حميدتي يوصف بأنه قاتل و كأن الحرب نزهة أو كأن القوات التى تحمل أسلحتها الى الجبهة تذهب لزراعة الورود !
النخبة _ خطاب المظلومية
عندما نتعاطى مع أزمة خطاب المركز والهامش علينا دائمآ أن نفرق بين مصطلحين العدل والثأر ..
عبدالرحمن عمسيب _ورقة التغيير قراءة في دلالات المصطلح و توظيفاته في السودان ” قدمت في 2016 ”
خطاب المظلومية
علي و قبل أن أكتب أي شئ أن أعين الناس على فهم ما أقصد بخطاب المظلومية .. و لأن التعريف هو أصعب المهام .. و لأن أرسطو كان يهزم الناس بطلب التعاريف و تفنيدها فأن المثقف يهرب من التعريف ..
المظلومية قد ترتبط بأحتجاج فئة كما هو حال العمال أو طائفة كما هو حال الشيعة أو سلالة كما هو حال الأيزيديين في العراق أو عرق كما هو حال اليهود و يقوم الخطاب على أنها تعرضت للظلم ليس أكثر من غيرها فحسب .. بل أنها هي وحدها التي تعرضت للظلم طوال التاريخ و أنها و بناء على ذلك وحدها تستحق التعاطف .. أعتراف الطائفة أو السلالة بأن الأخرين تعرضوا للظلم يعني أن الفرق فرق درجة لا فرق نوع .. بمعنى أن هنالك أخرين يتعرضون للظلم و يستحقون أقتسام التعاطف .. و هو ما لا تحتمله خطابات المظلومية و ترى فيه أستخفافآ و تواطوءآ ..
عرفت المظلومية بأنها تقوم أصلآ على رفض جذري للمساواة في التعاطي مع الضحايا الأخرين .. حتى أنها ترى في الحديث عن الظلم الذى يتعرض له أطفال اليمن أو الفلسطينين في غزة محاولة لأبعاد الأنظار عن قضيتها هي .. ترى فيه ضربآ من ضروب ما يسميه أعمدة هذا الخطاب و منظريه “تواطوء أيدلوجي” و سنتطرق لهذا المصطلح تفصيلآ..
الجلابة
عندما أقدم تفسيراتي لأفهم طبيعة الصراع في السودان فأني أفهمه في أطار المصلحة و الطبقة .. في أطار أدوات تحليل ماركسي عملت عليها و طورتها لتملك قدرة تفسيرية على تحليل واقع مجتمع في طور التحول الى مجتمع رأسمالي حديث .. هذا النموذج التفسيري الذي أعمل عليه منذ زمن الى جانب أعتدادي الشديد بجذوري و هويتي .. وضعاني في صدام مباشر مع جدلية المركز و الهامش .. و على مستويين .. مستوي التفسير على الأساس الثقافي و الهوياتي وفقآ لمنهج التحليل الثقافي و الذي يرى في السودان صراعآ بين قبائل عربية و نوبة مستعربين يحكمون الدولة ضد زنج و بجا ..الخ أصيلين تم تهميشهم و أبعادهم و هي نظرة على ما فيها من عنصرية بائنة و قدرات تفسيرية ضعيفة عند أعمالها على الواقع الا أنها وجدت رواجآ في معسكرات التمرد التى ظلت تحارب الدولة المركزية و من قبل الأستقلال حتى ..
يدور منهج التحليل الثقافي و كتابات الباقر العفيف و محمد جلال هاشم ..الخ كلها في فلك واحد .. جعل هذا الخطاب العنصري المناطقي مقبولآ في المنابر الأكاديمية و السياسية عبر تغليفه بالمصطلحات الرنانة و عبر أعادة قراءة التاريخ و لي عنقه و قولبته بحيث يؤيد مزاعهم هذه ..
و جلابة هذه و أن تدثر المتدثرون بأنها من جلب البضائع الا أنها من الجلباب “الجلابية ” و هي صوت يوجد في لغة القبائل الزنجية عندما تشير للعربي عبر رمزية ما يرتديه .. أذ أول ما يترأى لك و أنت ترى العربي جلبابه .. و هي اللفظة التى يطلقها عمال الكنابى “عمالة الحصاد الموسمية ” على صاحب الحقل .. أو التى يطلقها عمال النقل على التاجر ..الخ و أنتخبت هذه اللفظة من القاع لتعبر عن رب العمل حتى وأن لم يكن من من يتعارف على تسميتهم بالعرب في السودان ..
