدة مثل(المس كرستل والبدرة).
وقال بلدو إنه في كثير من الأحيان يتم استغلال الأطفال في الترويج في الطرقات والتقاطعات بطريقة متزايدة وبصورة مزعجة.
ويرى بروف بلدو أن تفاقم المشكلة وارد في ظل عدم وجود خطط واضحة في التعامل مع الظاهرة خاصة من ناحية العلاج والإنكار والوصمة من قبل الأسر والتستر على أبنائها، حيث لا يتم الكشف عن وجود مدمن في المنزل إلا بعد أن يرتكب جريمة كالقتل أو وما شابهها، ولا ندري متى ستقع الكارثة منه.
وشدّد بلدو على أننا نحتاج لكل الجهود لمحاربة هذه الظاهرة الدخيلة المدمرة للمجتمع.
المسؤول الأول
الحاكم هو المسؤول الأول عن تفشي الظاهرة.
بهذه الكلمات بدأ مولانا كمال رزق إمام وخطيب المسجد الكبير بالخرطوم، وأن للحكومة دورا كبيراً ومهماً من ناحية قانونية، وذلك بسن قوانين رادعة كالحكم بالإعدام، كما هو معمول به فى البلدان الأخرى، لأن المخدرات تتسبب في قتل الناس، فلابد أن يعدم من يروج لها، وكذلك الدين ينص على قتله لأنه يقتل الناس متعمداً، وهو سبب مباشر لضياع الشباب.
أما الجانب الثاني فتربوي وهو أن أن ندخل المخدرات وخطورتها داخل المناهج التربوية التي تدرس للطلاب، وأن يقوم بتدريس ذلك معلمون أكفاء وتربويون، وأن يركزوا على استخدام الوسائل التعليمية المختلفة (صوت وصورة)، وتوضيح مخاطر الظاهرة وكيفية تأثيرها على الإنسان، وأيضاً لابد من إحكام الرقابة على الحدود، فالسودان بلد مترامي الأطراف ودخول المخدرات عبرها أصبح من السهولة بمكان.
وشدد مولانا كمال رزق على أن يكون الحاكم حازماً قوياً يطبق القانون بصرامة وعدالة ولا يجامل فيه أبدًا لأن الحاكم هو أساس الحرب على المخدرات.
قوانين وعقوبات
وكان لابد من وضع هذه القضية أمام الجهة المختصة للوقوف على الحقائق، حيث التقت “الصيحة” بالعميد نجم الدين عبد الرحيم خلف الله، المدير التنفيذي للجنة القومية لمكافحة المخدرات، والذي قال إن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية للعام 1994 نص على الجرائم والعقوبات في الفصل الثالث من المادة 15 جريمة الاتجار في المخدرات إلى المادة 23 وأن القانون متشدد في الععقوبة سواء كان إتجاراً أو ترويجاً، ويمكن أن تصل إلى الإعدام، وتتراوح ما بين السجن والسجن المؤبد والغرامة في الأحوال العادية .
وأكد على أن القانون يتشدد مع القوات النظامية والقوات العاملة في المكافحة في حالة الاتجار، ويكون الحكم فيه بالإعدام من أول مرة، وكذلك يكون التشدد في القانون في حالة استخدام الأطفال والقصر في الترويج.
تحديات
وقال نجم الدين إن الحدود من أكبر التحديات التي تواجه إدارة المكافحة خاصة وأن السودان يمتاز بحدود طويلة مفتوحة وأخرى طبيعية مع الدول المجاورة والتي يعاني بعضها من اضطرابات أمنية، وأن بعض المخدرات الخطيرة (الكوكايين) المهربة تأتي عابرة من أمريكا الجنوبية إلى دول غرب أفريقيا.
ولمحاربة تعاطي المخدرات وسط الطلاب وفئة الشباب بصفة عامة، تبذل الإدارة جهوداً كبيرة على مستوى المركز والولايات، وكذلك تعمل على نشر التوعية بينهم حتى داخل الأحياء السكنية والمؤسسات الخدمية والإنتاجية والتعليمية بخطورة المخدرات حيث أقامت الإدارة في 2015 (800) محاضرة توعوية.
استبعاد
وأضاف العميد نجم الدين أن الإدارة شاركت في وضع مناهج تعليمية لطلاب المدارس الثانوية (أول/ ثاني) لولاية الخرطوم سترى النور قريباً.
ونفى نجم الدين بل واستبعد الاتهام الذي يوجه لمحلات بيع الشاي والقهوة (ستات الشاي) بأنها منافذ للترويج بأن توضع الحبوب المخدرة في كوب الشاي أو القهوة كما يشاع هذا حديث عار من الصحة، لأن مذاقها وشكلها حتماً سيتغير، الأمر الذي يسهل على (الزبون) اكتشافه، بالإضافة لارتفاع سعر المخدر مؤكدًا أن الاستخدام أو التعاطي الأصل فيه الرغبة والإرادة.
جهود مكثفة
وكشف عن زيادة في حجم الضبطيات من “الترمادول” و”القنب” نتيجة لتكثيف الجهود والجدية في المحاربة، وأضاف أن بلاغات التعاطي وسط الشباب بلغت الـ 3% من جملة البلاغات والنساء2% وبلاغات البنقو 84% من جملة بلاغات المخدرات وأن ارتفاع نسبة البنقو مردها إلى قلة سعره وتوسع زراعته بالداخل.
هناك اتجاه لتكوين مجلس أعلى لمحاربة الظاهرة من بعض الوزارات السيادية، والجهات ذات الصلة ولتعديل القانون ليكون أكثر صرامة ومواءمة للواقع .
إضاءة
قالت وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية أن السودان يمتلك إرادة سياسية قوية لمكافحة المخدرات، وأشادت بالإدارة واحترافها من خلال التقارير التي تقدمها وفود السودان والتي شملت الإحصائيات والعمليات الناجحة وأساليب المكافحة مقابل أساليب التخفي والتهريب من قبل العصابات.
الصيحة