خراب الخرطوم
يسرى بين الناس خطاب لا يعرف له أصلآ مفاده أن الخرطوم هذه يجب أن تغرق في الدم .. أن هولاء الناس يجب أن يشربوا من الكأس الذى شرب منه أهل المناطق التى تشهد الحرب .. هنا بالتحديد يتسرب منطق خطاب المظلومية .. أصحاب هذه الخطابات يعتقدون أن الظلم لا يزول بالعدل ، بمعنى توسيع دوائر التنمية أو حظوة أكبر في السلطة ..الخ ، ننوه هنا الى أن الأنقاذ منحت الأدارات الأهلية في دارفور ولايات كاملة بمجالسها التشريعية و دعمت الأدارات الأهلية و منحت دارفور ثلث مقاعد المجلس الوطني و منصب نائب الرئيس و كبير مساعديه و مساعده ..الخ و مع ذلك لم تتوقف الحرب ، بل يعتقدون أن المظلومية لا تزول الا بالثأر أذ أن خطاب المظلومية بالأصل لا يسعى الى أزالة الظلم عن القبيلة أو الأقليم ..الخ بل يسعى لممارسة الظلم ضد الأخرين الذين يعتقد أنهم ظلموه .. و من هنا تبدأ المشكلة ..
أردول
بوست أردول عن أنه دخل القصر كمفاوض و قديمآ دخله كعامل يومية ، وجد من التعاطف ما وجد ، و هو أمتداد أيضآ لخطاب المظلومية ، حقيقة أنا لا أفهم ذلك الا في أطار خطابات المظلومية .. أنا مثلآ و عندما عملت ” طلبة” أو “كاشير ” أو حتى “كمسارى” لا أرى أن ذلك مرتبط بكوني قادمآ من أقليم بعينه سواء كان جبال النوبة أو لا .. لكن أردول يفهمه كذلك ..
الأيدلوجيا التى تتمثل في خطابات المظلومية هذه تعمي أصحابها عن طفل يرتدى “جلباب” مهترئ و قديم و يحمل “كرتونة” على الطريق التحدي في ريف نهر النيل ليتكسب منها و قيمة هذه الكرتونة ككل لا تتعدى 50 جنيهآ ..
الأيدلوجيا تعمى هولاء حتى عن “طلبة” أخر بلون قمحي و ملامح عربية يعمل معه في ذات “السقالة” .. المشاهد كثيرة لكن نظارة الأيدلوجيا عمياء ..
حميدتي
حميدتي رجل قادم من دارفور أيضآ لكن المخيال الجمعي للنشطاء تشكل أصلآ ليعادى حميدتي كمكون عربي في دارفور .. أجلس الى أي ناشط من نشطاء “العاطفة” هولاء و أطلب منه أن يحدثك عن ما يجرى في دافور و سيقص عليك روايات ساكن أو بالأحرى رواية جانب واحد عن القصة .. رواية الحركات المسلحة ..
لا يتعب الواحد نفسه ليفهم أن خطابات كحميدتي تشادي أو أنه من النيجر أو غيره هي خطابات تاريخيآ ليست صحيحة حميدتي من فخذ الماهرية و هو رزيقي ينتمى الى أكبر قبائل دارفور مطلقآ فلم يوصف بأنه أجنبى تارة .. و يسخر من لكنته تارات أخر .. و لا يوصف الفاعل بأنه عنصري ؟!
حميدتي يوصف بأنه قاتل و كأن الحرب نزهة أو كأن القوات التى تحمل أسلحتها الى الجبهة تذهب لزراعة الورود ! .. الحرب في دارفور أشعلتها الحركات و هي بذلك فقد نقلت الحرب الى قرى أهلها و مدنهم .. لا يمكن أن نلوم طرف واحد عندما يتعلق الأمر بحرب يخوضها طرفان .. أو بالأحرى لما يلام حميدتي على الحرب و عندما بدأت الحرب كان حميدتي مشغولآ بتجارة الحدود عبر الحمير و تعرض هو نفسه للمضايقات و النهب و السلب ؟
حرب طموح
الحرب التى أعلنتها فصيلة الأنانيا 1 و المذبحة التى أرتكبت في مدن الجنوب الرئيسية بحق الشماليين لم يكن سببها أصلآ أخفاقات دولة ما بعد الأستقلال لأن التمرد و عندما أندلع فأن الدولة المركزية لم تتشكل بعد .. و بالتالي علينا أن نغوص عميقآ في أسباب هذا التمرد كي نفهم بالضبط ما جرى في توريت 1955 ..
كذلك فأن جبهة نهضة دارفور التى أسست عام 1961 م علي أساس قبلي مناطقي لم يكن السودان قد أكمل خمسة سنوات منذ الأستقلال و كان عبود أصلآ قد أطبق على الدولة الوليدة بأنقلاب ..
المتمردون الأن ليسوا من القبائل الأكثر فقرآ و الذين لا تمثيل سياسي لهم و لا صوت في الخرطوم .. بل هم من القبائل التي تمتلك الأرض و تمتلك الزراعة و تراكمت عندها الثروة أصلآ .. هم أغني أصلآ من مكونات الرعاة الموجودة على هوامش مراكزهم .. لذا فأن هذا الحضر شهد أكبر مداد للأفندية المضادة في الأنقاذ ليس أبتدءآ من بولاد و ليس أنتهاءآ بخليل أبراهيم ..
هذه الأفندية رأت في نفسها أستحقاقآ للحكم تغذيها خطابات أستعلاء قديمة تجدها في مخاطبات سلطان دارفور محمد الفضل لقائد حملات الترك الدفتردار و لم تجد هي بدآ من أن تغذيها بخطابات الجهوية و المناطقية حتى تضمن ألتفافآ شعبيآ حولها ..
رأيت مرة عبدالعزيز الحلو يخاطب جمعآ من البسطاء ليخبرهم بأن الدولة تقتلهم لأنهم نوبة _ لا لأنهم يقاتلون معه و هو السبب الرئيسي _ و أنها تتعامل معهم على قاعدة “جلد ما جلدك جر فيهو الشوك” .. هكذا يفسد سياسيين كالحلو فرص التعايش السياسي و بناء وطن يسع الجميع ..
عبدالعزيز بالطبع أمتداد لمدرسة قرنق التى تعرض في الميديا خطاب عن العلمنة و السودان الجديد .. لكن على الصعيد العملي فأن قرنق أختار حرسه و كتيبته الرئاسية حصرآ من أبناء الدينكا و تحديدآ دينكا “بور” حيث ولد ..
و يحكي لام كول في كتابه عن الحركة الشعبية أن الجلالة العسكرية المفضلة لقرنق كانت بلغة الدينكا و مفادها :
أس بي لي أيه “أي الجيش الشعبي لتحرير السودان”
الأن في بونقا .. هولاء العرب قالوا أنهم يريدون سلامآ ..
هذا الجون لن ينخدع ..
أس بي لي ايه الأن في بونقا ..
لكنها في يوم ما ستذهب للخرطوم و ستسوى العمارات بالأرض ..
الحرب
خطابات المظلومية هذه تظل متماسكة حتى بعد أن تصل الجماعة التى تحملها للسلطة .. بل أنها تتوسع و تتمدد .. تماسكها ضروري لأستمرار الجماعة هذا من جهة ..
من جهة أخرى خطابات المظلومية تعطى نخب هذه المناطق نقاطآ أضافية و أمتيازات و رأسمال رمزي .. فقط لأنهم من تلك المناطق .. و بالتالي فأن سقوط خطاب المظلومية يؤثر مباشرة على كم كبير من أصحاب المصلحة من هذا الخطاب “الأبتزازي” ..
لماذا يجب تفكيك خطابات المظلومية هذه و مقولاتها ؟ لأن خطابات المظلومية هي عبارة عن غذاء لنار الحرب الأهلية .. هو سناريو يضعنا بين حرب اهلية مستدامة بسبب الشرخ في النسيج الأجتماعي الذي حدث ..حرب لا تنتهي الا بدولتين .. أو أعادة أنتاج نفس الأزمة بتسليم السلطة كاملة الى هولاء الناس و هو أمر غير ممكن عمليآ في السودان ..
#وهكذا
مايو الكئيب 2019
شارقة الثقافة
بقلم
عبدالرحمن عمسيب
فيسبوك
كلامك منطق لكن تجاوزه الزمن.
المنطق الآن هو نفس النفس الأمارة بالسو .هو فكرت الكراهية .
لم تنتهي لانها بنية عليها نفسيات الناس .
مهما عملت ومهما تجملت الكراهية ثابته ولا تنتهي .
علي حسب القراءات الكراهية شرفها هو التحاكم بالدم. ليس بالمساواة ولا بالعدل.كما يدعون.
من حاسي بالكراهية لن ترضية ملأ الأرض عدلا .كما فعل سيدنا عمر ابن الخطاب في خلافته للأرض عدلا. لكنه قدرت به نفسا تحمل كراهية.
لا يا ودبندة لم يتجاوزه الزمن للأسف فهو حاضر بقوة ويتمدد …
لا يا ودبندة لم يتجاوزه الزمن للأسف فهو حاضر بقوة ويتمدد …